كيف هي حالة مرضى السكري بالجزائر؟ وهل يجدون التكفل الصحي الأنسب الذي يخفف عنهم المعاناة والآهات؟ وإلى أي مدى يحظون بالتغطية الاجتماعية التي تضمنها المرسوم التنفيذي المحفز الذي وسع هذه الآلية إلى الذين هم غير مؤمنين من هذه الشريحة بصناديق الضمان؟. أسئلة كثيرة مطروحة والإجابة عنها استدعت هذا الاستطلاع الميداني الذي قامت به «الشعب» بمختلف الجهات بالعاصمة بحيث اتضح أمامها واقع الأمر تترجمه شهادات حية للمرضى صغارا وكبارا في ظل معاناتهم الكثيرة التي طالت ولم تعرف طريقا للحل بحيث يصرخون بملء الفم بواجب التكفل الجيد بهم من خلال إصلاح قنوات العلاج.اشتكى مرضى السكري في تصريحات ل «الشعب» خلال الجولة الميدانية التي قادتها إلى حديقة التجارب بالحامة وبعض المراكز الصحية بالعاصمة احتفاء باليوم العالمي لهذا الداء المصادف ل14 نوفمبر من كل عام من نقص في التكفل بهذه الفئة وأزمة الدواء الخانقة الخاصة بهدا الداء سيما علب الانسولين، وهي علب تنتجها «صيدال» للحد من كلفة فاتورة الاستيراد المرتفعة. وذهب بعض من تحدثنا معهم عن معاناتهم إلى حد التأكيد أن دواء الأنسولين يبدو لهم اقل فعالية صحيا مقارنة بالمستورد مضيفين أن الضرورة حتمت عليهم اقتناء الأنسولين باعتباره اقل سعرا من الآخر خاصة لغير المؤمنين اجتماعيا لكن الكثير من هؤلاء يجهلون آلية توسيع التغطية الاجتماعية. وعلى هذا الأساس دعا المرضى الذين التقيناهم بعين المكان السلطات المعنية لأخد مسألة التأمين الاجتماعي بعين الاعتبار سيما وان أغلبيتهم لا يمتلكون بطاقة ''الشفاء''، ما صعب عليهم اقتناء الأدوية في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها العائلات الجزائرية وغلاء سعر الأدوية الخاصة بهذا الداء المزمن الخطير بحيث وصل سعر علبة الانسولين المستودة من الخارج إلى 480 ألف في حين أن هذا النوع من الدواء المقدم من «صيدال» لا يتجاوز 70 ألف. وما زاد من غضب المرضى حسبهم هو تذكرهم في المناسبات فقط في حين ينسون في الأوقات الأخرى مطالبين الإكثار من اللقاءات التحسيسية بين الأولياء والأطفال المصابين بالداء لتبادل الحوار والحديث عن هذا المرض الذي يعرف انتشارا مخيفا في الجزائر مسجلا اصابة 3 ملايين شخص، وكذا الاستفادة من طريق العلاج التي قد يتولاها المريض بنفسه. وتدخلت إحدى السيدات قائلة «نحن متعطشين إلى مثل هذه اللقاءات وانها ضرورية جدا للتعريف بكيفية التعامل مع هذا المرض المزمن والخطير والتكفل به لتفادي مضاعفات خطير تصل إلى ما لا يحمد عقباه»، وأضافت أن الكثيرين يعترفون بوجود نقص في التربية الصحية ويجهلون كيفية الاعتناء بحالتهم وحالة أبناءهم المرضى في ظل عدم وجود فضاءات كثيرة لتوعية المواطن بخطورة الداء وكيفية التعايش معه. وقالت لويزة لغراب البالغة 18 سنة في شهادتها «اكتشفت إصابتي بالسكري وعمري يناهز 15 سنة وذلك بعد قيامي بتحاليل طبية أثبتت ذلك». وفي نفس الصدد، أضافت «والدتي لعبت دورا كبيرا في تجاوز أزمة عدم تقبلي