أسطورة حقيقيّة عرفتها السّاحة الكروية الجزائرية من خلال ما قدّمته فوق مختلف الميادين المحلية والعربية وكذا العالمية، مهدي سرباح الحارس الذي سطع نجمه في مونديال 1982، وصانع ملحمة خيخون التي تبقى راسخة في أذهان كل الجزائريّين، الذين عايشوا الحدث بمونديال إسبانيا في تلك السنة، يغادرنا إلى الأبد بعد صراع طويل مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 68 عاما، تاركا خلفه سجلاّ ثريّا من الإنجازات عندما كان لاعبا ولما انتقل إلى مجال التّدريب، حيث كان له الفضل في اكتشاف عديد الأسماء التي سطعت في سنوات التسعينيات، واليوم نقف عند هذا الاسم في "الشعب ويكاند". بتاريخ 3 جانفي 1953 ولد مهدي سرباح بالعاصمة، وبالنظر لحبّه الكبير لكرة القدم بدأ مشواره في سن مبكّرة من خلال ممارستها في الشارع ككل الأسماء التي برزت في عالم السّاحرة المستديرة، إلاّ أن الانطلاقة الفعلية كانت من بوّابة اتحاد العاصمة الذي انظمّ إلى صفوفه سنة 1971، واستمر معه لموسم واحد، حيث غادر نحو فريق شبيبة القبائل التي عاش معها أفضل مراحل مسيرته الكروية لمدة 08 مواسم كاملة من 1972 إلى 1980. توّج معها بعديد الألقاب من بينها كأس الجزائر سنة 1977، والبطولة الوطنية سنتي 1977 و1980، كان محبوب جماهير الكناري بالنظر للإضافة التي قدّمها للنادي والحرارة التي كان يظهر بها فوق المستطيل الأخضر، كونه كان يعشق الفوز ما يجعله بمثابة مدرب في الميدان من خلال تشجيعه لزملائه ودفعهم للهجوم بما أنّه كان صمّام الأمان في القاعدة الخلفية. بما أنّ سرباح كان محبّا للمغامرة، أراد تغيير الأجواء بعد مشوار رائع بألوان الشبيبة القبائلية دام 9 سنوات كاملة، حيث قرر العودة إلى العاصمة من بوابة رائد القبة سنة 1981، أين تألّق رفقته من خلال اللقاءات التي لعبها بألوان هذا الفريق، وتمكّن من الظّفر معه بلقب البطولة الوطنية، ليكون اللّقب الوحيد بخزائن الرائد لحد الآن، ما جعل المناصرين يُكنّون له احتراما كبيرا، بالنظر لما قدّمه لناديهم المفضّل، وحتى الجيل الحالي يستذكر انجازات الأخطبوط ورفاقه في الزمن الجميل للرائد الذي مرّ عليه خيرة ما أنجبت كرة القدم الجزائرية، من جيل الشهيد محمد بن حداد إلى حقبة ثمانينات القرن الماضي. سرباح رافق اسمه النجاح أينما حلّ وارتحل، حيث كان المدرّبون والأندية المنافسة يحسبون له ألف حساب، لأنّهم على دراية أنّه يحسن التدخلات ومتابعة الكرة بتحرّكاته الدقيقة، الأمر الذي جعله ينال استدعاء للمشاركة مع المنتخب الوطني رفقة الجيل الذهبي مع ترسانة من النجوم في صورة كل من (عصاد، بلومي، ماجر، براهيمي)، وأسماء أخرى ستبقى خالدة في سجل الكرة الجزائرية. شارك حارس المعجزات كما يلقّب في عديد المناسبات مع المنتخب الوطني بداية من سنة 1975، عندما كان أول ظهور له إلى غاية 1985 صنع خلالها اسما له بأحرف من ذهب، خاصة في مونديال إسبانيا عام 1982 التي صنع خلالها "الخضر" المفاجأة من خلال الإطاحة