تنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبيرة، اختار رئيس الجمهورية لإدارتها شخصية مالية اقتصادية في منصب الوزير الأول بقيادة وزير المالية السّابق أيمن بن عبد الرحمان، والمكلّف بتشكيل حكومة جديدة، والتي ينتظر أن تكون مزيجا بين الكفاءات التّكنوقراطية والسياسية من أجل تحقيق التّوافق لإدارة المرحلة المقبلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية واستعادة الأموال المنهوبة، وجلب للاستثمار ومحاول تخفيف الآثار الاجتماعية على المواطن البسيط. القرار وإن كان محل تثمين من الكثيرين خاصة الخبراء الاقتصاديّين، انطلاقا من أنّ المرحلة المقبلة تطغى عليها تحديات اقتصادية جمّة تفرض هذا الاختيار، إلاّ أنّ المهمّة صعبة تستدعي تضافر الجهود وكثير من التّنسيق، وإيجاد الحلول الكفيلة بإحداث التّغيير المنشود وتخفيف العبء على المواطن البسيط. بن رحو: الاختيار فرضه الوضع الاقتصادي والمالي ترى أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر د - سهيلة بن رحو، أنّ اختيار أيمن بن عبد الرحمان كوزير أوّل من طرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، له أكثر من معنى ودلالة، كونه شخصية تجمع بين التّمكّن من المالية والإدارة والسياسات النّقدية بحكم تدرّجه في وزارة المالية بين مصالح الضّرائب والبنك المركزي. أوضحت د - بن رحو في تصريح ل «الشعب»، أنّ هذا التّعيين كان منتظرا وملحّا لأنّ الشّأن الاقتصادي معقّد ومتعثّر لارتباطه المزمن بالمحروقات، رغم كل المساعي المجدية لتطبيق الإصلاح للخروج من النّموذج الأحادي التّصدير، حيث أنّ الاقتصاد الوطني يحتاج إلى جملة من الإصلاحات المستعجلة، والممكن تجسيدها لبلوغ أهداف قصيرة الأمد، فإصلاح النّظام المصرفي سيكون أولوية هذه الحكومة لحل مشاكل معظم القطاعات على حد سواء. وذكّرت المتحدّثة في هذا السياق، تناول مخطّط الإنعاش الاقتصادي الخروج من النّموذج الاقتصادي الحالي المعتمد على عائدات المحروقات كحجر الزّاوية، إضافة إلى معالجة التّداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا لإنقاذ القطاعات المتضرّرة من جائحة كورونا. وحسب أستاذة الاقتصاد السياسي، يستوجب هذا الأمر إيجاد مصادر لتمويل الاقتصاد والاستثمار لإعادة بعث الشّركات العمومية والخاصة، إصلاح مناخ الاستثمار للإسراع في عملية الإقلاع الاقتصادي للاستثمار الدّاخلي والتّوسّع الخارجي خاصة نحو السّوق الإفريقية، عصرنة ولا مركزية الإدارة للتّجاوب مع أدوات الرّقمنة والشّفافية الملحّة، دعم القطاع الفلاحي المتضرّر من التّغيّرات المناخية ونقص المياه، دعم التّشغيل لإعادة توازن سوق العمل بعد ارتفاع نسبة البطالة عند الشباب (خاصة الجامعيّين) بتسهيل إقامة المؤسّسات النّاشئة. وعلى الأمد المتوسّط، ترى المتحدّثة أنّه لابد من إعادة صياغة آلية الدّعم الاجتماعي لترشيد النّفقات العمومية ومراقبة مساراتها، خصوصا أنّ قيمتها تتراوح من 12 إلى 14 مليار دولار سنويا، ومواصلة في إصلاح النظام الصحي ومنظومة التربية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لدعم تنويع الصّادرات. وحسب د - بن رحو تجد هذه الحكومة نفسها أمام ملفات