يعد الشعر بتعدّد بحوره وجمال قافيته جنس أدبي يحاول معظم الكتاب والمؤلفين خوض مغامرة النظم فيه، ومن بينهم الشاعر الجزائري محمد عبد المجيد مبسوط الذي يترأس اليوم بين الشعر فرع غرداية، ويكشف لنا من خلال هذا الحوار عن نظرته لواقع الشعر والشعراء وعن كيفية إعادة لهذا المجال الأدبي بريقه.. - كيف هي أحوال الشعر والشعراء اليوم في الجزائر؟ محمد مبسوط: يبدو أن الوباء لم يبق في حياة الأدب إلا بعض الرذاذ المتساقط هنا وهناك من النشاطات الثقافية، فغلب عليها الحضور الافتراضي وحتى النشاطات الفعلية تكاد تنعدم، ربما لغياب نظرة ثقافية عامة أو تخطيط ثقافي على مستوى الوطني، فتجد بعض الولايات تزخر بنشاطات دورية تكاد تكون أسبوعية، في حين أن ولايات أخرى لا تسمع بها شيئا على مدار العام، وأكيد الكل سيقدم كل الحجج والبراهين لكن المعروف أن أغلب الميزانيات متقاربة، فأين الإشكال؟ - عرف المشهد الثقافي العربي تألق العديد من الشعراء والشاعرات الجزائريين بفوزهم بأكبر الجوائز، لكن لا يجد الكثير منهم مكانته وطنيا لماذا في رأيك؟ المشهد الثقافي العربي أو حتى الدولي لا يغيب عنه الجزائريون وتألقهم، وهذه شهادة يعتز بها كل أديب محلي وعلى جميع الأصعدة، فمنهم من يصنع فرص نجاحه بذاته دون أدنى مساعدة، في حين قد تساعد الظروف البعض الآخر للنجاح لكن قد يهمل بعد النجاح فيصبح من الماضي، أما على المستوى الوطني فتراه مغيبا عن الساحة الثقافية الوطنية، أو بدعوات خاصة. فالأجدر بالمؤسسات الثقافية المحلية، أن تستفيد من هذه الكفاءات على المستوى المحلي لصنع مشروع ثقافي وطني مستقبلي، وهنا ممكن أن أجيب عن سؤالك بسؤال: هل رأيت مؤسسات ثقافية محلية سواء مديريات أو دور ثقافة، وجهت دعوات لكتاب محلين فازوا بجوائز لعرض تجاربهم، وتقديم مشاريعهم الثقافية للناشئة، بل أغلبهم تكرمهم المؤسسات الرسمية في العاصمة ويبقى التكريم هناك والوقع هناك. - ما الأسباب وراء عزوف القراء عن دواوين الشعر، وهل ما زال للقصيد نصيب كبير في الإصدار؟ القراء ليسوا وحدهم من يعزفون عن الشعر، حتى الشعراء ذاتهم يكادون يعزفون عنه، فواقع الحال لا يشجع كثيرا.. الدعوات في أغلب التظاهرات تكاد تكون شخصية والنشاطات الثقافية أيضا قليلة جدا أو مناسباتية، دون أن ننسى الإشارة إلى النداء الذي أطلقه بعض الشعراء والكتاب العام الماضي، حول رفضهم فكرة المشاركة مجانا في النشاطات الكبرى. فمن غير المعقول، أن يسافر شاعر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب أو العكس على نفقته ليقرأ شعره، ثم يعود أدراجه فيستفيد أغلب المشاركين من تعويضات ويرفض تعويض الشعراء. أما الاصدارات فهي تكاد تكون أعمال فردية، إلا ما قدمه بيت الشعر الجزائري من طبع عدة أعمال لشعراء متميزين، كعبد القادر مكاريا وهند جودر ومصطفى صوالح وعبد القادر رابحي مؤخرا، وهي فكرة طيبة تشجع الأدباء على تقديم الأفضل. فنادرا ما تجد دار نشر تطبع لشاعر نصوصه مجانا أو بشراكة. - كيف السبيل إلى العودة بالشعر إلى الواجهة من جديد؟ كيف السبيل إلى العودة بالشعر إلى الواجهة، في الحقيقة أن الأفضل العودة بكل الآداب إلى الواجهة وتشجعيها، وذلك من خلال الاهتمام بالأعمال على المستوى المحلي خاصة الجيل الجديد لأنهم أدباء الغد ونخبة المستقبل، وهنا يمكن أن نطرح عملا قمنا به ثم توقفنا عنه بسبب الجائحة، وعدنا إليه مؤخرا وهو ورشات تقنيات الكتابات الأدبية. وأطلقنا مؤخرا شراكة بين بيت الشعر الجزائري بغرداية والمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، من خلال تنظيم ورشات دورية مجانية لفائدة الناشئة للتعرّف على تقنيات مختلف الكتابات الأدبية شعرا قصة ورواية، من خلال استضافة أدباء لعرض تجاربهم وتقديم عروض ونقاش مفتوح حول شروط سلامة كل فن أدبي، ومتطلبات الكتابة فيه وكيف السبيل إلى النجاح ثم آليات النشر والطبع. لكن لكل نشاط تحديات وصعوبات كما له مميزات ونتائج إيجابية، فمن غير المعقول أن توجّه الدعوة لقامة أدبية لاستضافته محليا، ولا تقدم له تكريما يليق به أو تعويضا للسفر كأقل شكر، خاصة لما ترى الناشئة في شوق لرؤيتها والتعرّف عليها. - تم تنصيبك مؤخرا على رأس مكتب بيت الشعر بغرداية، ماذا سيقدم هذا المنبر لشعراء المنطقة خاصة والقافية والقصيد عامة؟ بيت الشعر الجزائري هو فضاء نحاول من خلاله توحيد الأسماء الأدبية في المنطقة، أولا بتقديم التشجيع والدعم للناشئة وتكريم الأسماء الكبيرة ودعمها لأنها تستحق ذلك، وكان لنا شرف تزكية زملاء من كتاب المدينة لنا لرئاسة هذا البيت، عسانا أن نقدم شيئا للثقافة المحلية والوطنية ونسهم بما نستطيع، وقد حاولنا أن يكون أعضاء المكتب من مختلف الفضاءات الأدبية كالشعر الملحون والفصيح باللغة العربية واللغة الميزابية والقصة والرواية، وكما قال الدكتور عاشور فني «فلو كان هناك كاتب لغة الطير سنضمه لصفوف بيت الشعر لأنه يسع الجميع»، وأكيد سنسير على منهج بيت الشعر الجزائري على المستوى الوطني، من خلال تشجيع الطباعة للكتاب المحليين إن شاء الله، ونواصل في اطلاق ورشات الكتابة بمختلف الفنون الأدبية. أما عن البرنامج كما سبق وأخبرتك، فبالإضافة لمختلف الفعاليات الثقافية والمناسبات فنحن نركز على التكوين في المرحلة القادمة إن شاء الله، من خلال إطلاق ورشات لتعليم تقنيات الكتابات الأدبية في الشعر بنوعيه الفصيح والملحون، وباللغتين العربية والميزابية. أول ورشة كانت مساء الثلاثاء 16 مارس الجاري. - حدثنا عن جديد ومشاريع محمد عبد المجيد مبسوط الشاعر؟ في مجال الكتابة أقوم بتحضير الديوان الثالث، إن شاء الله، وانتظر مقالين واحد للبروفيسوراه وآخر للدكتوراه حول ديوان «قد مسني الضر». وكانت رئاسة بيت الشعر فاتحة خير أني توجّت بمسابقة الدكتوراه في تخصص الاقتصاد الدولي لهاته السنة.