بالرغم من مرور 74 سنة، لا تزال مجازر الثامن ماي 1945 تطرح الكثير من التساؤلات وتفتح نقاشات، ولا تزال هذه المجزرة تخفي الكثير بين طياتها، خاصة وأن أرشيف الجرائم لا يزال حبيس أدراج فرنسا الإستعمارية التي لا تريد إطلاق ما يدينها أمام البشرية. الأستاذ المفكر والباحث في التاريخ المعاصر نصير بوعوينة، صاحب عدة مؤلفات في التاريخ والسياسة يعتبر أن ما حدث في 8 ماي 1945 ، لا يمكن وصفه إلا بالمجزرة ، ردا على بعض الأكاديميين الذين إستعملوا مصطلحات مختلفة لوصف ما حدث، باعتبار أن تلك الأحداث هي مواجهة لمسيرات وإحتفالات سلمية لأشخاص مدنيين عزل، بالرصاص والإبادة والتقتيل والتنكيل. وأضاف أن مؤرخين أوربيين وصفوا هول ما حدث، من بينهم «بأن زين» الذي قال إن الفاشية إنهزمت في أوربا لكنها إنتصرت في الجزائر، وأضاف بوعوينة أن ما حدث كان شيئا رهيبا وأعداد القتلى تجاوزت بكثير الخمسة والأربعين ألفا شهيد التي سردتها كتب التاريخ والشهادات، بإعتبار أن المقابر الجماعية لا تزال تكتشف إلى يومنا هذا ، معتبرا إياها جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ويضيف الأستاذ أن التضارب في الأرقام والمصطلحات التي وصفت ما حدث، يعود إلى كون المدرسة الفرنسية كانت الوحيدة آنذاك التي دونت التاريخ، وبالتالي تلاعبت بالألفاظ والأرقام من أجل التغطية على جريمتها، مؤكدا أن بعض الكتاب والصحفيين الأمريكيين كتبوا أن فرنسا إرتكبت جريمة، بتقتيل أشخاص كانوا يحملون العلم الفرنسي والجزائري ويحتفلون، ووجهوا بالتقتيل بدل تلبية الوعود التي خرج الجزائريون لتذكيرها بهم. وتأسف الباحث كون الثورة العظيمة التي قام بها الشعب الجزائري لم تنل نصيبها الكافي من التدوين والتأريخ، ولم تنقل كما يجب إلى أجيال المستقبل، وإعتبر أن الجزائريين فشلوا في وصف عظمة ثوراتها الشعبية وثورة التحرير الكبرى، وأرجع أسباب الفشل إلى كون الجزائريين بعد الإستقلال إصطدموا بفكر بناء الدولة، ما دفع إلى إهمال الجانب التاريخي والذاكرة، كما أوعز أيضا أسباب الفشل إلى المعوقات الكبيرة التي تواجه المؤرخين والباحثين، منها نقص الإمكانيات كون أغلب الباحثين يقومون ببحوثهم على حسابهم الخاص. بالإضافة إلى غياب مخابر البحث، معتبرا المخابر الموجودة في الجامعات هي مخابر صورية تصرف الأموال دون أن تقدم الشيء المنتظر منها. كما إعتبر الباحث نصير بوعوينة أن للعامل السياسي أيضا تأثير كبير في فشل الجزائريين في كتابة التاريخ والذاكرة بالشكل المطلوب الذي يوازي عظمة الملاحم التي صنعت عبر التاريخ، ومن بين أكبر العوامل السياسية هورفض فرنسا تسليم الأرشيف والإكتفاء بتسريب أرشيف ملغم فقط لخلق الفتن. أما بخصوص مطالب الإعتراف، إعتبرها الأستاذ بوعوينة مطالب تجاوزها الزمن، كون المنتصر وهوالجزائر لا يمكنه أن يطلب إعترافا من المنهزم، مضيفا أن ما حدث هو منازلة إنتصرت فيها الجزائر سياسيا وعسكريا وأخلاقيا، مؤكدا أن بناء دولة قوية ودولة مواطنة وقانون هوالوحيد الكفيل بفرض منطق الإعتراف على فرنسا ذات يوم، مضيفا أن الصراع في العالم هوصراع سياسي، إقتصادي وثقافي، وإن كان على الجزائر أن تطالب فرنسا بشيء، فعلينا أن نطالبها بإحترام ما جاء في إتفاقيات إفيان، وهوإحترام سيادة الجزائر وتماسك شعبها ووحدتها الترابية. ودعا الباحث نصير بوعوينة جيل اليوم، إلى الإستلهام من الحدث التاريخي 8 ماي 1945 ومن ثورة نوفمبر المجيدة، من خلال قراءة التاريخ لأن من لا يقرأ التاريخ يبقى طفلا صغيرا، معتبرا أن التحدي أمام جيل اليوم هوإعادة روح الوحدة والتآخي التي سادت الفترة الممتدة بين 1945 و1962، لأنها الوقود الوحيد لبناء دولة قوية ذات وزن إقليمي ودولي يحسب له ألف حساب.