سجلت الإصابات الجديدة نسبة تقدر بحوالي 0.6 حالة لكل 100 ألف نسمة خلال 24 ساعة الأخيرة، و23 ولاية سجلت 0 حالة عدوى، ما يعني تنفس الاطقم الطبية الصعداء بعد ضغط رهيب عرفته مختلف المؤسسات الاستشفائية بسبب تصاعد منحنى الإصابات الجديدة حيث تخطت الذروة الأخيرة ألف إصابة جديدة يوميا، لكن تعامل السلطات المعنية مع الوضع الوبائي وفق معطيات علمية دقيقة وتجنب أي مغامرة بالفتح الكلي للأنشطة وعدم إعطاء المواطنين أملا «كاذبا» بالقضاء على الوباء مع توفر اللقاح منعا حدوث الكارثة. أيام فقط تفصلنا عن بداية حملة التلقيح ضد فيروس كورونا ما يضع الجزائر في قائمة الدول الأوائل في اطلاقها، لتدخل بذلك المرحلة الفاصلة في السيطرة على الجائحة المستجدة، فاللقاح، بحسب المختصين، هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ نسبة 65 بالمائة من اكتساب المناعة، وهوالسبيل للتعايش الآمن مع فيروس كورونا الذي مسّت تداعياته كل القطاعات سواء كانت سياسية، اقتصادية واجتماعية. موجتان وإجراءات بين تخفيف وتشديد بالعودة الى الوراء نجد أن الأزمة الصحية التي مسّت الجزائر على غرار كل دول العالم مرّت بموجتين: الأولى في الصيف الفارط تخطت ذروتها 600 اصابة جديدة في اليوم، أما الثانية فكانت شهر نوفمبر الماضي حيث تجاوزت ذروتها 1000 اصابة جديدة في 24 ساعة، غير ان الذروتين عرفتا تعاملا مختلفا من طرف السلطات المعنية، فقد صاحبت الموجة الأولى إجراءات وقائية وتدابير احترازية مسّت مختلف النشاطات وتسريح 50 بالمائة من عمال المؤسسات، بالإضافة الى استفادة الحوامل والامهات المربيات وكذا الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة من عطلة استثنائية مدفوعة الأجر. أما الموجة الثانية فصاحبتها إجراءات وقائية أخف بسبب العودة التدريجية الى الحياة الطبيعية من خلال رفع بعضا من التدابير الاحترازية كعودة العمال الى مناصبهم، ورفع العطلة الاستثنائية وكذا عودة الأطفال الى مقاعد الدراسة، فرغم كل التحديات، فضلت الدولة فتح المؤسسات التعليمية أبوابها للدراسة حفاظا على مستقبل المتمدرسين، بعد أكثر من سبعة أشهر من الغلق، فمنذ 14 مارس الفارط اتخذت وزارة التربية قرارات استثنائية تتلاءم وحالة الطوارئ الصحية التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة، خاصة ما تعلق بالانتقال الى الأقسام الأعلى والامتحانات النهائية. قد يتساءل البعض ما المتغير الذي صنع الفارق في القرارات المتخذة اتجاه التعامل مع الوباء، الإجابة بسيطة هو تقدم الأبحاث والدراسات حول كوفيد-19، حيث استطاعت مع مرور الوقت كشف الكثير من خصائصه، فالجهل بالوباء في مرحلته الأولى فرض خيارات معينة، بسبب عدم معرفة المختصين لما يمكن ان يحدثه من خسائر على مستوى المنظومة الصحية، وهوالسبب المباشر في الغلق الشامل والحجر الجزئي وكل تلك التدابير الاحترازية المتخذة مع بداية انتشار الوباء. لكن بالرغم من أن الموجة الثانية بلغت عتبة 1000 إلا أن الإجراءات الوقائية كانت أقل شدّة مقارنة بالمرحلة الأولى من الوباء، لأن الدراسات أثبتت ان الطفل مثلا ليس ناقلا للعدوى بتلك الدرجة التي وصفتها الأبحاث العلمية الاولى، لذلك كانت عودة التلاميذ الى مقاعد الدراسة أمرا طبيعيا بالنظر الى النتائج المتوصل إليها طبعا مع التأكيد على ضرورة احترام البروتوكول الصحي الخاص بالمؤسسات التعليمية. 