تشكّل السياحة الدّاخلية بالجزائر بتنوّعها وثرائها قاعدة أساسية لترقية القطاع والتمهيد لتطوير سياحة خارجية تنافسية بما توفّره من خدمات وتعدّد الوجهات والمقاصد، من خلال التّرويج للسياحة الجزائرية بصفة عامة والداخلية بالخصوص عن طريق تنظيم تظاهرات ومهرجانات وطنية، التّكثيف من الحصص التّلفزيونية للتعريف بالمناطق والوجهات السياحية عبر مختلف ولايات الوطن. إلى جانب اعتماد سياسة نشر الوعي وغرس الثّقافة السياحية لدى المواطن الجزائري، وإقناعه بأهمية الاستثمار واستغلال النّشاط كمورد اقتصادي مثلما يقوم به المواطن في البلدان المجاورة. ضبط العقّار أولوية تملك الجزائر مقوّمات وقدرات سياحية كبيرة، طبيعيّة، ثقافية، دينية، ومواقع أثرية معروفة لكنها في نظر كمال حوشين، الباحث والأستاذ المتخصّص في السياحة وإدارة الأعمال بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة بومرداس، «غير مستغلّة بالشّكل اللاّئق في مجال الجلب السياحي الداخلي والخارجي، وتثمينها اقتصاديا بسبب غياب رؤية استراتيجية متكاملة من حيث المرافق وهياكل الاستقبال، تدنّي مستوى الخدمات وغياب الثقافة السياحية لدى المواطن الجزائري». ويقول الأستاذ في تشريحه لواقع السياحة الداخلية، إنّ «أكبر عائق يواجه قطاع السياحة هو وضعية العقار الصّناعي الغامضة، وعليه لابد من الإسراع في ضبطه والفصل من النّاحية التّشريعيّة والقانونية في هويّته، وتحديد معالمه لجلب المستثمرين، تكون بمثابة ضمانات أمام حاملي المشاريع المتخوّفين من هذه الوضعية المعقّدة التي تتبعنا في القطاعات الحسّاسة كالفلاحة والصناعة». أمّا الشّرط الثاني الأساسي بنظر الباحث، «فهو مرتبط بطبيعة المستثمر نفسه، بمعنى وضع معايير وشروط لابد أن تتوفّر لدى صاحب المشروع الذي يبحث عن عقار صناعي، ويتعلق بالتّخصّص والتّكوين في القطاع، ولا يجب منح الصّفقات والعقار السياحي وأيضا التمويل لكل من هبّ ودب دون إخضاعه لدفتر شروط صارم تتحدّد فيه كل الأهداف بدقّة، مع أهمية المرافقة والمتابعة المستمرّة لعملية الاستثمار في الميدان». كما يتحدّث الباحث عن إشكالية «الذّهنيات» وكيفية إقناع السّائح الجزائري بأهمية الموروث السياحي الداخلي حتى يكون واجهة ترويجيّة للسّائح الأجنبي، حيث شدّد على «أهمية تغيير ذهنية المواطن الجزائري حتى يكتسب عادات سياحية جديدة»، وتساءل بالقول «من حيث ثقافة المجتمع، هل نحن متقبّلين للمفهوم السياحي والمكونات السياحية؟»، والجواب هو أنّ ثقافة الجزائري سياحيا محدودة جدّا مرتبطة بجانب استهلاكي واستعمال يومي أكثر منه ترويجي، بمعنى ونحن في جولاتنا الدّاخلية لا نجلب منتجات وتحفا للذكرى مثلما يقوم به السّائح الأجنبي، بل أدوات استهلاك واستعمال يومي. ويقدّم الأستاذ حوشين، جملة من التّصوّرات الموضوعية والواقعية المقترحات والحلول الممكنة للخروج من هذا النّفق، وإعادة تفعيل النّشاط السياحي بالجزائر، واستغلاله أحسن استغلال بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، أهمّها «إعادة النّظر في الخارطة السياحية الوطنية، ووضع استراتيجية شاملة بنظرة استشرافية ومعالم واضحة لإعادة النّهوض بالقطاع السياحي». وكذا «مراجعة سياسة التمويل ومنح القروض للمستثمرين، وتشجيع التّمويل الذاتي للمشاريع حتى تكون هناك قيمة مضافة، والحرص على تجسيد المشروع المقترح حفاظا على رأس المال، وعدم تكرار نفس التّجارب الفاشلة لعدد من المشاريع التي استفادت من العقار الصّناعي والسياحي مع التّمويل البنكي لكنها لم تنجز ولا نقول فشلت، وبالتالي هو نوع من أنواع الفساد المالي». مع المطالبة أيضا «بضرورة التّنسيق والتّكامل ما بين مختلف القطاعات المتداخلة لرفع العراقيل على المشاريع السياحية المبرمجة للإنجاز، أو عمليات التّهيئة والتّرميم التي استفادت منها الكثير من المواقع الأثرية والتّاريخية التي تعتبر رافدا مهمّا للجلب السياحي»، مع اقتراح