بكبار المنتخبات، ولولا المؤامرة لكانت الأمور أفضل بكثير بعد الفوز على ألمانيا بهدفين مقابل واحد، والتي أصبحت تعرف بملحمة خيخون، لكن التّحايُل وترتيب اللقاء الذي قام به المنتخبان الألماني والنمساوي ضد الجزائر، حرم زملاء مرزقان من التأهل للدور الثاني، لتبقى تلك الحادثة راسخة في سجل الكرة العالمية، ووصمة عار على من قام بذلك التصرف. تألّق سرباح لم يقتصر على ملحمة خيخون بل كان له مكانة خلال المنافسة القارية، حيث شارك مع الخضر في البطولة الإفريقية التي جرت وقائعها بنيجيريا 1980 حينها بلغت الجزائر النهائي، بعدها في ليبيا 1982 وكوت ديفوار 1984، كما قاد زملاءه للمشاركة في الألعاب الأولمبية التي جرت بالعاصمة الروسية موسكو 1980، في حين توّج بميدالية ذهبية ضمن ألعاب البحر المتوسط التي جرت فعالياتها بالجزائر سنة 1975 في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وذهبية الألعاب الأفريقية عام 1978 بالجزائر، وكذا برونزية الألعاب المتوسطية سنة 1979 المقامة بسبليت. مشوار العنكبوت الجزائري ثري وإيجابي من كل الجوانب، جعله يصنّف من بين أفضل حراس المرمى كرة القدم الجزائرية على مر التاريخ، وبشهادة كل من عرفه من أبناء جيله، وحتى الذين أتوا من بعدهم، والذين في كل مرة يستذكرون إنجازات ذلك الجيل الرائع. تحوّل بعدها حارس الخضر سنوات السبعينيات والثمانينيات إلى عالم التّدريب، والبداية كانت مع عبد الحميد زوبة وعبد الرحمان مهداوي سنة 1992، واستمرّ في هذا المجال إلى غاية 2002 من خلال إشرافه على تكوين الحراس في كل الفئات العمرية، من بين أبرز الأسماء التي أشرف عليها نجد محمد حنيشاد، عاصيمي، فوزي شاوشي، هذا الأخير سار على نهج خاله سرباح. بعد تجربة في التدريب بالجزائر في اتحاد العاصمة، شباب بلوزداد، شبيبة بجاية، إتحاد البليدة هذه الأخيرة حقق معها الصعود للقسم الأول، وكان له تجربة في مجال التدريب خارج الوطن من بوابة نادي الريان القطري سنة 2005 إلى غاية 2007 ثم انتقل إلى السد القطر، وبالرغم من انه ابتعد عن المديرية الفنية بسبب المرض الذي عانى منه، إلاّ أنه بقي دائما في خدمة الرياضة، وكان دائما يلبّي الواجب الوطني إلى أن وافته المنية يوم 29 أكتوبر 2021. عبد الرحمان مهداوي: فقدنا أسطورة حقيقيّة برحيل سرباح بتأثّر كبير وحزن شديد، يروي لنا عبد الرحمان مهداوي، المدرّب الوطني السّابق وصديق الرّاحل مهدي سرباح عن أهم المحطّات التي جمعتهما خلال إشرافهما على العارضة الفنية للمنتخب الوطني سنوات التسعينيات إلى غاية بداية الألفية الجديدة، حيث وصفه بالشّخصية القويّة والصّارمة نظرا لحبّه الكبير لمهنته وتعلّقه بها، إلى درجة أنّه كان يتدرّب مع الرياضيّين، في قوله "الجزائر فقدت شخصية رياضية كبيرة برحيل الحارس الكبير مهدي سرباح، ولهذا نعزّي أنفسنا والعائلة الرّياضية وعائلة الرّاحل في هذا المصاب الجلل". وأضاف "ستبقى ذكراه راسخة في أذهاننا، والنّصائح التي كان دائما