رفع الأسعار في مواسم بعينها، وخفضها بطريقة سريعة وتهاوي كبير، يؤكد حقيقة واحدة لا نريد رؤيتها، أو نتعامى عنها، وهي ببساطة: إما حرق جيب المستهلك، أو إفلاس الفلاح.. والأخطر قادم مع «مواطن السيادة» الجديدة.. من يتأمل هذه الصورة بالذات ستنكشف له خيوط تلاعب كبير، تساهم فيه مواقع التواصل الاجتماعي بشكل وافر، يبدأ بتحضير الناس نفسيا لرفع سعر معين، وبطريقة عجيبة تثبت المكروه في مكان المقبول، فتضرب جيوب المستهلكين في مقتل، وبطريقة معكوسة تجري التضحية بمواسم وجهود كاملة من عمل الفلاح، بالترويج للكوسة بعشرة دنانير، و»قتلها في يده» مثلما يقال، بعدما يكون المتلاعبون قد جعلوا من الجزر إلى موز، من علياء 200 دينار للكيلوغرام. من يُريد فهم لعبة رفع أسعار الخضر والفواكه، في الأسواق، عليه متابعة الصفحات المتخصصة في رفع وهدم السلع، في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي صفحات تحرك الرأي العام، على طريقتها، وبعضها مصدر لوسائل الإعلام، التي تنقل عنها في أحايين كثيرة ببغائية، ودون تمحيص، ولا نزول الى الميدان للتأكد من صحة ما يقال وينشر، وهكذا غاب صوت الفلاح في الزحام، وضرب صوت المستهلك إعلاميا، وعُوض الإثنان ب «قالت الصفحة الفلانية في فايسبوك».. وعليه، يصير من نافلة القول إن من يُريد التحكم في أسعار الخضر والفواكه، في الأسواق، عليه تجربة التحكم في هذه الصفحات المتخصصة، ليس من باب التحكم فيما ينشر فيها، بل لفهم آليات عمل رفع وهدم السعر، بعيدا عن قوانين العرض والطلب، التي يعرفها القاصي والداني، لكن قبل نشوء وازدهار مواقع التواصل الاجتماعي، التي نجحت في قلب قواعد كثيرة، في التجارة والاجتماع، وحتى في طريقة توزيع قفة رمضان، بل ونجحت في تقديم المكملات الغذائية على أنها «أدوية»، مع أنها ليست كذلك ومخاطرها أكبر مما يتصوره الحالم ب»مسح الروماتيزم» لمجرد تناول قرص سحري من أقراص المكملات الغذائية، التي تنتشر كلما زاد الترويج لها في صفحات، باتت تصنع ربيعا في جيوب البعض، وخريفا حزينا في حقول الفلاحين، وصيفا حارا في عقول من يفكرون في تغيير «الوضع الجديد»، الذي سيتهيكل أكثر ويفرض على الدول تقنين هذه الفضاءات، حتى لا تفقد «مواطن السيادة الجديدة»..