دسمة وحيوية تستدعي الذّكاء والنّجاعة في التّسيير والتنفيذ لتحقيق الأهداف المسطّرة في الآجال الموضوعة للخروج من الحرج المالي، الذي نتج من تراكمات الأزمة الاقتصادية السّابقة وأزمة كورونا التي لا نجهل تطوّرها بعد. والي: تحقيق التّوافق الاقتصادي قبل السياسي من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، مراد والي، حسب تصريح ل «الشعب»، أنّ اختيار شخصية اقتصادية لمنصب وزير أول بصبغة مالية اقتصادية، والتي جاءت تتويجا للانتخابات التّشريعية بهدف تحقيق التوافق الاقتصادي قبل السياسي، واستجابة لضرورة ملحّة بحكم أنّ الفترة التي تعيشها البلاد اقتصادية بحتة أكثر منها سياسية، خاصة وأنّ الاستقرار السياسي قد تحقّق بعد انتخاب رئيس جمهورية ومؤسّسة تشريعية مؤخّرا. ويأتي اختيار هذه الشّخصية - حسب المتحدّث - من طرف رئيس الجمهورية بعد مشاورات مع الأحزاب لأنّه على دراية بالملفات المالية الثّقيلة بحكم تواجده على رأس وزارة سيادية منذ حوالي سنة ونصف، فكان رجل مرحلة له رؤية مغايرة في تسيير الوضعية الحرجة المالية للجزائر خاصة، وتنفق من احتياطي الصّرف، فتبنّى عدّة إجراءات خلال تولّيه قطاع المالية، فكان هناك نوعا ما رشادة في الإنفاق، وفي تقسيم الاعتمادات المالية ضمن قوانين المالية، وذلك انطلاقا من درايته الكبيرة بالسياسة النّقدية للبلاد. وأكّد الخبير والي أنّ الظّرف المالي يستدعي التّنويع في الحلول، والاستفادة من خبرة الرّجل الذي تتوفّر فيه القدرة على التّحصيل الجبائي، وكذا تحصيل موارد خارج المحروقات، فضلا عن قيامه بتسيير وزارة كبيرة تضم مديريات فاعلة في الاقتصاد الوطني كمديرية الجمارك، الضّرائب، الميزانية، الخزينة العمومية، والإشراف على مختلف البنوك العمومية والخاصة، ناهيك عن قيامه بإعادة هيكلة وزارة المالية أو ما يعرف بميزانية الأهداف وليس الميزانية التقليدية. وأوضح المتحدّث أنّ الرّؤية التي أتى بها رئيس الجمهورية هي أنّ الدّولة الجزائرية مقبلة على وضع صعب، إلاّ أنّه يمكن أن يكون هناك نوعا من الأريحية نظرا لارتفاع اسعار البترول ووجود سياسة صادرات جديدة تبنّتها الدولة، كل هذا يشكّل نوعا من النقاط الايجابية، فضلا على أنّ الوزير الأول أتى بجديد بتشريع ما يعرف بالصيرفة الاسلامية، وإضفاء الرمزية الثورية على بعض الأوراق النّقدية، وهي إنجازات تحسب للرّجل. في المقابل، أشار والي إلى أنّه بالرغم من هذه الإجراءات، إلاّ أنّ نظامنا المالي مازال تقليديا بيروقراطيا لم يصل إلى درجة كبيرة من المرونة، لكن يمكن القول إن القرار صائب، ويُثمّن بحكم أنّ الشّخصية المختارة تتوفّر لديه إدارة إدارية مالية واقتصادية بكل ما يتعلّق بالشّأن الاقتصاد، ويندرج في إطار البحث عن موارد جديدة من خلال تبنّيه لسياسة مالية ونقدية مغايرة، وربما سيوفّق في تحقيق برنامج رئيس الجمهورية المراد تطبيقه. وبخصوص الأولويات التي تنتظر الحكومة المقبلة، تحدّث الخبير عن ضرورة السّعي لتجسيد ما يعرف بتحقيق التنمية الاقتصادية الواقعية، خاصة وأنّ الشّعب الجزائري يعيش وضعية صعبة، ويبحث عن سبل لدعم القدرة الشرائية من خلال تقديم الدّعم للمواطن البسيط، فهناك نوع من الثّقة في النظرة