غياب الأمن، الإنارة والنقل ليلا يغني المسافر عن السؤال سكنات مغلقة والأعوان يشتركون في شراء صهاريج المياه من كثرة الحديث عن القطار السريع المجهز بكل المتطلبات الضرورية من أريحية وأمن ونظافة وغيرها من الأمور التي تشعرك بالراحة، ناهيك عن التغريدات التي يطلقها أصحابها عبر صفحاتهم بشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تناولوا خبر عودة القطار إلى الخدمة بعد سنة ونصف من توقفه، وكانت قبة البرلمان قد شهدت طلبات عودته رافع عنها النائب بري حكيم إلى وزير النقل والأشغال العمومية. الأمر الذي حمّسنا للعودة نحو العاصمة على متن القطار القادم من عاصمة الأوراس مرورا بمدينة بريكة ثم محطات «المسيلة، برج بوعريريج، البويرة، بومرداس، وصولا إلى محطة ساحة الشهداء بالجزائر العاصمة. نهاية الرحلة التي وصلناها مع أشعة الصباح الغد بعد سفر دام سبع ساعات، قضينا ساعتها الأخيرة إلا دقائق معدودات، في الانتظار بمحطة الحراش لأن سائق القاطرة لم يسمح له بالمرور إلى غاية خروج القطار المغادر من محطة أغا نحو بومرداس. الأمر الذي تسبب في قلق المسافرين وأثار سخط الكثيرين منهم، متسائلين في الوقت ذاته، لماذا يدفع الركاب ثمن أخطاء تنظيمية لا دخل لهم فيها؟ وهل الأمور التنظيمية من مسؤولية مركز القيادة؟ أم أن المسافرين دوما يدفعون تبعات هذه الأخطاء؟، بحيث اضطر الكثير ممن كانوا على متن الرحلة الى مغادرة العربات خاصة أولئك الذين تربطهم مواعيد سفر بالمطار الدولي هواري بومدين، او كبار السن من لديهم مواعيد طبية وصادف تواجدنا بالرحلة بعض الشباب الذين كانت تربطهم مواعيد التأشيرة، وآخرون لديهم تحاليل مخبرية تضطرهم إلى قطع المئات من الأميال عليهم الالتزام بمواقيتها، فغادروا القطار واستلقوا سيارات اجرة. عندما أخبرنا ان الرحلة مع منتصف الليل، لم نشأ التأخير عن الموعد، زادنا الفضول الصحفي اكتشاف هذه الرحلة فربما المواعيد هذه تكون مضبوطة وصارمة في قرارات أصحابها، فكان لرفيق الرحلة «قادة» الكثير من الحديث عن واقع التنمية بالمدينة المنسية وما إن وصلنا إلى المحطة التي كان في اعتقادنا أن نجدها محطة بكل المواصفات، محطة تتوفر على كل الضروريات ومرافق الحياة، مثلها مثل أي محطة في أية ولاية. لكن الحقيقة أننا صدمنا عندما تراءى لنا المكان من بعيد، كنقطة ضوئية في كوكب منعزل عن الساكنة، سالت السائق، هل أنت متأكد أن ذلك الضوء اليتيم الخافت هو مقصدنا، كان في ذهني أنه يمزح معنا فقط، خاصة وأن سيارته التي أكل عليها الدهر وشرب، تشبه مركبة أفلام الخيال العلمي، امتطيناها كوسيلة نقل «الكلونديستان»، لكنها سرعان ما تتوقف وتحدث أصواتا، وعندما نسأل السائق، هل هناك عطب ما، يجيب بضحكة هسترية، لا.. لا، الأمور عادية، ليضيف بإمكاني نقلك إلى العاصمة والعودة - إجابة متبوعة بضحكة يطلقها «قادة القروم»، لذلك بقينا نتساءل عن سر هذه المركبات التي تسير في الطرق، وهي في أرذل العمر تفتقد إلى أبسط الأمور، كالمنبهات، الأضواء، الفرامل....الخ. تسيّب أم تغييب؟ أم مقبرة غادرها الموتى؟ أخذنا الحديث رفقة السائق، إلى أبعد من الخيال وهو يصف لنا الرحلة عبر القطار مثلما سمعه يتداول على الألسن وما زاد في فضولنا لامتطاء القطار، حديثه عن الرحلة بأنها سفر يكتب في الذاكرة، فزاد من حماسنا وشوقنا إلى ذلك، وعندما توقفت بنا السيارة قال لي «قادة القروم» هذه هي المحطة مشيرا إلى نقطة ضوئية بعيدة هناك وسط الظلام الدامس، وإذ بالعطش يفعل فعلته في حرارة قاربت ال45 درجة مئوية، فطلبت منه التوقف عند أقرب دكان لشراء قارورات مياه نقاوم بها عطش الرحلة، ليرد علينا في تؤدة، نشتري من المحطة، وهو بذلك يجبرني على الانتظار لأرى الأمور كما هي بحقيقتها. أطلال تشبه أفلام الهيتشكوك تتعانق فيها الأرواح ما إن نزلنا من السيارة حتى لاحظت جموعا من الناس فرادى، يقفون على مشارف البوابة المغلقة أقفالها، وحتى الباب الفريد للولوج إلى داخل المحطة كان موصدا ومن وراءه ظلام دامس، وبعض العائلات مع أطفالها تقف على الحوافي تنتظر هذا الأت الجميل، كأنه قادم من كوكب دري ثمين. تتواجد المحطة في منطقة تسمى «الصفر « على مشارف مدينة بريكة، يتواجد خلفها الحي السكني 300 مسكن وتقابلها تجزئات سكنية وزعت على مواطنين ليلا، فأصبحت بقدرة قادر بنايات بلا روح، وتتربع المحطة الغريبة على مساحة قاربت الهكتارين لكنها في الواقع غير مهيّأة وكأنها أطلال عانقت حروب جمة، لا مساحة خضراء تبهر المكان، ولا كهرباء تضيء المقام، تظهر هذا الصرح ألخداماتي على أنه محطة وليس حطاما، لا حنفية مياه يسد بها المسافر رمقه، يقاوم بها عطشه، ولا كراسي على الرصيف للجلوس، لا خشبية ولا حجرية، لا محطة قاعة استقبال يجلس على أوتادها الركاب، ولا أعوان أمن تسألهم عن أشياء تخلخل أسئلتك، ولا مكتبا يبتاع فيه التذاكر، ولا كشكا تشتري منها أغراضا مثلا. منطقة معزولة عن الساكنة حتى وسائل النقل ليلا غائبة تماما، وأن تعذّر على أي مسافر الرحلة، يضطر العودة إلى بيته مشيا على الأقدام طول هذه المسافة التي تفصل المكان بحوالي 1 كيلومتر، إلى غاية الوصول الطريق الرئيسي، أما محطة النقل التي تبعد بضع أمتار عن المحطة فهي تركن في سبات منذ زمن طويل ولا يزورها الركاب إلا لماما في ساعات النهار، أما ليلا حسب محدثنا «قادة القروم» فهي من المستحيلات المغامرة هناك. ماهي إلا لحظات حتى فتح العون الوحيد بالمحطة تلك الباب الموصدة يحمل في يديه هاتفه النقال مشعلا به ضوءا خافتا يقاوم به وحدته في هذا الليل العسير، وقف متسمرا في مكانه، وكانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل أربعة دقائق، حتى تجمع الركاب من حوله، وقد قارب عددهم 31 نفرا من مختلف الأعمار، وفي لحظة يأمرنا بالصعود إلى أعلى المحطة مرورا بمدرج ينتهي عند رصيف السكة والظلام يغطي المكان، وتوزعت الجموع على الرصيف في تؤدة وخوف. بدأ الفضول الصحفي يتسلل إلى أوصالي، يدغدغ حواسي، كي انخرط في تعويذة الكتابة عن هذه البقعة المنسية من قطاع النقل والمواصلات في وطني،كانت وجهتي مباشرة نحو عون الأمن الشخص الفريد الوحيد في هذه البقعة التي تشبه الخراب، أسأله عن غياب الإنارة ومياه الشرب، والمراحيض، قاعة الانتظار، عن الشبابيك، عن الكثير من الأسئلة التي نزلت على قلبي بردا وسلاما في هذا الليل الهجيع من صيف محرق مخرق. القطار الجديد ليس له مواعيد ثابتة «الشعب» اقتربت من الشخص الوحيد بالمحطة ، وهو يمسك بيده يلوح بفانوس هاتفه النقال في إضاءة تلك العتمة الكبيرة ليخبرنا «بأن القطار الجديد ليس له مواعيد ثابتة في السير وأحيانا يتم تغييره بقطار آخر، فقلل