للمرض في البداية وفضلها لن أنساه مهما حييت فقد قدمت لي نصائح وإرشادات تتعلق بكيفية التكفل بالمرض ومعايشته وأنا الآن في أحسن الأحوال أتابع الحمية الغذائية وأمارس الرياضة وأقوم بكل الاحتياطات». وتساءلت لويزة عن سبب عدم فعالية الدواء الذي تقدمه صيدال مقارنة بالمستورد بالخارج خاصة جرعات الانسولين. وهي حالات أخرى وقفنا عندها بجهات أخرى بشرق العاصمة كعين النعجة والقبة... بحيث أكد لنا اغلبية المصابين بالسكري أنهم يعيشون أوقات صعبة في ظل مصارعتهم لهذا المرض المزمن غير القابل للشفاء. وفي هذا الصدد، قال احد المرضى البالغ من العمر 21 سنة عارضا لنا انشغالاته «أصبت بالسكري منذ أكثر من 10 سنين ومعاناتي معه مستمرة حتى هذه الساعة». وأضاف راويا محنته «حقيقة عندما اكتشفت إصابتي بداء السكري لم أتقبل الواقع في بداية الأمر لأنني كنت صغيرا في السن وجاهلا لنوعية المرض الذي أصابني ففي كل مرة يحظر عليّ تناول الحلويات والمرطبات وكذا الخروج كثيرا إلى الشارع للعب مع باقي الأصدقاء وكأنني مختلف عنهم، فقد حرمت من كثير الأشياء في مرحلة طفولتي، ولكن وبعد بلوغي ال15 سنة بدأت الأمور تتضح أمامي فلم يبق عندي أي خيار سوى تقبل المرض والتعايش معه لتجنب ما لا يحمد عقباه». ونحن نرصد أجواء الاحتفاء باليوم العالمي لداء السكري الذي قام به مجمع صيدال بالتنسيق مع جمعية مرضى السكري ومصلحة مستشفى مصطفى باشا للداء بحديقة التجارب الحامة للتحسيس بأهمية الوقاية والتشخيص المبكر، وقد تطرقت إليه «الشعب» في أعدادها السابقة صادفتنا فتاة اسمها كوثر لا يتعدى سنها 13 عام، أصيبت بالسكري في ال 4 من العمر حيث روت لنا مأساتها بالقول «لم اتقبل مرضي في بادئ الأمر بحيث شعرت بإحراج كبير أمام زملائي بعد منعي من الذهاب إلى المخيمات الصيفية والرحلات الخاصة بالأطفال، لكن دعم والدتي لي شجعني على تجاوز الأزمة والاقتناع بضرورة التعايش مع المرض ومصارعته في مختلف الظروف». وما أثار استغرابنا هو معرفة كوثر لمرضها ومختلف الأدوية التي يجب أن تتناولها وكيفية العلاج والتكفل به دون الالتحاق بالطبيب أو الاعتماد على الآخرين في مراقبة الغلوكوز في الدم. واشتكى المرضى أيضا من عدم امتلاك أغلبيتهم لبطاقة الشفاء داعين السلطات المعنية لأخذ مسألة التأمين الاجتماعي بعين الاعتبار لان عدم توفرها يصعب عليهم اقتناء الأدوية في ظل غلاء سعرها الذي وصل إلى 480 ألف لعلبة الانسولين المستودة من الخارج و70 ألف التي تقدمها صيدال، زيادة على الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعرفها العائلات الجزائرية. عندما تسقط الأسرة كاملة في الداء من جهتها، روت السيدة نصيرة البالغة 53 سنة معاناتها لنا عندما اكتشفت إصابتها بالمرض عام 2003 وهي حامل قائلة «كنت على وشك إنجاب طفلي الأخير وبعد شعوري بارهاقا شديدة وانخفاض الضغط الدموي قمت بإجراء تحاليل أثبتت إصابتي بالمرض وهو الأمر الذي سبب في تلقي صدمة نفسية صعبت حياتي وأرقت نومي لم اخرج منها إلا بعد عناء طويل». وعلى الرغم من أن نصيرة لم تكن الوحيدة التي تعاني من هذا المرض إلى جانب اصابة بعض من أفراد عائلاتها به إلا أن تدهور الحالة الصحية لأخيها بسبب اللامبالاة في التكفل بمرضه من خلال عدم تناول الأدوية في وقتها وتعاطي الأنسولين أدى إلى حدوث مضاعفات خطيرة وصلت إلى حد فقدان البصر. لكن كيف ينظر الأطباء والمختصون لهذه الأعراض والعلاج؟ وهل المصالح الصحية متوفرة بالشكل الكافي لتقديم التكفل المناسب بهذه الشريحة؟ حسب الدكتورة «شهبوب دليلة» بمصلحة داء السكري بالمستشفى الجامعي «مصطفى باشا» فإن هذا المرض يعد من الأمراض الخطيرة الواجب التكفل بها سواءا في المصالح الطبية التي تسعى إلى بذل مجهودات كبيرة في الاعتناء بهذه الفئة الحساسة، وكذا بالنسبة للمصابين الذين يتوجب عليهم التعايش مع مرضهم والتكفل به دون إهمال مضيفة أن اللامبالاة في التعامل مع هذا الدواء تؤدي إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى حد الوفاة. وأوضحت انه في حال وجود قابلية وراثية عالية لا يمكن للمرضى تجنب الإصابة بالسكري وذلك لانعدام اللقاحات، لكن بإمكانهم الوقاية من تطوره وتأخير ظهوره المبكر وهذا بإتباع حمية غذائية وحياة صحية جيدة. وفيما يخص أعراض وعلامات داء السكري أردفت الدكتورة أنها تتمثل في الاحتياج المتكرر للتبول أو غزارته والعطش الشديد والإكثار في الشرب والتعب والانخفاض في الوزن مؤكدة انه من المحتمل أن تكون العلامات الظاهرية لداء السكري غائبة وغير موجودة خاصة في بداية المرض. وعن إمكانية أن تكون الإصابة بداء السكري اخطر عند اكتشافه في البول قالت الدكتورة أن وجود السكر في البول ليس دليلا على خطورته وإنما المقصود منه هو ارتفاع نسبة السكر في الدم أكثر من 80,1غ / ل والذي يعني الحد الأدنى للتصفية الكلوية وما فوقه يطرح في البول. وبالنسبة لأنجع طريقة للاحتماء من تطور داء السكري وتعطيل ظهوره قالت الدكتورة شهبوب أن تفادي الإصابة به تكون بمكافحة الزيادة في الوزن والسمنة وممارسة الرياضة وحماية صحية مستدامة من خلال أخد حمية غذائية منتظمة. وتوجهت شهبوب بنداء إلى الطاقم التربوي للتكفل الجيد بالأطفال المصابين بالمرض تفاديا لحدوث طارئ ما في حال إهمالهم وعدم الاعتناء بهم على مستوى المؤسسات التربوية خاصة فيما يتعلق بغدائهم الذي يتطلب توازنا من خلال احترام وقت الوجبات لتفادي الإفراط في الأكل الذي يحدث مضاعفات خطيرة زيادة على مراقبة الطفل لكي لا يسقط مشددة على أهمية التحسيس بضرورة الوقاية والتشخيص المبكر ومساعدة الطفل أكثر على تفهم كيفية التسيير الأحسن لمرضه. هذا وقد شدد الخبراء والمختصون على ضرورة تجنب الإفراط في متابعة التلفزة والانترنت والاستعمال الكثير للسيارة، لان قلة الحركة يساهم أساسا في تفاقم الوزن والتأثير على البنكرياس الذي يقوم بدوره بالاكتار في إفراز الانسولين ثم استهلاكه بسرعة حتى يفوق انخفاضه نصف قدراته، وبالتالي تكون النتيجة الوخيمة هي الإصابة بالداء.