المغايرة للسياسة السّابقة في هذا الخصوص، خاصة وأنّ هناك تقدير للكفاءات وحتى الشابة المراد تقديمها لوزارات سيادية، خاصة وأنّها تشكّل الرّهان الأساسي لتنفيذ مخطّط الإنعاش الاقتصادي. البحث عن موارد جديدة خارج المحروقات، والبحث عن رؤى وأفكار التي على أساسها تنطلق الحكومة لتحقيق نوع من الطمأنينة لدى المواطن الجزائري هو تحدي آخر - حسب المتحدث - من خلال إيجاد حل لكل المشاكل العالقة منها الاستثمار المتوقّف، هذا الأخير الذي ينتظر قانونه الإثراء والعرض على البرلمان قبل نشره، خاصة وأنّ مثل هذه التّشريعات الخاصة بالصّناعة والتجارة تمتاز بالاستقرار حتى تستقطب أكبر الفرص للاستثمار سواء كانت محلية أو أجنبية من أجل تمويل احتياطي الصرف الذي استهلك خلال فترة كورونا. ويعتقد والي أنّ هذا الملف جدّ حسّاس، بداية بالعمل على تحقيق استقرار تشريعي لمدة 10 سنوات على الاقل بمعنى عدم تغيير القوانين المتعلّقة بالاقتصاد في كل مرة بمجرد تغيير الهيكل الحكومي، فلابد أن تكون عناية كبيرة بهذا الشق، بالإضافة إلى قانون العمل 09-11، الذي تمّ إقراره في سنة 2009، فهو ضروري لتنظيم العلاقة بين المتعاملين الاقتصاديين من جهة واليد العاملة من أخرى، وتسهيل القضاء على البطالة. من جهة أخرى، يطرح إدماج حاملي الشهادات الجامعية كنقطة أخرى تنتظر الحكومة باعتباره ملف في فتراته الأخيرة ولم يغلق لحد الآن، وذلك بفتح مناصب مالية وطي هذا الملف بصفة نهائية. وبخصوص رفع مساهمة بعض القطاعات، يرى المتحدّث أنّه حان الوقت أن تأخذ السياحة حقّها من الاهتمام والمرافقة بتحفيزات لمختلف الفاعلين السياحيّين، الذين توقّفوا خلال فترة كورونا وإعادة دفعها من جديد، بالإضافة إلى إيجاد الحلول لبعض الاشكاليات الصناعية، خاصة وأنّ الصّناعة جد متأخّرة بحكم أنّ الدولة تريد النهوض بالتصدير من خلال المواد المصنّعة والتحويلية بعيدا عن تصدير المواد الخام فقط، بحيث يجب أن تكون هناك صناعات تخدم الاقتصاد الوطني، ونعمل على تجسيدها في الواقع. تضاف إلى ذلك ملفات أخرى كالسكن، وكل الأمور الاجتماعية الضرورية التي لها علاقة وطيدة بالمواطن، ناهيك عن قضية المياه فلابد من الذهاب إلى رسم مخطّطات واستراتيجيات للتحكم في هذا المورد الثمين والتكفل بهذه المشكلة. في المقابل، يرى المتحدّث أنّه لا يجب أن نبخس المجهودات التي قامت بها الحكومة السّابقة في مرحلة جد حسّاسة، وما ينتظر الحكومة الجديدة أكبر في ظل رقابة شعبية وبرلمانية صارمة، فكل هذه الظّروف تمثّل تحديات كبيرة بالنسبة للوزراء المقبلين، وأعتقد أنّ الاختيار سيكون مبنيا على كفاءات ذات طابع سياسي أيضا لتحقيق الإجماع بين كل ما هو سياسي، وسعي الحكومة لتحقيق النتائج المرجوة سواء في الشق الاداري من خلال الكفاءات أو الشق السياسي من خلال ترجمة مختلف المشاكل ونقلها الى السلطة التنفيذية. هي تحديات كبيرة للكفاءات المقبلة على الاستوزار يراها الخبير الاقتصادي، خاصة وأنّ رئيس الجمهورية الذي له رؤية مغايرة، فلم نتعوّد على إقالة مسؤول نتيجة التقصير لكن في عهده كان ذلك عدة مرات، ولم يستثن من ذلك حتى الوزراء ما يدل على اعتماد سياسة رشيدة تنم عن تحقيق تغيير وبناء جزائر جديدة.