أبرز الصالون الوطني الثاني للجمل، المنظم يومي 28 و29 مارس الجاري بولاية بورقلة، الحاجة الماسة إلى تفعيل مثل هذه النشاطات التي غابت عن قاموس السلطات العمومية وحياة سكان الصحراء سنوات عديدة، فإلى جانب أنها تضمن الفرجة والمتعة للمولعين بسباق الجمل، ترسخ في فكر الفلاحين والموالين ثقافة التعاون وأهمية المحافظة على ثروة الأجداد، والمشاركة في تأمين البلد من كل المخاطر خاصة في ظل موجة التكالبات عليه الآتية من وراء الحدود البرية والبحرية. كانت منطقة عين البيضاء التي تبعد عن مطار ولاية ورقلة بمسافة 3 كيلومتر وعن مقر الولاية ب8 كيلومتر، نهاية الأسبوع الماضي مسرحا، لالتقاء عشرات الفلاحين والموالين القادمين من 16 ولاية صحراوية وسهبية، في مهرجان تم إعادة بعثه بعد 24 سنة من الغياب، فبين الحنين إلى تظاهرة جمدت منذ 1988 آخر سنة تم إحياء فيها الصالون الوطني للإبل، والرغبة الملحة في إعادة مكانة الجمل التي فقدها، سارع عشرات المربين إلى تلبية دعوات الوزارة الوصية، والسلطات المحلية لإحياء فعاليات هذا الاحتفال، كل على طريقته الخاصة، فاجتمعوا في ساحة تغيب عنها كل معالم الحياة، ولكن بفضل حركتهم ونشاطهم تحولت إلى مركز إشعاع على جزء أساسي من مكونات المجتمع الصحراوي، الذي يجدون فيه سبب العيش ومصدر الاعتزاز والغنى والثراء. قدسنا البترول كثيرا ونسينا النخلة والجمل تفاجئنا، ونحن نحط الرحال بعاصمة الذهب الأسود، بذلك الكم الهائل من الزائرين والمشاركين في الصالون، حضور قوي ومكثف، فهمنا أسبابه بعد أن علمنا أن آخر مرة تم تنظيم هذا الاحتفال كان في عهد الحزب الواحد، فأغلب الحاضرين لم يسعفهم الحظ في متابعة أطواره بسبب أنهم كانوا صغار في السن، أو لأسباب أخرى، وجاءوا اليوم وهم متعطشون للتعرف على عادات وتقاليد كادت أن تطمسها متطلبات الحياة العصرية. وجدنا، صعوبات كبيرة في التنقل بين الخيم التي احتضنت الجمعيات المشاركة في هذا الصالون، فكل الحاضرين، كان يدفعهم الشوق لاكتشاف ما تضم تحت قبتها، ويتسابقون لاقتناء صور تذكارية بالهواتف النقالة، وآلات التصوير، ولم تفلح جهود لجان التنظيم في كبح تدفق عشرات المواطنين القادمين من كل حدب وصوب على الرواق الذي كان يمر منه وزير الفلاحة رغم الإجراءات المتخذة، بالمقابل حرصت الجمعيات المهنية على إظهار خصوصية المنطقة التي أتت منها بالاستعانة بالمنتجات التقليدية التي تفننت أنامل الصحراويات والصحراويين في نسجها، أو حياكتها، والتعريف بجهودها في حماية والاهتمام بثروة الإبل. واعترف سكان المنطقة، في كلمة ألقاها أحد المواطنين نيابة عنهم، أمام وزير الفلاحة، أن تقديسهم للبترول «الثروة الزائلة»، جعلهم ينسون عادات وتقاليد الأجداد، وينسون النخلة والجمل رمز الأمل، الحياة، المعيشة، الرقي والازدهار، ولكن بعد هذا اليوم، يريدون الإبقاء على هذه التظاهرة وتنظيمها سنويا، من أجل وضع هذه الثروة في خدمة الوطن بكل أبعادها الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. وذهب، المتحدث، إلى أبعد من ذلك وهو يخاطب الوزير، حينما قال أنه «لو جاء في عمل آخر، لرفض لقاءه البعض، ولتحفظ البعض الآخر»، ولكن «مادام زيارتكم جاءت من أجل أمر يرمز إلى أجدادنا وأبناءنا وإلى الجزائر» فكان هذا الاستقبال، والاهتمام، لأن «مرادنا ليس دنانير معدودة وإنما التأسيس للخصوصية الثقافية، التي ترتكز على النخلة