لا تكاد تمر بضعة أيام دون إعلان عن عقوبات غربية جديدة ضد روسيا، لكن «الرد العكسي» من موسكو هو الذي يبدو «خانقا» على العالم الغربي، سواء على المستوي السياسي أو الاقتصادي. مع طول أمد الحرب وانعكاساتها، تعمل روسيا على إرهاق القيادات الأوروبية والولايات المتحدة، وبالفعل بدأت تظهر النتائج، فقد تواجه أوروبا كارثة إذا لم تنجح في توفير بدائل للغاز قبل الشتاء المقبل، حيث إن الجهود المبذولة في الوقت الراهن لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة. وبعد مرور 5 أشهر على حرب أوكرانيا، فرض الغرب 6 حزم من العقوبات ضد روسيا، وصلت تبعاتها إلى كل أصقاع العالم، ما بين موجة تضخم كبرى وتغيرات سياسية طالت لعنتها قادة وزعماء، بدأت بخسارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أغلبيته في البرلمان، ثم استقالة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ثم استقالة رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي. كما يواجه أضخم اقتصاد في أوروبا أزمة غاز جعلت المستشار الألماني، أولاف شولتز، يصف الحرب بأنها «تهديد غير مسبوق»، سواء على الصعيدين الأمني أو الاقتصادي، وسط آفاق قاتمة على المدى المنظور، ومؤخرا وصلت تداعيات الأزمة إلى إطفاء الأنوار عن المعالم التاريخية للبلد، فيما قطعت السلطات في مدينة هانوفر الماء الساخن عن المباني والمؤسسات العامة، مخفضة درجات الحرارة القصوى للتدفئة كجزء من حملتها لترشيد صرف الطاقة. وفي واشنطن، يعاني الأمريكيون من ارتفاعات غير مسبوقة في كُلفة الوقود والطعام دفعت الرئيس جو بايدن للإفراج عن كميات قياسية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، قدرها مليون برميل يوميا لمدة 6 أشهر، ولكن دون جدوى، ممّا سيشكّل خطرا على الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي بالكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل، بينما يسعون للحفاظ على أغلبيتهم بمجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وهو أمر قد يكون مستحيلا في ظل شعبية تتهاوى وأوضاع اقتصادية تزداد سوءا. تأثير عكسي المحلّل الاقتصادي الإيطالي، جورج آدموند، قال إنّ روسيا كانت تعلم أن هناك عقوبات مرتقبة حال إقدامها على أي عمل عسكري في أوكرانيا كما حدث سابقا في جورجيا 2008 والقرم عام 2014، ولذلك استعدت جيدا عبر محاور عديدة بينها احتياطات كبيرة وإبقاء الإنفاق الحكومي تحت السيطرة والرهان على التأثير العكسي للعقوبات ودعم الحلفاء. وأضاف آدموند، أنّ العقوبات دائما ما تكون لها ثغرات، وهو ما حدث في 2014 فإذا نظرنا لتأثير العقوبات آنذاك، فنجد أنها لم يكن لها تداعيات تذكر على موسكو، وهو الأمر نفسه حاليا. وأوضح أنّ أوجه الهشاشة القائمة في الهيكل الاقتصادي والمالي للعالم تعني أن هذه العقوبات يمكن أن تسبب تداعيات سياسية ومادية خطيرة على الاقتصاد العالمي ككل وليس روسيا وحدها، فالآثار غير المباشرة تسبّبت بالفعل في اضطرابات في أسواق السلع الأساسية الدولية، وارتفاع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي. بدوره، قال المحلل السياسي البريطاني، سيمون جنكينز، إنّ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ارتدت في صدر الدول الأوروبية.