رغم أن الجزائر التزمت الحياد الإيجابي تجاه الأزمة التي تعصف بليبيا وتمسكت منذ البداية بخيار الحل السلمي وتحفظت على التوجه العسكري الذي تبنته المجموعة الدولية والعربية للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، إلا أن المعارضة الليبية المسلحة التي تعيش هذه الأيام اطوار انكسار حقيقي بعد أن خيب الناتو أملها في الاطاحة بالعقيد وانضم إلى الداعين لايجاد تسوية سلمية للمعظلة الليبية، فضلت أن تعلق فشلها وخيبة أملها على شماعة الجزائر وتشن عليها حملة اتهامات قصد توريطها في الحرب التي تحرق ليبيا وتكوي المدنيين فيها رغم أنها أي الجزائر، كانت من أكثر الرافضين لاشعالها وهي اليوم أكبر الساعين في إطار الاتحاد الافريقي لاطفالها. لقد سخر المتمردون الليبيون قنوات التهويل والتهديم لقصف الجزائر بقذائف من الأكاذيب والاتهامات الباطلة تماما كما سخروها لبث عويلهم وبكائياتهم واستغاتثهم بالغرب ليقود بدلا عنهم مايسمونها ثورة للاطاحة بغريمهم القذافي ليحلوا محله ولو على ظهر دبابة الناتو، وهاهم يخفون عجزهم بمزاعم خبيثة يدعون من خلالها بأن الجزائر ترسل مرتزقة للقتال مع قوات القذافي وبأنها تغض الطرف عن تسرب مرتزقة من جنسيات أخرى إلى ليبيا، وتجاهل هؤلاء بأن الجزائر التي صادقت على اتفاقية الاتحاد الافريقي ضد عمل المرتزقة أكبر من أن تحمل سكينا وتشارك في طعن ليبيا وتمزيق أواصر شعبها، وهي لاتدعم أي طرف من أطراف النزاع ولاترسل أبناءها لتعزيز صفوف هذا المعسكر او ذاك والطرف الوحيد الذي تدعمه بكل قوة هو الشعب الليبي، والهدف الوحيد الذي تسعى إلى تحقيقه هو اخماد نار الفتنة التي تعصف بأمنه واستقراره والتي يؤججها التدخل العسكري الغربي وليس الجزائر التي تدرك اكثر من غيرها مايمكن ان يعانيه الشعب الليبي الشقيق اليوم من مآسي في ظل صراع الكراسي، وتسابق الكبار للاستئثار بثرواته.. لم تهلل الجزائر للتدخل العسكري الغربي فتجربة العراق المرة مازالت ماثلة للعيان ولا رافعت من اجل الاستنجاد بالناتو للإطاحة بالقذافي، واعتبرت مسألة تنحيته او بقائه تخص الشعب الليبي كما انها رفضت صب الزيت على النار وعارضت استغلال بعض الجهات للازمة الليبية، لتحقيق اهدافها واجنداتها الخاصة، لكن يبدو جليا بأن هذا الموقف الموضوعي الهادىء والمتوازن، لم يأت على تقوى المعارضة المسلحة في ليبيا التي ربما كانت تأمل في أن تسخر الجزائر امكانياتها وموقعها الجغرافي لتأخذ بيد قوات الحلف الأطلسي وتخلصها من القذافي لتجني ثمار ماتسميها »ثورة« دون ان تطلق رصاصة أو تقدم تضحية. ندرك جيدا بأن امل المتمردين في بنغازي خاب وهم يستمعون الى المجموعة الدولية كلها ترافع من اجل الخيار السلمي، وندرك ايضا مدى احباطهم وهم يشاهدون الناتو يركب موجة الداعين إلى ايجاد حل سياسي للأزمة الليبية، لكن الاحباط وخيبة الأمل هذه لايجب أن تدفع ثمنها الجزائر، وعلى هؤلاء أن يدركوا في كل الأحوال بأن »الثورة« يصنعها رجالها وليس القوات الأجنبية أو المرتزقة، والتغيير يقوده الشعب بعيدا عن السلاح والاستنجاد بالتدخل العسكري الغربي الذي نرى ويلاته في العراق. ثم وهو الأهم على هؤلاء الذين صدمنا بهم يهتفون بحياة فرنسا وساركوزي أن يبحثوا عن سماعة أخرى غير الجزائر يلصقون بها خيبات أملهم.