كشف الفنّان التشكيلي، كاملي إدريس، في حوار مع «الشعب» أنّ «ازدهار الحركة الفنية التشكيلية في الجزائر، منوط بالمسؤولية الملقاة على الجهات الرسمية والفنانين والنقاد والمجتمع، فكل واحد له دور محدد في دعم هذا الازدهار من موقعه، نظرا لمدى أهمية الثقافة والفن، بالنسبة للفرد والمجتمع». ❊ الشعب: ما هو موقع الفن التشكيلي ضمن برنامج الحكومة الثقافي إلى جانب الفنون الأخرى (السينما، المسرح، والأدب...)؟ ❊❊ الفنّان التّشكيلي كاملي إدريس: إنّ الفن التشكيلي في الجزائر ليس وليد الساعة، بل هو موغل في التاريخ، حيث عرفت الساحة الفنية العديد من الفنانين التشكيليين حتى منذ الحقبة الاستعمارية، ولقد مثّلوا الفن التشكيلي الجزائري أفضل تمثيل من خلال العديد من الأعمال الفنية واللوحات التي استوحى أصحابها مواضيعها من سحر جمال الطبيعة، ومن التراث الثقافي المتنوع للجزائر. وما يمكن تسجيله في الآونة الأخيرة هو عدم الاهتمام بالفن التشكيلي على المستوى الرسمي أو الجماهيري؛ فهذا النوع من الفن يفتقد إلى ثقافة الاهتمام حسب رأي الفنان التشكيلي دليل ساسي، حيث أصبح يقتصر على المعارض التي تقام في الأروقة الخاصة أو في المتاحف أو بعض المؤسسات الثقافية العمومية التي لا تحظى بحضور إلا القليل من المهتمين بمجال الفن. ولعل لذلك أسباب عديدة، منها ما يتعلق بالسلطة (الحكومة) متمثلة في وزارة الثقافة، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، ويكاد يجمع كل الفنانين الجزائريين على أن غياب الوعي لدى فئات المجتمع بأهمية الفن في فهم الحياة بمختلف جوانبها هو عامل مهم في تهميش هذا النوع من الفنون. ثمّ لم يكن للفنان التشكيلي نصيب مثل ما كان للفنون الأخرى ضمن الفعاليات التي شهدتها الثقافة في بلادنا في الآونة الأخيرة؛ فيرى البعض أن الفنان التشكيلي في الجزائر يُعامل على أنه فنان من الدرجة الثانية؛ فهو لا يحظى بنفس المستوى من المعاملة التي يحظى بها فنانون آخرون في مجال الشعر والغناء والسينما مثلا؛ حيث يتم التعامل معهم بدون وثائق ولا عقود، ما يدفع بالفنان إلى القبول بالأمر الواقع أو العزوف عن المشاركة في المعارض ومختلف التظاهرات الثقافية المتعلقة بهذا الفن، مما يدفع الفنان مع مرور الوقت إلى عدم الإبداع ربما، والسبب الآخر في تدهور الفن راجع إلى غياب القوانين والقواعد التي تحمي الفنان والتي تؤطّر عمله... ❊ من المسؤول؟ وما هي الحلول التي يمكن اعتمادها لإعادة إحياء الفن التّشكيلي؟ ❊❊ إنّ غياب مشروع وطني يستثمر في الطاقات الإبداعية الفنية له الدور البارز في تهميش الفن التشكيلي، وكذلك عدم أداء الإعلام خصوصا المرئي منه دوره في الحديث عن الفن والفنانين وإبراز أهميته في حياة الناس، وتوعيتهم بضرورة تقدير هذا الجانب من الثقافة بل وتبنّيه في حياتهم من خلال تشجيع أطفالهم لخوض التجربة الفنية مهما كانت صغيرة، فمن اللاشيء يبدأ كلّ شيء. ومن المؤكد يسعى العاملون في هذا المجال والمهتمون به إلى البحث عن الحلول الممكنة التي تخرج هذا الفن من غياهب الظلام، فالمسؤولية