تساؤلات عديدة تتوقّف عندها «الشعب» في حوارها مع الدكتور وهبي زكرياء، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر تتعلّق أساسا بالإرث الثقيل الذي خلّفه الرئيس الأمريكي المودّع دونالد ترامب، وبالتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها خلفه جو بايدن الذي يتولى مقاليد الحكم اليوم. - الشعب: ينصّب اليوم جو بايدن رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية في أجواء استثنائية أثارها الرئيس المودّع برفضه الإعتراف بهزيمته وإصراره على قلب النتيجة لصالحه من خلال تحشيد الشارع وتويتر الأجواء، ما تعليقكم على هذا الحدث؟ وهل ستتم عملية نقل السلطة بسلام؟ الدكتور د - وهبي زكرياء: أفرزت النتائج الانتخابية الرئاسية الأمريكية التاسعة والخمسون فوز الديمقراطي جون بايدن، وبذلك كانت نهاية عهد إدارة ترامب للولايات المتحدةالأمريكية بتناقضاته وبسياساته المتسمة في كثير من الأحيان بالشعبوية، وبالتناقض الممزوج بالبرغماتية الأمريكية، وهو الذي كان يحلم بولاية ثانية، لكن الواقع الأمريكي فرض توجها آخر باختيار بايدن، وهذا ما لم يتقبله ترامب وأنصاره الذين لجأوا إلى أساليب أخرى للضغط وخلط بعض الأوراق مثل تجييش الشارع ودفعه للفوضى كما رأيناه في عمليات اقتحام الكونغرس مع ارتكاب أعمال تخريب، كل ذلك يؤدي بنا إلى مراجعات كبيرة حول الديمقراطية الأمريكية ومدى مصداقيتها وتحول في عمليات انتقال السلطة من إدارة الى أخرى، لذلك فعملية تسييج وبناء جدارات في مكان تسليم السلطة خوفا من الانفلات الأمني، كلها مؤشرات تؤدي بنا إلى قراءات جديدة حول المشهد السياسي الأمريكي وتحولاته. - تحدّيات كثيرة تنتظر الرئيس الأمريكي الجديد، فداخليا عليه أن يعمل على رأب الصّدع والانقسامات التي أحدثها سلفه، وخارجيا عليه إصلاح الانحرافات التي شهدتها السياسة الخارجية الأمريكية، والمهمّة كما تبدو صعبة، فهل سيتمكّن بايدن من أدائها وكيف؟ كل إدارة تجد أمامها تحديات جديدة، لكن مخلّفات ترامب تتطلّب جهدا كبيرا من طرف الإدارة الحالية لمواجهتها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فداخليا هناك أزمات مر بها الشعب الأمريكي ولا يزال، عمّقت من معاناته الاجتماعية مثل ارتفاع معدّل البطالة والتهميش الاجتماعي لفئات كبيرة من أفراد المجتمع الأمريكي، مع انتشار خطاب العنصرية والكراهية والتفرقة، كذلك هناك إشكال مرتبط بتحقيق الأمن الصحي خاصة مع تزايد العدد اليومي للإصابات بداء كورونا، أما خارجيا فالإدارة الجديدة أمام رهانات وتحديات إعادة الصورة الأمريكية التي تصدّعت بفعل القرارات الصادمة التي اتّخذتها الإدارة السابقة. على إدارة بايدن تصحيح العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين بشكل يعيد التوازن في تحقيق المصالح، كما ينتظر منها النظر في الملفات العالقة ذات الطابع التجاري مع الصين «ملف العلاقات التجارية»، بالإضافة إلى تحديد أولوياتها في العلاقة مع روسيا وفي المجالات الحيوية ذات الطابع الجيوبولتيكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها. - الرّئيس المودّع نسف العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية وسحب أمريكا من العديد من المنظّمات، فهل ستتراجع الإدارة الجديدة عن قرارات ترامب التي أثارت الكثير من الصّدمات؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية هي دولة ذات طابع نفعي وبراغماتي وواقعي في مصالحها، فجل الإدارات بمختلف إيديولوجايتها «الديمقراطي، الجمهوري» تعمل بهذا المنطق لذا قرار الانسحاب أو الرجوع يعود لمنطق دراسة الربح والخسارة، فإدارة بايدن وفق برنامجها الانتخابي، أبانت بالعدول عن بعض القرارات السابقة المتعلقة بالانسحاب من بعض المنظمات مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، فعودتها يعبر عن عودة النفوذ الأمريكي في هذه المنظمات. - من أشد الشّعوب التي عانت من قرارات ترامب الصادمة والجائرة، هو الشعب الفلسطيني، حيث تعرّضت قضيته العادلة للعديد من الضّربات بدءاً بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السّفارة الأمريكية إليها إلى صفقة القرن، فهل سيراجع بايدن هذه القرارات وينصف الفلسطينيّين وقضيتهم؟ أعتقد أنّ إدارة بايدن لن تتخلى عن دعم إسرائيل مع الإبقاء على سلطة الحكم الذاتي للفلسطينيين، بالإضافة إلى دعمها للمستوطنات، وستغطّي هذه السياسة بإعادة دفع الحوار والتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع العودة لمساعدة الأونروا، أعتقد أنّه لا يمكن انتظار الإدارات الأمريكية لحل القضية الفلسطينية، فهناك عقد مادي ومعنوي بين أمريكا وإسرائيل لا يمكن تجاوزه أو العدول عنه. - إعلان ترامب الاعتراف بالسّيادة المزعومة للمغرب على الصّحراء الغربية أظهر مدى عبثه بالشّرعية الدولية على اعتبار أنه إعلان غير شرعي، فهل سيصحّح بايدن هذا الخطأ الجسيم ويدفع باتجاه الحل العادل لهذه القضية العادلة؟ اعتراف ترامب بالحق المغربي المزعوم في الصحراء الغربية جاء في نهايات عهدته، وبالتالي فقراراته غير ملزمة بالنسبة للإدارة الجديدة، بالإضافة إلى أن هذا القرار يعتبر خطوة منتهكة للأعراف والقوانين الدولية، ما جعل المجموعة الدولية تتنكّر له وتعتبره قرارا غير مسؤول. - أمريكا ما قبل ولاية ترامب ليست هي أمريكا اليوم، فما الذي فعله هذا الرّئيس المثير للجدل بأقوى دولة في العالم؟ الرئيس ترامب حاول تغيير بعض أدوات ووسائل السياسة الأمريكية على مستوى الداخلي والخارجي، لكن للأسف جعل منها في الأخير نموذجا سيئا في المنظومة الغربية وأدخلها في الشّعبوية والفوضى الهمجية. - هل تعتقدون بأنّه هنالك فعلا فرق بين الدّيمقراطيّين والجمهوريّين على مستوى السياسة الخارجية؟ لا يوجد فرق كبير بين الحزبين في مجال السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية لأن المتحكّم في هذا المجال لدى الإدارات الأمريكية المختلفة فواعل أخرى مثل المركب العسكري واللوبيات الطاقوية وجماعات الضغط والمصالح، لذا تتغير الغاية لكن الهدف واحد وهو البقاء على الهيمنة الأمريكية بمختلف الوسائل والآليات.