بإجابته نوعا ما من هاجس الرحلة والعودة إلى العاصمة عبر القطار، وتصادف اليوم الذي حاولنا التنقل على متنه بالسبت، فكنا في الموعد إلا أن القطار «البريستيج «، تعذّر عليه المرور عبر وجهتنا التي جئنا من أجلها، وبما أن القطار به 5 عربات تتسع كل واحدة إلى 200 راكبا، يتوفر على كامل المستلزمات من غرف نوم، المكيف الهوائي، بيع المشروبات والأكل، كل ظروف الراحة متوفرة بصفة نظامية جيدة، إضافة إلى توفر الأمن يتوفر أيضا على مرافق الرحلة من المراحيض والنظافة بلغة بريئة وحزينة قال محدثنا في رده على سؤال «الشعب « أنه يشتغل خمسة مهام أو أكثر في نفس الفترة والمكان وهو نفسه المسؤول عن الأمن والأفراد ساعة ولوجهم المحطة وعلى قدوم القطار على رصيف المسافرين، على النظافة....الخ، دون مساعدة أحد المحطة لا تتوفر على أدنى الخدمات، ولا يوجد بها أي شيء لا ماء لا كهرباء لا مكاتب لا نقاط بيع، لا مركز امن لا نظافة.. العمال يعملون في ظروف قاهرة وخطيرة ليلا. في غفلة من محدثنا تسللت إلى حيث قاعة الاستقبال التي وجدتها خرابا، نوافذ محطمة، زجاج في الأرض مشكلا فسيفساء رعب كأنها تعرضت إلى قصف جوي، أما المكاتب فهي الأخرى تشبه الخرابة لا أكثر، أما المراحيض فهي الغائب الأكبر لأنها تركت مكانها للجرذان. تتوفر المحطة على ثلاثة مصالح من بينها مصلحة «اكسيلاتاسيون» ومهمتها تصليح خط السكة، يبلغ عدد أفرادها 15 شخصا لا يعمل أي أحد منهم ليلا.. أما أعوان الحراسة والأمن فيعملون بصفة دائمة وتصادف توجدنا في عين المكان تواجد عون أمن فقط في مكان، يشبه المنطقة المعزولة وداخل بناية تشبه الخراب ولو تعرض الى اعتداء ليلي مثلا، لا يجد حتى من يقوم بإسعافه. حاولنا الاتصال بمديرية السكة الحديدية بقسنطينة للاستفسار أكثر، لكن الارقام التي منحت لنا خارج الخدمة، بالرغم ان نظام توزيع مهام الأعوان لا يخضع الى مقاييس الحماية والأمن مثلما تفرضه المنطقة وخصوصياتها الأمر الذي وقفنا عليه. تم استلام محطة بريكة سنة 1990 وبقيت على حالتها تلك الى غاية 2015، استلمتها مديرية الجهوية للسكك الحديدية بقسنطينة، كمشروع تم انجازه، تتواجد بالقرب منها سكنات وظيفية ، جلها خالية من السكان ولا تزال بقايا أعشاش الحمام بها ماثلة على الشرفات المقابلة، منها من أغلق أصحابها أبواب بيوتهم لعدم توفر أسباب العيش هناك، وإذا كان عنصر الحياة الذي هو الماء غير متوفر بسبب غلق القناة الرئيسية من طرف البلدية، لعدم تسديد المحطة للفاتورات المتراكمة عليها، وتغرق هي الأخرى في ظلام دامس زادها عزوف السكان للتذكير القطار «بي1» الذي يعني «باتنة - العاصمة» عمل لمدة قصيرة تم توقف تماما لمدة سنة تقريبا.. ليعاد بعث خط جديد بعربات جديدة كروديان وهناك 3 أنواع من القطارات التي عملت على هذا الخط من بينها قطار المحروقات من قسنطينة او سكيكدة يقوم بتفريغ الحمولة في ولاية المسيلة ليتوقف هو الآخر لأسباب يجهل مصدرها يقول محدثنا رغم أن خط السكة لابأس به وليست به أية مشكلة اما القطار الجديد فينطلق من باتنة نحو العاصمة مرورا ببريكة وأن كان التوقيت في سابق بداياته ينطلق على الساعة الخامسة مساء .. عاد مجددا إلى الخدمة بتوقيت جديد، وأمام هذه اللامبالاة والتسيب للمنشآت العمومية يدفع المسافر فاتورة البريكولاج هو في غنى عنها.