بعد أن فعلت نيران الأسعار فعلتها وألهبت جيوب المواطنين وأنهكت ميزانيات العائلات الضعيفة والبسيطة والمتوسطة وساهمت إلى حد كبير في انتشار بعض الأمراض نتيجة عدم استهلاك الفيتامينات والبروتينات الموجودة اللحوم الحمراء والبيضاء و''الصفراء'' إلا في المناسبات التي تتضاعف فيها الأسعار، خرجت في الأيام الأخيرة «جمعية حماية المستهلك» عن صمتها، بل من سباتها، وأصدرت نداء عبر شبكة التواصل الاجتماعي تدعو فيه المواطنين إلى مقاطعة شراء اللحوم عملا بالقاعدة الشرعية «ارخصوها بالترك» التي استمدت منها نظرية العرض والطلب. المبادرة طيبة والمسعى نبيل، لكن يبدو أن الاستجابة من طرف المستهلكين مازالت محدودة في الزمان والمكان، لا سيما ونحن على أبواب رمضان، شهر التوبة والرحمة والغفران، حيث يتدافع المواطنون بمختلف فئاتهم على الغالي والرخيص ولا تجد أين تضع قدمك في الأسواق الشعبية والراقية من كثرة الإقبال عليها، غير مكترثين بارتفاع الأسعار التي لا ترحم.. ومن المفارقات التي نعيشها مع يوميات المواطنين أنهم كلهم يشتكون الغلاء في الشوارع والمقاهي وأمام أجهزة الإعلام، ومقابل ذلك يتسابقون في شكل طوابير لا متناهية لاقتناء السلع المعروضة الضرورية منها وغير الضرورية. وأمام هذه «المعادلة» الصعبة فإن التجار يجدون ضالتهم لدى أمثال هؤلاء المواطنين الذين لا يتحكمون فيما «تمليه» عليهم بطونهم وأذواقهم وشهياتهم التي ليس لها حدود لا سيما في شهر رمضان.. الذي جعله التجار مصيدة للقبض على المستهلكين يتكرر نصبها كل عام، دون مراعاة مستوى القدرة الشرائية. وإذا كانت جمعية حماية المستهلك قد بادرت وحاولت التأثير في نفسية المواطنين ولو نسبيا، فأين دور وزارة التجارة، التي يجب أن تتدخل لتنظيم الأسواق كلما دعت الضرورة، وتنشر أعوانها لمراقبة الأسعار. لكن الذي آثارني وكاد يجعلني أخرج من جلدي البيان الذي أصدرته الوزارة، تطمئن فيه المواطنين الجزائريين بأنها استوردت «كذا طن» من مادة الحمص، التي يكثر عليها الطلب في رمضان فلا داعي للقلق مادام الباخرة قادمة..!