17 ولاية أقل من 09 حالات و23 ولاية 0 حالة سجلت الجزائر بعد أكثر من 10 أشهر بحسب لجنة متابعة ورصد فيروس كورونا حصيلة إصابات بلغت 101913 حالة مؤكدة بكوفيد-19 ما يمثل 0.6 حالة في 100 ألف نسمة، بينما سجلت 2803 حالة وفاة، بينما تماثل أكثر من 69011 حالة الى الشفاء، فيما سجلت 17 ولاية أقل من 09 حالات و23 ولاية لم تسجل أية حالة، هذه الأرقام تعكس الأريحية التي تعيشها مستشفياتنا في انتظار الانطلاق في حملة التطعيم. أعطت هذه الأرقام وصفا دقيقا للوضع الوبائي في الجزائر، لكنها أيضا أبانت عن تعامل علمي واستباقي منع حدوث الأسوأ، خاصة فيما يتعلق بغلق الحدود البرية ووقف الرحلات الجوية، لأن الأبحاث على اختلافها أثبتت ان العزل هو أهم عامل لتفادي ارتفاع عدد الإصابات، والجزائر لم تنتظر بلوغ عدد الإصابات الألف لاتخاذ إجراءات مشدّدة تخص الحجر الجزئي والشامل، ما جعلها تحول دون خروج الوضعية الوبائية عن السيطرة سواء في الموجة الأولى أوالثانية، رغم ما سجلته من وفيات بفيروس كورونا. الصرامة عامل آخر، أدى دورا مهما في التقليل من عدد الإصابات وهو في التعامل مع المخالفين للإجراءات الوقائية، حيث حدد القانون عقوبات مشددة ضدهم تتراوح بين غرامات مالية تقدر قيمتها، بحسب نوعية المخالفة، وكذا الحبس خاصة لمن لا يحترم الحجر المنزلي، بالإضافة الى الغلق بالنسبة للمحلات التجارية التي لا تحترم الإجراءات الوقائية كارتداء القناع الواقي وعدم دخول الأطفال الأقل من 16 سنة، وكذا التعقيم والتطهير المستمر للمحل، دون اغفال الإشارات الأرضية التي تنظم حركة الزبائن داخل الفضاء التجاري. الاستباقية والصرامة للسيطرة على الوباء كان التعامل مع الوباء وفق المعطيات العلمية، الاستباقية والصرامة في تطبيق العقوبات ضد المخالفين من العوامل الرئيسية في استقرار الوضعية الوبائية، خاصة مع تخوف الجميع من السيناريو الإيطالي، بداية الوباء، والذي أدخل المنظومة الصحية في إيطاليا طب الحروب. كان للحذر في التعامل مع انخفاض عدد الإصابات الجديدة في 24 ساعة، دور مهم في عدم خروج الوضعية الوبائية عن السيطرة، فالالتزام بالإجراءات الوقائية خاصة ارتداء القناع الواقي والغسل المستمر لليدين أو استعمال السائل الهيدروكحولي لم يتزحزح عن مكانه بل استمرت الحملات التحسيسية المختلفة للحفاظ على احترام والتزام المواطن بها، رغم بعض التجاوزات التي تسجل هنا وهناك. لذلك ومع بداية حملة التلقيح ستطوي الجزائر مرحلة مهمة من الازمة الصحية لتدخل أخرى ينتظر الخبراء والأطباء ان تكون خطوة إيجابية نحو عودة الحركية الاقتصادية والاجتماعية الى طبيعتها مع الحفاظ على صرامة الالتزام بالإجراءات الوقائية حتى نستطيع بلوغ 65 بالمائة من مناعة المجتمع.