يقدّمها للرّياضيّين، لأنّه بكل صراحة شخصية مثالية، ولن تتكرّر أبدا". وتابع حديثه "بعد المشوار الكبير الذي قدّمه عندما كان لاعبا سواء رفقة الأندية التي حمل ألوانها أو المنتخب الوطني في مقدمتها الدور الكبير الذي لعبه خلال مونديال إسبانيا 1982، بقي بنفس العزيمة والإرادة عندما انتقل إلى مجال التدريب". وختم كلامه قائلا "أنا شخصيا عملت معه بداية من سنة 1992، عندما أشرفنا على الفريق الأول مع كل من مزيان إيغيل، كان معنا حيث أشرف على تدريب الحراس، وعشنا مع بعض أحلى الأوقات". تشرّفت بالعمل معه في المنتخب الوطني واصل مهداوي قائلا عن الرّاحل "كانت لنا فرصة للعمل مع بعض للمرة الثانية سنة 2001، حينها كان عبد الحميد زوبة على رأس العارضة الفنية للخضر وكنت أنا مساعدا وسرباح أشرف على الحرّاس بداية من فئة أقل من 15 سنة إلى الأكابر، حيث كان المسؤول عن كل ما يتعلق بجانب الحراس، حيث كان كل طرف يحترم الآخر، ما سمح لنا بالعمل في جو أخوي رائع وظف خبرته وتجربته من أجل تكوين أفضل الحراس، حيث كان يركز على الأصاغر لأنّم مستقبل الكرة الجزائرية، لكي يكون لدينا خلف قادر على حمل الألوان الوطنية، كان لا يحب من يتدخّل في صلاحياته لأنّه صاحب مبدأ وغيور على ما يقوم به". لا يُحب الهزيمة..طموح ومخلص أكّد صديق الراحل أنّه كان سلطانا حقيقيا خلال القيام بمهامه في التّدريبات إلى درجة أنّه يعمل وكأنّه في مباراة رسمية في قوله "سرباح رحمه الله كان قليل الحديث، صارما ومنضبطا إلى درجة كبيرة، وذلك نابع من حبه لعمله مثلما سبق لي القول، إلى درجة أنّه كان يتعامل مع اللاعبين خلال الحصص التدريبية وكأنّها مباراة رسمية بدليل أنّنا كنّا نلقّبه بالسّلطان، ولم يكن يبخل بأيّة معلومة، حيث كان يعمل بتفان وإخلاص، وذلك نابع من حبّه للوطن ورغبته الدّائمة في النّجاح لا يحب الهزيمة، وكان يحزن عندما لا يكسب المباراة بدليل أنّه كان يتدرّب بشكل عادي مع الحرّاس المُشرف عليهم، أي أنّه كان يعيش اللحظات كأنّها حقيقة. وهذه الصّفات جعلته متميّزا ومختلفا عن غيره لما كان لاعبا وعندما تحوّل إلى التدريب، وأنا شخصيا جد فخور كوني عملت معه لعدة سنوات، حيث استفدنا من بعضنا، وتجمعنا ذكريات رائعة في كل الأوقات سواء السعيدة أو عند بعض العثرات لأن كرة القدم فيها الفوز وفيها الهزيمة، وهذا الأمر بديهي". أما عن الجانب الآخر أو ما لا يعرفه عامة الناس عن مهدي سرباح، يروي لنا مهداوي عن أهم المحطات الطريفة التي كانوا يعيشونها، خاصة في أدغال إفريقيا وأكّد أنّهم كانوا يشعرون بالأمان عندما يكون رفقتهم بالنظر لمواقفه الرجولية واندفاعه عندما تكون تجاوزات أو غيرها، في قوله "سرباح كان مدرّبا وقائدا ورجلا صارما فوق الميدان وخارجه، وجادّا في تصرّفاته وقليل الحديث، ولا يحب من يأخذ منه حقّه بدليل أنّه في إحدى الأيام كنّا في سيراليون في مهمّة مع المنتخب الوطني، وقف أمامنا أحد العساكر حاملا سلاحه، توجّه إليه وطلب منه أن يرحل".