والجمل». وتابع الحاضرون باهتمام، فعاليات الصالون، التي تنوعت بين استعراضات فلكلورية أصيلة، وسباقات المهري التي يجد فيها الهواة من المتعة أضعاف ما في الرياضات الأخرى، ويصلون بها إلى قمة الحماس، والحيوية والنشاط مع الشعور بالعزة والشهامة وأخلاق الفروسية النبيلة. نقص الآبار، حفر سوناطراك والشاحنات تهدد حياة 30 ألف رأس إبل لم يكن الصالون الثاني للإبل، فسحة للنزهة والفنتازية فقط، وإنما فضاء للنقاش والحوار بين مختلف الفاعلين والمهنيين في هذا المجال، حيث سمح النقاش الذي تم فتحه بحضور وزير الفلاحة، من وضع النقاط على الحروف، وتحديد أهم المشاكل والصعوبات التي تقف عائقا، أمام ترقية ثروة الإبل وحمايتها من كل الأخطار. ولفت أحد المربين، النظر إلى أن الجمل بعاصمة الذهب الأسود، أصبح يفتقد إلى الأمان، ويتعرض إلى مخاطر المرض والحيوانات المتوحشة، وأكثر منها وأعظم مخاطر الطرق والبحيرات البترولية المنتشرة هنا وهناك «التي تأخذ من إبلنا كثيرا»، حيث تحصد الشاحنات، وآبار التنقيب التي تخلفها سوناطراك أكثر من 100 رأس إبل سنويا، استنادا إلى تصريح مدير المصالح الفلاحية بولاية ورقلة أحمد زبير الذي خص به «الشعب» بالمناسبة. وقد اعترف هو الآخر، بهذه المخاطر، التي باتت تهدد أكثر من 30 ألف رأس إبل أغلبها من الصنف المحلي، والبعض الآخر مصنفة للمسابقات كالمهري والمنتجة للوبر واللحوم، ناهيك عن مخاطر أخرى تتمثل في نقص أبار الري، وتجهيزها بالطاقة الشمسية أو الطاقة الهوائية، مشيرا إلى أن مصالحه تعمل بالتنسيق مع محافظة الغابات ومحافظة مناطق الجنوب، على إيجاد حل لكل مشاكل الفلاحين وأخذها بعين الاعتبار سيما المتعلقة بتجهيز الآبار، والمرتبطة بمخاطر الطريق. وأعلن عن رصد غلاف مالي بقيمة مليار دينار جزائري لحفر الآبار المخصصة لسقي الماشية والإبل، غير أنه أقر أن المشروع لن ينفذ قبل الاتفاق مع المربين على المناطق التي يجب إنجاز فيها هذه المشاريع، ووضع دراسة تقنية لذلك. إسقاط المكافأة المالية تثير استياء المربين ومطالب بدعم الشباب بقروض خصص، المنظمون للصالون الوطني للإبل، جوائز تشجيعية ومبالغ مالية للفائزين في المسابقات التي أقيمت بالمناسبة، ولكن إسقاط المكافأة المالية، جعلت مربو الإبل ينتقدون تراجع السلطات الوصية عن هذا القرار، ويعتبرون ذلك إجحافا في حق الشباب، الذي يحتاج إلى دعم مادي للمحافظة على ثروة الأجداد، خاصة في هذه المرحلة مثلما ذهب إليه أحد المربين في كلمته أمام وزير الفلاحة. وأضاف أن «إسقاط المبلغ» كان لأسباب «حسابية وبنوايا حسنة» ولكنه أساء لإخواننا المربين، لذا نرجو من السلطات أن تعيد هذا المبلغ لكي يكون تشجيعا للشباب في العناية بتربية الإبل، لأن التشجيع المادي مهم في هذه المرحلة. ووافق الكاتب العام لجمعية مربي الإبل والمواشي، لحاسي مسعود، جيلالي مير ما ذهب إليه هذا المربي، حيث أبرز هو الآخر أهمية تشجيع الشباب على المحافظة على هذه الثروة من خلال دعمه بقروض حسنة، على غرار ما هو معمول به في الشعب الأخرى. ومن بين المطالب التي رفعها مربو الإبل والمواشي، لوزير الفلاحة والتنمية الريفية رشيد بن عيسى، الذي كان مرفوقا بوالي الولاية، وإطارات من قطاعه، إنشاء مؤسسة وطنية تعتني بالجمل، وبتطويره وترقية تربيته على غرار كل المؤسسات المشابهة، فلا يعقل كما قال أحدهم أن يكون مؤسسات لكل شيء إلا للجمل، متسائلا عن مدى