تحيين المنظومة القانونية ودفاتر شروط تسيير الوكالات السياحية بالجزائر التي اعتبرها «وكالات تجارية بامتياز» ودورها الترويجي منعدم مقارنة مع الوكالات الأجنبية، مع غياب العروض والبرامج بأسعار تنافسية. النوعية عامل أساسي تتوقّف الباحثة المتخصّصة في الدّراسات السياحية دليلة مسدوي، في حديثها عن السياحة الداخلية، عند مؤشّرات سلبية على طول الخط، معتمدة في تحليلها للموضوع على نتائج رسالتها الجامعية لأهم السياسات والمشاريع التي اعتمدها المخطّط التوجيهي للتهيئة السياحية، الذي سطّرته وزارة السياحة عبر ثلاثة مراحل بداية من سنة 2008 إلى سنة 2025، الهادفة الى ترقية القطاع وتطوير النشاط السياحي وتثمينه في الجانب الاقتصادي كمورد بديل عن المحروقات. وتقول الباحثة مسدوي في هذا الشّأن «لقد تخصّصت وتعمّقت في دراسة وتقييم المرحلة الثانية متوسّطة المدى من المخطط التوجيهي الممتدة من 2009 الى 2015، حيث كانت كل المؤشّرات فيها انحرافات سلبية، ولم تتحقّق الأهداف المسطّرة في البرنامج»، وتضيف الأستاذة بالقول «أنّ البرامج والمخطّطات السياحية موجودة منذ 62، لكن الواقع شيء آخر». ولدى تشريحها لواقع السياحة الصّحراوية كنموذج متقدّم في مشروع ترقية السياحة الدّاخلية بالجزائر، عرضت الباحثة مسدوي جانبا من نتائج دراستها الخاصّة بالأقطاب السياحية الكبرى بالجنوب المعروفة داخليا وخارجيا كوجهة مفضّلة للسياح في كل من الطاسيلي، توات، تيميمون، غرداية وإيليزي، التي تعتبر مقاصد رئيسية للسياح من بينهم 80 بالمائة أجانب، وذلك من خلال ثلاثة مؤشّرات اعتمدتها الباحثة منها جنسية السياح، عدد الليالي التي يقضيها السائح في المؤسّسات الفندقية وعدد الوافدين إلى منطقة سياحية ومدّة المكوث بها للتفريق بين صفات السّائح والزّائر بناءً على مدّة زمنية تقدّر ب 24 ساعة. وعن أسباب عزوف السّائح الجزائري على السياحة الصّحراوية مقارنة بالسّائح الأجنبي، وتفضيله الوجهة الخارجية كتونس وتركيا، تؤكّد الأستاذة مسدوي «أنّ الظّاهرة لها أسباب متعدّدة ومتداخلة مرتبطة أساسا بواقع قطاع السياحة بصفة عامة مثلما أشرنا إليه سابقا، لكن تمثّل نوعية الخدمات وأسعار الفنادق والمركبات السياحية عوامل رئيسية لنفور السّائح الجزائري من زيارة الجنوب الكبير بكل ما يزخر به من مناظر طبيعية خلاّبة سحرت العالم، وذلك خلال فترة فصلي الخريف والشتاء ولو لمدة أسبوع، أو قضاء مناسبة نهاية السنة بدلا من التوجه إلى تونس». تساءلت أيضا عن المعايير المعتمدة في تحديد أسعار الإيواء بالمركبات السياحية التي وصلت في بعضها إلى سعر خيالي لا يقدر عليه السّائح الجزائري بسبب الظّروف الاقتصادية مقارنة مع الأجنبي، وقدّمت بهذا الخصوص مثالا بمركب الغزال الذّهبي، الذي وصل به سعر الليلة الواحدة 3 ملايين سنتيم، وهي حالة تظهر مدى الفوضى التي يتخبّط فيها القطاع، وغياب الرقابة على نشاط المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديّين، الذين تحصّلوا على كل أنواع الدّعم والتّسهيلات من طرف الدولة كالقروض البنكية والعقار، مقابل خدمات غير مقنّنة ولا ترقى إلى المنافسة العالمية، بل هي خدمات بسيطة جدا في مظهرها بولايات الجنوب الجزائري لكنّها مكلّفة ماديا. في الأخير، قدّمت أستاذة العلوم الاقتصادية بجامعة بومرداس، جملة من المقترحات والحلول الممكنة لإصلاح حال السياحة الجزائرية وإعادة تفعيل نشاطها، والاستغلال الأمثل للموروث السياحي الزّاخر والمتنوّع، وهي تقريبا أهم النّتائج والتّوصيات التي توصّلت إليها الدراسة الجامعية، بداية بحسن النية وإظهار إرادة سياسية راشدة من قبل القائمين على القطاع لتقييم ما هو موجود وتثمينه، وتجاوز السّلبيات والنّقائص وكل ممارسات الماضي العشوائية، من سياسات فاشلة وغياب التّخصّص في المجال، مع الحرص على تفعيل بنود وآليات المخطّط التّوجيهي الممتد حتى سنة 2025. المصدر: مجلة التنمية المحلية (بتصرف)