عطاف يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني    وهران: افتتاح الطبعة ال 14 لصالون الطاقات المتجددة "ايرا"    افتتاح الملتقى الدولي الثاني حول استخدام الذكاء الإصطناعي وتجسيد الرقمنة الإدارية بجامعة المسيلة    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    كرة اليد/بطولة إفريقيا للأمم: المنتخب الجزائري يتوجه إلى كينشاسا للمشاركة في الموعد القاري    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    خبرة مجمع السكك الحديدية ستساهم في رفع تحدي إنجاز المشاريع الكبرى في آجالها    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح السنة القضائية    ملتقى وطني حول التحول الرقمي في منظومة التكوين والبحث في قطاع التعليم العالي يوم 27 نوفمبر بجامعة 3    لبنان: ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني إلى 3754 شهيدا و15.626 جريحا    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 11800 فلسطيني من الضفة الغربية والقدس المحتليتن    الجامعة العربية تحذر من نوايا الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في المنطقة    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الخضر أبطال إفريقيا    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    على درب الحياة بالحلو والمرّ    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"        مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواقع والخيال في رواية «هاربون من كورونا»

اعتاد الرّوائي مصطفى القرنة أن يقدّم لنا أعماله التي يجتثها من الواقع المعيش، لتتحوّل إلى لوحاتٍ مُعبّرة يكتنفها الخيال الجميل، خيال الكاتب والرّوائي الذي يرى الأمور من زاويةٍ قد يصعب على غيره التقاطها، ولكنه بأدواته المميزة واطلاعه وثقافته الواسعة يستطيع أن يحوّل هذا الواقع إلى خيال أدبي جميل له الكثير ممن يتابعونه ويهتمون به.
من الروايات الصادرة حديثا، والتي تتحدّث عن الوباء الذي ضرب العالم بكل أجزائه، ولم يفرّق بين أبيض وأسود أو غني وفقير، روايته الجديدة الصادرة حديثاً، والتي عنونها ب «هاربون من كورونا»، وقبل أن نلج إلى دهاليز هذا العمل الأدبي لا بد لنا من أن نسأل، هل الكتابة عن الأوبئة والكوارث يؤرّخ لمرحلة ما، أو أن الحديث عنها هو مجرد وسيلة لدى المهتمين بالكتابة، لتقديم ما يجول في أنفسهم من أفكار في قالب جديد؟
قدّم لنا الروائي مصطفى القرنة عملاً أدبيا يصف به هذه الجائحة (الكورونا) التي أصابت العالم بأسره، ومن خلال هذا العمل الأدبي استطاع الروائي القرنة تمرير مجموعة من الأفكار بأسلوب سردي جميل ينم عن الثقافة الواسعة والاطلاع الكبير للروائي.
لعل أول ما يلفت انتباه القارئ أو المتلقي هو عنوان الرواية «هاربون من كورونا»، فالعنوان هو المفتاح الذي من خلاله يستطيع المتلقي أن يسبر أغوار النص، ويعلم شيئاً من ملامحه الأولية، فمجرد نظرة على العنوان يستطيع المتلقي أن يربط بين العنوان وبين هذا الوباء الذي أوقف الحركة فوق الكرة الأرضية، فهو يمهد الطريق للمتلقي للدخول إلى متن العمل. يتكئ الروائي القرنة في هذه الرواية على قيمة المرض والصحة التي تسيطر على معظم الفضاء الروائي، وتتعدد الأمراض التي تذكرها الرواية، ودائما يكون علاج هذه الأمراض عن طريق تناول الحيوانات البرية، وكأن الروائي القرنة يريد أن يمهّد لسرد مجموعة من الحقائق التي ظهرت مع ظهور وباء الكورونا، بل نراه على لسان إحدى الشخصيات يريد أن يعقد جلسة محاكمة لبعض الحيوانات التي يمكن أن تكون السبب في ظهور هذا الوباء. قال آي بخوف: ماذا تريد سيدي من الجمل؟
- أريد أن أحاكمه، سترى بعينيك أنه سوف يعترف بجرمه الذي قام به، إياك أن تخدعني آي كأنّي سمعت أن الخفاش هو السبب. - بصراحة لا أعرف - على كل حال سيأتي الدور على الخفاش إذا ثبتت براءة الجمل».
