شكلت الطبقة الشغيلة على مر التاريخ الوطني المحور الرئيسي والمركزي لمختلف الحركات الاجتماعية والسياسية المطالبة بالتغيير وإصلاح الأوضاع المهنية، وكانت أيضا العضد والمتكأ الصلب الذي استندت إليه نضالات الشعب المقهور التواق إلى الحرية ورغبة الانعتاق من قبضة الاستعمار والممارسات اللانسانية بسبب التمييز والاستغلال الفاضح ومنها كفاح الطبقة العاملة بالجزائر التي انطلقت مع الحركة الوطنية باسم الكنفدرالية العامة للعمال المتحدين وصولا إلى مرحلة تأسيس اتحاد العام للعمال الجزائريين سنة 56 برئاسة الشهيد عيسات ايدير وبغطاء سياسي لجبهة التحرير الوطني.. اليوم وبعد عدة أسابيع من انطلاق الحراك الشعبي السلمي في الجزائر المطالب بالتغيير الشامل ورحيل رموز النظام السياسي التي طبعت المشهد لعقود، شكلت الطبقة الشغيلة أيضا النواة الأساسية والصلبة بين مختلف الفئات الاجتماعية الأخرى المتحركة ككتلة متكاملة وبمطالب موحدة التف حولها الجميع لكن مع ذلك لم تغب المطالب المهنية الفئوية الداعية إلى ضرورة تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية المتدنية نتيجة تراجع القدرة الشرائية وعودة المطالب الراديكالية التي خفت لفترة من الزمن المطالبة بتغيير الوجوه النقابية في الاتحاد العام للعمال الجزائريين المحسوبة على جماعة المصالح المنتفعة بحقوق العمال تحت ذريعة العمل النقابي على رأسهم زعيم المركزية النقابية مثلما تابعناه أمس في الوقفة الاحتجاجية للعمال بساحة أول ماي وغيرها من الولايات الأخرى. اللافت في هذه الحركة العمالية المتواصلة أنها شملت مختلف القطاعات الإدارية والمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة وكذا قطاع التربية والتعليم الذين نظموا عدة مسرات واعتصامات وحتى إضرابات منذ بداية الحراك لتمرير مطالبهم الفئوية وسط مطالب المواطنين، للتأكيد على حضورهم القوي والفاعل في الساحة وكرقم مهم في هذه المعادلة وعدم تفويت فرصة تسجيل حضورهم في هذه المحطة التاريخية والمفصلية التي تمر بها الجزائر المتحولة تدريجيا نحو مرحلة جديدة بمساهمة كل أبنائها وفئاتها الاجتماعية دون إقصاء أو تهميش بما فيها الطبقة الشغيلة التي تساهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد الوطني وضمان ديمومة مختلف الأنشطة حتى في عز الحراك الشعبي. وهكذا إذن تستمر الحركة العمالية في عطائها ونضالها والمساهمة بشكل أساسي في بناء جزائر الغد مثلما قامت به في الماضي مع بداية عصر النهضة والتحرر بوقوفها في وجه المستعمر وتبني أفكار الكفاح والنضال التي قادته الحركة الوطنية مطلع القرن العشرين وبالضبط منذ نهاية الحرب العالمية الأولى مع بزوغ أول حركة سياسية وطنية منظمة سنة 1926 متمثلة في حزب نجم شمال افريقيا مرورا بحزب الشعب وحركة الانتصار للحريات الديمقراطية وتأسيس لجنة العمال سنة 1947 من طرف الشهيد عيسات ادير. إضافة إلى عدة محطات أخرى مهمة عرفتها الحركة النقابية العمالية منها أحداث الثامن ماي 45 وتداعيات إلغاء قانون الأهالي سنة 1943 وصولا إلى المنعطف الأهم مع ظهور جبهة التحرير الوطني التي قادت الكفاح المسلح الى جانب النضال الطلابي والعمالي بتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين سنة 1956 وما تبعه من نضالات أخرى ومكاسب في مرحلة ما بعد الاستقلال أبرزها تأميم المحروقات والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني ورفع التحدي التنموي على الرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها وتمر بها اليوم من أجل التحرر التام من العباءات السياسية لبعض الوجوه النقابية المنتفعة التي تحاول دائما قطف ثمار العمال وتضحياتهم وقتل روح المبادرة فيهم تحت تسميات مختلفة، وبالتالي شكل الحراك الشعبي القشة التي يستنجد بها العمال للخروج من هذا الوضع المتأزم نحو مستقبل أفضل.