أصدر القضاء التونسي أول أمس قرارا يقضي بالإفراج عن رئيس الوزراء السابق الليبي البغدادي المحمودي، رغم طلب السلطات الجديدة في ليبيا تسليمه، بعد أن فر إلى تونس عقب انهيار نظام القذافي في أوت الماضي. يأتي هذا القرار القضائي في الوقت الذي كانت فيه الحكومة التونسية تستعد لاتخاذ قرار بشأن تسليمه إلى المجلس الإنتقالي الليبي، كان مقررا صدوره في 22 نوفمبر القادم، وإلي غاية صباح أمس الجمعة فإن المحمودي لم يغادر السجن الذي دخله منذ شهر، الأمر الذي أثار حفيظة محاميه واعتبروه انتهاكا خطيرا للقانون ولقرارات القضاء التونسي. وعن حيثيات صدور قرار الإفراج في حق آخر رئيس وزراء ليبيا في عهد القذافي قال المحامي مبروك كورشيد في تصريحات إعلامية أن فريق الدفاع ركز في مرافعاته على المصير الذي ينتظر المحمودي البغدادي في ليبيا، والذي لن يختلف كثيرا عن النهاية الدامية التي عرفتها عملية اعتقال وتعذيب القذافي وابنه المعتصم والتنكيل بجثتيهما أمام الملأ وتناقلتها كل وسائل الإعلام العالمية. وحول طلب المجلس الإنتقالي تسليم المحمودي، أوضح نفس المتحدث أن هذا المطلب لا يتماشى لا مع القانون التونسي ولا مع الأعراف الدولية والانسانية ولا مع المباديء والثوابت التي قامت عليها ثورة الياسمين في تونس والتي تأتي في مقدمتها الدفاع عن حقوق الإنسان، مؤكدا أن الجرائم المرتكبة على المباشر كان لها تأثير مباشر على طلب التسليم. ويبدو أن تونس ما بعد الثورة، تحاول من خلال مناضليها أن تضع مسألة حقوق الإنسان فوق كل اعتبار، حتى لو أدى ذلك إلى تداعيات وتأثيرات مباشرة على عملية التقارب بين ثورتين مختلفتين تماما، وفي هذا الصدد أضاف كورشيد أنه إذا كانت الثورة التي قامت في ليبيا ضد الظلم والتعسف وانتهاك حقوق الانسان ومبنية على أسس الديمقراطية، فإن عليها احترام القرارات السيدة للقضاء التونسي الذي حاول تطبيق القانون بالصرامة المطلوبة، وهو ما ترجمته المحكمة التونسية في اجتهادها لتصل إلى قناعة آن عملية الإفراج لا تتنافى مع القانون الدولي ولا مع ميثاق حقوق الانسان، التي تراها الرابطة التونسية لحقوق الانسان، بانها مسألة حقوقية بامتياز. وكان المحمودي البغدادي قد صدرت في حقه مذكرة اعتقال وجلب من الحكام الجدد في ليبيا، وتم توقيفه في تونس في 21 سبتمبر، غير بعيد عن الحدود الجزائرية، وحكم عليه بطريقة استعجالية بالسجن ستة أشهر بتهمة الدخول بطريقة غير شرعية إلى تونس، غير أن محكمة الاستئناف وبعد مرور أسبوع فقط عن الحكم الأول، نقضت قرار المحكمة الابتدائية، ورغم تبرئته إلا أنه ظل موقوفا بعد أن أصدرت ليبيا مذكرة جلب، ليتقرر الإفراج عنه يوم الخميس الماضي، ومع هذا فإنه لا يزال قابعا في السجون التونسية. وفي نفس السياق طلب المجلس الانتقالي الليبي ومباشرة عقب تنفيذ الإعدام على الزعيم الليبي، من الجزائر تسليمها أفراد عائلة القذافي للقصاص منها، وقد يكون بنفس الطريقة التي آل إليها مصير القذافي وابنه، وكان الرد الجزائري الضمني، بأن هذا الملف لن يحسم فيه إلا في إطار الأممالمتحدة التي تم إبلاغها وبأدق التفاصيل عن حيثيات عملية استقبال أفراد من عائلة القذافي في أوت الماضي الذي كان لدواعي إنسانية بحتة خاصة وأن هؤلاء لم يصدر في حقهم قرار التوقيف الدولي. لا يبدو أن الدول التي استقبلت أفرادا من عائلة القذافي أو مسؤولين سابقين وخاصة في دول الجوار مثل النيجر أو تونس أو الجزائر على استعداد في الوقت الراهن لبحث أي مسألة تتعلق بالتسليم، أو الرد بالإيجاب على طلب الحكام الجدد في ظل الفوضى الأمنية التي تسود ليبيا وروح الإنتقام الذي يتسم بها ثوار ليبيا وصعوبة احتواء الوضع في الميدان وغموض العملية السياسية، في ظل ضبابية من يحكم في ليبيا، هل الثوار المدججين بالسلاح أم القادة السياسيين في المجلس الإنتقالي.