الرواية رغم اعتمادها واستنادها على بعض الحقائق، إلا أن الخيال له الحصة الأكبر، وهذا ما يميز الأعمال الأدبية ويبعدها عن السقوط في المباشرة، فالكاتب يستخدم مجموعة من التقنيات الفنية، وذلك لرسم شخصيات خيالية تناسب الموضوع والحدث والتحكم بلغة السرد والحوار وإدارة الأحداث، وكل هذه التقنيات في مجملها تشكل في نهاية المطاف الفضاء الروائي.
وإذا عدنا للرّواية التي بين أيدينا «هاربون من كورونا» نرى أنّ الروائي القرنة قد أبدى الاهتمام في رسم شخصيات الرواية، فالشخوص من العناصر المهمة في بناء الرواية، فتحريك الأحداث وتطورها، وتجسيد الأفكار لتصل إلى المتلقي، كل هذا يجعل من الشخوص عنصراً هاماً في العمل الأدبي.
ظهر في الرّواية مجموعة من الشخصيات وحاول الكاتب أن يرسم لكل شخصية الدور الذي يناسبها، فهذه شخصية (الشمين) الذي يمثل دور رئيس القبيلة ويعمل بتجارة الحيوانات البرية كالنمور وغيرها، ويصفها كعلاج للكثير من الأمراض، وها هو يصف علاجاً للفتاة (سن) التي لاحظت أن هناك مجموعة من الدمامل قد نبتت في رأسها، وكانت قد أدمنت على تناول الحيوانات البرية، فيصف لها (الشمين) عيون السمك، وتطلب من والدها الذي يعمل صياداً في نهر ميكونج أن يجلب لها عيون الأسماك.
«في صباح اليوم التالي ذهبت (سن) إلى الشمين (ياه) وكشفت له عن شعرها ومكان الدمامل. قال لها إنّ المسألة بسيطة ولكنها تحتاج إلى وقت، وإن المطلوب هو عيون السمك تُوضع على تلك الدمامل لأن الأصل فيها عين حاسدة قامت بهذا الفعل المريع. عادت للمنزل وأخبرت أمها وطلبت من والدها الذي كان يعمل صياداً في نهر ميكونج أن يجلب لها عيون الأسماك».
وهناك شخصية (لو) شخصية ثانوية، يعمل موظفا عند وحش النهر في استلام وتسليم البضاعة من الحيوانات البرية. وشخصية الساحر (واسي) شخصية تمثل دور المعالج من الأمراض وطارد للأرواح الشريرة، فهو يعالج جميع الأمراض، السرطان، الكساح، وغيرها، ويوضح لنا الروائي القرنة صورة هذا الساحر البشعة، فهو يشبه الشيطان، شعره طويل جداً، أنفه أيضاً طويل، عيناه حمراوان. أما شخصية الفتاة (سن) فهي فتاة جميلة جدا، في الثامنة عشرة من العمر، تلتزم بأوامر الشمين رئيس القبيلة، ولجمالها يقع في حبها أكثر من شخص، وهي ترفض الجميع، وتُصر على عدم الارتباط بأحد، وآخر هؤلاء المحبين (الشمين) نفسه، وقد هدّدها إذا لم تنصاع لأمره وتتزوجه سوف يسلّط عليها الأرواح الشريرة، ولكنها في داخل نفسها ترفض وترمي بنفسها في النهر مودعة الحياة.
يعرف الباحث المغربي «حميد لحميداني» الشخصية بأنها «الشخصية الفاعلة العاملة بمختلف أبعادها الاجتماعية والنفسية والثقافية، والتي يمكن التعرف عليها من خلال ما يخبر به الراوي، أو ما تخبربه الشخصيات ذاتها، أو ما يستنتجه القارئ من أخبار، عن طريق سلوك الشخصيات».
خصوبة خيال الروائي القرنة مكّنته من رسم شخصيات وتوليد شخصيات تعيش مع القارئ على امتداد صفات الرواية، وجاءت هذه الشخصيات تناسب الحدث العام للرواية، ولها خصائص وملامح مميزة تناسب الجو العام للرواية والحدث، فقد استطاع رسم أبعادها الفسيولوجية، والسيكولوجية، فهي بشكل عام تناسب الواقع المعاش بالنسبة للرواية وأحداثها المكان من العناصر الهامة في العمل الروائي، وكما للعناصر الأخرى أهمية، فعنصر المكان لا يقل أهمية عن العناصر الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.