لا يختلف اثنان من عشاق الفريق الوطني، أن مجيء التقني البوسني إلى الجزائر وتوليه الاشراف على العارضة الفنية الوطنية أعطى روحا جديدة للكرة الجزائرية عموما، والمنتخب بصفة خاصة، بعد الاهتزازات التي عاشها عقب المشاركة التاريخية في مونديال جنوب افريقيا مطلع السنة الماضية. وقد عجل الاقصاء من كأس افريقيا في جلب مدرب عالمي قادر على إعادة بناء منتخب قوي، مهمة تشريف الجزائر في المحافل الدولية، والتنافس على الألقاب، أو على الأقل لعب الأدوار الأولى والانتهاء من رفع شعار المشاركة من أجل المشاركة، الذي كان ميزة رئيسية لمنتخبنا في سنوات مضت، لكن ما شهدته سنة 2009 من إنجازات وانتصارات صنعها محاربو الصحراء غير الكثير من المعطيات والذهنيات، وخلق نوعا من الالتحام بين المنتخب والأنصار من جهة، واللاعبين مع أنفسهم، إلا أن هذا المكسب سرعان ما بدأ في التلاشي والزوال مباشرة بعد انقضاء إقامة “الخضر” في جنوب إفريقيا، واقصائه من الدور الأول في العرس العالمي. وكان الفريق الوطني بحاجة إلى حصول أمر ما من أجل القيام “بتغيير اضطراري” في السياسة المنتهجة من المسؤولين عليه، والخروج من النفق الذي دخلت فيه الكرة الجزائرية بعد أشهر قليلة رأت فيها النور، ليبدأ عهد جديد على يد مدرب كبير ذو سمعة عالمية، وهو البوسني وحيد هاليلوزيتش. وبعث “وحيد” الأمل في نفوس أنصار الخضر في أول امتحان رسمي في مغامرته مع المنتخب الجزائري، عندما عاد بتعادل ايجابي من دار السلام التنزانية، ثم الفوز على افريقيا الوسطى بالجزائر، ومازاد من حدة التفاؤل هو تمكن رفقاء المتألق قادير من الوصول إلى شباك المنافسين ثلاث مرات في مواجهتين، وهي حصيلة جد ايجابية عجز في تحقيقها سعدان وبن شيخة قبله، كما أن الطريقة التي لعب بها أنست الجميع المعاناة الكبيرة في الوصول إلى منطقة الخصوم وبناء هجمات منظمة، وأيضا الاكتفاء بتحصين منطقة الدفاع وانتشار الكرات الثابتة للتهديف، الشيء الذي يبشر بإمكانية تكوين فريق قوي يلعب من أجل الانتصار لا لتفادي الهزائم. قرارته صارمة وفعّالة يبدو أن تواجد هاليلوزيتش مع المنتخب الوطني لن يغير طريقة اللعب فقط، وإنما حتى الذهنيات والعقليات التي كانت سائدة قبل مجيئه، خاصة حالة التسيب واللانظام بعد بروز نوع من اللامبالاة من طرف بعض اللاعبين، ولأن البوسني تيقين أن ذلك راجع لضمان البعض منهم لمكانتهم الأساسية بما يسمح لهم بفعل ما يحلو لهم، فقد عرف كيف يضع يده على »الجرح« وأدرك أن معالجة المشكل لن يكون سوى بالقيام ببعض التصفيات والجرأة الممزوجة بالثقة، وتوج ذلك بإبعاد لاعبين من خيرة العناصر الدولية، وهما كريم زياني ورياض بودبوز، بالاضافة إلى وضع أغلبية من صنعوا ملحمة أم درمان في الاحتياط في صورة بلحاج، عنتر يحيى، حليش... ليتيح المجال لعناصر أخرى جديدة وشابة، خاصة من المحليين واضعا حدا لسياسة الأماكن المحجوزة ولاعبين لا نقاش في مكانتهم مع المنتخب. وللمضي قدما في استراتيجيته الجديدة، أعطى المدرب الوطني الفرصة لعناصر لم تكن لتحلم بدعوة في زمن الشيخ سعدان مثلا، كما هو حال مترف الذي أثبت أحقيته في تلقي الاستدعاء على الأقل إلى تربصات الخضر، ليجد نفسه أساسيا ضد إفريقيا الوسطى. المستقبل للشباب ويراهن على العناصر الأولمبية!! في قراءة سريعة للتغييرات التي طرأت على المنتخب الجزائري منذ تعيين وحيد هاليلوزيتش على رأس عارضته الفنية، يمكن استخلاص بعض النقاط الايجابية بعيدا عن الأمور التقنية والتنظيمية، فأول شيء يلاحظ على التركيبة البشرية، أن معدل سن التشكيلة انخفض بشكل ملفت إلى 25 سنة فقط بالنسبة للقائمة المعنية بالتربص القادم المزمع اقامته من 8 إلى 16 نوفمبر الجاري، والذي سيعرف اجراء مبارتين وديتين أمام منتخبين مختلفين، وقويين في ظرف 3 أيام، وهي سابقة في تاريخ الكرة الجزائرية، وهو ما يدل على نية المدرب في فريق شاب حتى يضمن الانسجام بين اللاعبين لأطول فترة ممكنة من جهة، وتشجيع العناصر الشابة الأخرى على بذل المزيد من المجهودات ولم لا إعطائهم الفرصة مع المنتخب الأول من جهة أخرى، وهي رسالة واضحة للجميع، سواء المحترفين أو المحليين، فكما استدعى سفيان فغولي لأول مرة للمشاركة في التربص، استدعى كذلك سعيد بوشوك من شباب باتنة، وخلق بذلك نوعا من التوازن والمساواة. من خلال الاعتماد على الأكثر جاهزية دون مراعاة الأمور الأخرى. ولم يتوان هاليلوزيتش أيضا في إعادة بودبوز إلى صفوف تشكيلته، اقتناعا منه أن المستقبل مبني على لاعبين من أمثاله بغض النظر عن عامل الخبرة التي يتحتم عليه عدم التهاون به، وهو ما يفسر إعادة القائد كريم زياني المبعد في التربص الأخير عن مباراة افريقيا الوسطى. لكن ما لم يكن منتظرا من متتبعي مشوار الخضر، أن يقوم الناخب الوطني بالتنقل إلى مدينة طنجة المغربية، أين يخوض المنتخب الأولمبي بقيادة عز الدين آيت جودي دورة دولية ودوية استعدادا للدورة النهائية المؤهلة لأولمبياد 2012، حيث أبى إلا أن يكون هناك والاقتراب أكثر من آمال الكرة الجزائرية لاعطائهم دفعة معنوية معتبرة حتى يتأكدوا من أن أبواب الفريق الأول مفتوحة للكل، وما عليهم سوى اثبات أحقيتهم في الدعوة، كما أراد أن يؤكد للجميع أنه ماضي في استراتيجية التثبيت وضخ دماء جديدة في جسم المنتخب الوطني، تحسبا للمواعيد الهامة المنتظرة، انطلاقا من تصفيات كأس افريقيا 2013 بجنوب افريقيا وكأس العالم 2014 بالبرازيل، وهي الأهداف التي وضعها نصب عينيه عندما رفع تحدي الإشراف على منتخب الجزائر.