كبيرة، وهي ملقاة على الجميع، وفي مقدمتهم الوزارة الوصية التي يطلب منها أن تقيم تظاهرات ثقافية بنفس الحجم الذي تحظى به الفنون الأخرى، وذلك بتخصيص ميزانية مالية لهذه التظاهرات كما هو الحال في الدول الأخرى، وفتح أقسام في الجامعات لتدريس الفن وتاريخه وفلسفته وتقنياته ومدارسه ليتخرّج الطالب ملمّا بهذا المجال الرحب؛ فنكون بذلك قد حصلنا على تخريج دفعات من الفنانين من جهة ودفعات من النقاد الفنيين من جهة أخرى، وكذا الإكثار من الأروقة الخاصة لعرض الأعمال الفنية حتى يتمكن الفنانون من إيصال أعمالهم إلى أكبر عدد من الناس، وتخصيص حصص تلفزيونية إعلامية تُعرّف بالفن والفنانين، مثل باقي الفنون الأخرى التي تُخصَّص لها حصصٌ يتم فيها دعوة هؤلاء للتعريف بأنفسهم وأعمالهم، وإبراز الفن التشكيلي كأحد الروافد الثقافية التي تعمل على إبراز الهوية الوطنية والتوعية بالواقع وبالتالي ترقية الذوق لدى الناس، وكذا توعية الناس بالفن بالاهتمام بالرسم في حياة الطفل من خلال إدراج التربية الفنية وإعطاؤها حجما ساعيا أكبر، ففي كل طفل يولد فنان يطلب منا رعايته واحتضانه. ويمكن أيضا الاستفادة من التطور التكنولوجي في مجال المعلوماتية، والمبادرة بإنشاء مواقع إلكترونية تكون بوابة للتواصل بين الفنانين والتعريف بفنّهم، وكذلك إتاحة الفرصة لهم ليصل فنهم إلى الخارج، ولما لاَ فتح المجال للفنانين للتسويق لأعمالهم إما عبر هذه المواقع أوعبر الإعلام المرئي. ❊ هل يمكن أن يكون لغياب النّقد تأثير سلبي على الحراك التّشكيلي؟ ❊❊ أكيد، غياب النقد والنقاد في الوسط الفني أثر سلبا في مسيرة الفن التشكيلي الجزائري، فقد ساهم كثيرا في تدهور حالته، ومن هذا المنطلق لابد من إعطاء النقد الفني أهمية خاصة، على اعتبار أن النقد الفني يهدف إلى ترقية الذوق العام للمجتمع، وبالتالي فإن ازدهار الحركة الفنية التشكيلية مرتبط بتفاعل ثلاثة عناصر أساسية، منها النقد الفني الذي يفتح آفاقا جديدة أمام الفنانين التشكيليين للإبداع والإنتاج المتواصل من خلال ما يقدّمه لهم النقد من نصائح وآراء تمكّنهم من أداء رسالتهم الفنية، وهم من يمثلون العنصر الثاني في هذا الازدهار، أما العنصر الثالث فهو المنظومة الثقافية والمعرفية والقيمية التي تعكس ذوق المجتمع وانتمائه الحضاري، فدور الفن هو خدمة هذه المنظومة، والرقي بالمجتمع إلى أعلى مستويات الذوق الجمالي والأخلاقي؛ ف «الفن هو قوة تنتج أعلى مستويات السلوك الأخلاقي»، كما قال تولستوي Tolstoy. وفي الختام، أؤكّد على ضرورة العمل على وضع خطة عمل من قبل الوزارة للنهوض بالفن التشكيلي، وإرجاعه إلى سابق عهده من التطور والرقي في المجال الثقافي، وذلك من خلال تبني مشروع وطني فني يهتم بالإبداع والمبدعين، ويعطيهم المكانة اللائقة بهم، لأن الفنان يعتبر من المساهمين في التعريف بالوطن وهويته من خلال أعماله الفنية ليس فقط التعريف بها بل والمحافظة عليها للأجيال القادمة، فالأعمال الفنية على تنوعها هي بمثابة المراجع التي يعتمد عليها الباحث لإنجاز بحثه حول أي جزئية تخص المجتمع.