قدرة الجزائر في العناية بماشية من ماشيتها، وهي تتوفر على إمكانيات ضخمة وأفكار نيرة من مؤسساتها، وإطاراتها. وأعرب عن أمله في أن تؤسس وزارة الفلاحة نظاما خاصا بمربي الإبل، من خلاله تصلها معاناتهم وتصلهم مساهمتها. وأوصى المشاركون في اللقاء الدراسي العلمي الذي نظم بالمناسبة، بضرورة تطوير تربية الإبل لتمثل أحد المصادر الأساسية للأمن الغذائي الوطني، وإدراج الإبل في البحث العلمي، وتدعيم الهياكل الخاصة بالبحث في مجال التربية الحيوانية، كما رافع المختصون إلى إدراج تربية الإبل ضمن البرنامج التكويني الخاص بالبياطرة وسن قانون من شأنه «حماية ثروة الإبل» من الإخطار المحدقة بسلامتها. ودعا مربو الإبل، إلى إنشاء محميات رعوية ووضع مدونة خاصة بالمراعي، لمحاسبة أي معتدي على هذه المناطق، كما طالبوا بإدراج المنتجات المشتقة عن النخيل ضمن السلسلة الغذائية المكلمة لأعلاف الحيوانات قصد تدارك انقراض بعض أنواع النباتات ذات القيمة العالية في تغذية الإبل إلى جانب إحداث وحدات لإنتاج حليب النوق. بن عيسى يوصي بفتح فرع للديوان الوطني لتطوير تربية الخيول والإبل بالمنطقة استجابة للانشغالات المطالبة بإنشاء مؤسسة وطنية تعنى بالإبل، أعلن وزير الفلاحة والتنمية الريفية رشيد بن عيسى، عقب استماعه للمربين والموالين عن فتح فرع للديوان الوطني لتطوير الخيول والإبل قريبا بولاية ورقلة. وأوضح بن عيسى أن إنشاء هذا الفرع من شأنه أن يضمن تكفل أفضل بالقطاع ويدعم هياكل البحث ومتابعة تربية الإبل، مشيرا إلى هذه الثروة لها مكانة وتدخل خاص في إطار سياسة التجديد الفلاحي والريفي. وأضاف بن عيسى، أن الاهتمام بهذه الثروة يتطلب منا الحفاظ على المراعي، وحفر آبار سقي الماشية، موضحا أن الأموال رصدت لهذه العملية لكنه اشترط لصرفها مساهمة كل الفاعلين في تحديد المناطق التي ينبغي أن تنجز فيها هذه الآبار. أما فيما يتعلق بوحدات التغذية فذكر بن عيسى بالقرارات التي اتخذها سابقا والتي ألزم بها المسؤولين لتقريب هذه الوحدات للفلاحين والموالين، على مستوى ولايتي إليزي وورقلة. وبخصوص الحماية الصحية للإبل، حث وزير الفلاحة الفرق البيطرية على تكثيف قدراتها من خلال متابعة التكوين، معلنا عن إمدادها بكل الوسائل التي تساعدها في إنجاز مهمتها، سيما الأدوية. وألح بن عيسى بالمناسبة على تطوير الزراعة والتربية الحيوانية بالمناطق الصحراوية مشيرا إلى أن هذه المناطق تساهم في الإنتاج الوطني الفلاحي بنسبة 16 في المائة وبإمكانها أن ترفع إنتاجها إلى حدود 25 في المائة، ولن يتأتي ذلك إلا عن «طريق توفير كل الاهتمام والمرافقة، والعمل بطرق علمية، تحافظ على كل التوازنات». وأوضح ذات المسؤول، أن مشكل التنمية الريفية في المناطق الصحراوية ليس مرتبط بالأموال، وإنما بقدرات الإنجاز والتنسيق بين مختلف الفاعلين في الميدان الفلاحي، داعيا الولايات الجنوبية إلى المشاركة بقوة في معركة الأمن الغذائي، وتحسيس الشباب بأهمية الحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية. ودعا وزير الفلاحة إلى تنظيم صالون الإبل «كل سنة» لأنه يشكل «فرصة لالتقاء كافة المعنيين بثروة الإبل»، معربا عن أمله في أن يتم توسيع المشاركة إلى الدول المهتمة بتربية الإبل. واقترح المربون تنظيم الصالون شهر نوفمبر أو ديسمبر، لأن المربي يتمكن من جمع قطيعه في فصل الخريف وبالتالي المشاركة في هذا الحدث.