من حوادث إلى إرهاب إلى مجازر، تحوّلت طرقاتنا إلى مسرح يشهد يوميا سقوط ضحايا بالعشرات وجرحى ومعاقين بالآلاف، في صورة مأساوية مؤلمة، تسيل دموع من فقدوا أحباءهم في حوادث مميتة قد تصل خسارتهم الى هلاك جميع أفراد الأسرة، أرقام مهولة للوفيات والإصابات في حوادث تقع على مدار الساعة، استدعت مناقشة مجلس الوزراء، أمس، ملف أمن الطرقات للحد من المجازر المرورية. بلغة الأرقام تسجّل الجزائر سنويا 3600 ضحية، 25 ألف جريح وما يفوق عن 2000 معاق سنويا وخسائر قدرت ب 100 مليار دينار. في السياق أكّد مختصّون ل «الشعب» ضرورة تفعيل رخصة السياقة بالتنقيط، واستحداث آليات مراقبة تقنية، وكذا مراجعة بعض قوانين المرور من طرف المختصين القانونيين، وإعادة النظر في تكوين السائقين الجدد من خلال اعتماد الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، الى جانب عرضهم على أطباء ونفسانيين قبل منحهم شهادة السياقة، خاصة أن أصحاب رخصة السياقة الاختبارية يمثلون 50 بالمائة من نسبة حوادث المرور. أولوية وطنية كشف رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية وإمن الطرقات. علي شقيان. في اتصال مع «الشعب»، إن إحصائيات المندوبية الوطنية للأمن في الطرق أو لدى القطاعات الأمنية من درك وأمن وطني وحماية مدنية، سجّلت ما يفوق من 3600 ضحية سنويا، و25 ألف جريح وما يفوق عن 2000 معاق سنويا، بالإضافة الى خسائر معتبرة تقدر ب 100مليار دينار سنويا هي بشرية اجتماعية واقتصادية، كاشفا في الوقت نفسه أن نهاية شهر جويلية وشهر اوت فقط سجّلت أكثر من 240 ضحية، معتبرا المجازر الأخيرة الأكثر دموية. ومن أجل مرافقة مجهودات الدولة الرامية للتقليل من حوادث المرور، أكّد شقيان أن الاكاديمية قدمت مجموعة من المقترحات، فبالإضافة الى كل الحملات التحسيسية التي تطلقها على مدار السنة بالتنسيق مع القطاعات المعنية، تقترح اعتبار إرهاب الطرقات أولوية وطنية وتصنيفها كواحدة من الأخطار الكبرى، إلى جانب تنصيب مجلس وطني مشترك تشاوري موسع ومستقل تابع لرئاسة الجمهورية، يرأسه وزير منتدب مكلف بالأمن المروري. ويضم المجلس ممثلين عن كل القطاعات الوزارية والأمنية وكل الفاعلين من مجتمع مدني، خبراء وأكاديميين ودكاترة للوقوف على السياسة الوطنية للسلامة المرورية على اعتبار أنها أولوية وطنية، وكذا تفعيل تمثيل مكانة المجتمع المدني في المندوبية الوطنية للأمن في الطرق بوزارة الداخلية كعضو فاعل ما بين القطاعات المشاركة على المستوى الوطني والمحلي. الى جانب العمل على وضع منصة رقمية للإحصائيات حوادث المرور في الجزائر، تحتوي قاعدة بيانات ليستفيد منها كل المختصين في الأمن المروري، وأخيرا طلب تنظيم يوم برلماني لمناقشة الظاهرة، والوقوف على مراجعة بعض قوانين المرور من طرف المختصين القانونيين، منها القانون المتعلق بقانون المرور 17/05، والتي لم يتم تطبيقها في الميدان، وكذا إعادة النظر في القوانين الخاصة بالمخالفين من أجل تشديد الإجراءات الصارمة ضد السلوك الإجرامي في السياقة، خاصة بالنسبة لسواق النقل الجماعي والبضائع. وفي مناقشته لأسباب حوادث المرور، اعتبر شقيان العامل البشري أهمها لغياب الثقافة المرورية ونقص الوعي، وعدم احترام قانون المرور لدى السائقين والمواطنين على حد سواء، مؤكدا أن نسبة كبيرة من الشباب المتحصلين على رخصة السياقة الاختبارية، ما يعني ان المُكَوَّنين الجدد يمثلون نسبة 50 بالمائة من حوادث المرور. هذه الحقيقة تستدعي - حسبه - التعجيل بإعادة النظر في منظومة التكوين بإدخال وسائل التكنولوجيا العصرية، وتكوين المكونين وفق برنامج بيداغوجي تطبيقي وتقني، وتشجيع مدارس تعليم السياقة على تطوير منظومة التعليم والتكوين بما يسمى المدارس الذكية، وكذا العمل على تحديد عدد الدورات في السنة بالنسبة للامتحانات والمسابقات، مع ضرورة إشراك الأطباء والنفسانيين في الامتحانات. كما اقترح إنشاء ديوان وطني للامتحانات والمسابقات يضم كل القطاعات الوزارية والأمنية الفعالة، وبحضور ملاحظين من الأسرة الإعلامية يعتمد العمل على وسائل التكنولوجيا، وبأرضية وطنية لإضفاء شفافية أكبر على العملية، وإعطاء مصداقية للشهادة، وإعادة النظر في آلية المسابقات ومنح شهادة الكفاءة المهنية، وكذا إعادة النظر في تكوين المكونين. وإلى ذلك، إنشاء البطاقية الوطنية للمخالفات وقاعدة بيانات للبطاقية الوطنية لرخص السياقة والبطاقية الوطنية للبطاقة الرمادية، في إطار الإجراءات المتخذة من طرف وزارة الداخلية لعصرنة القطاع، ما يستوجب العمل برخصة السياقة بالتنقيط لما لها من فوائد في شقها البيداغوجي، حيث تعمد دائما في حالة ارتكاب مخالفات وسحب النقاط إلى إعادة التكوين والرسكلة لاستعادة النقاط، واكتساب ثقافة مرورية، مع وجوب العمل بالسائق المرافق في المسافات الطويلة والخطوط الطويلة بالنسبة للحافلات، وإيجاد آلية رقابية مشتركة وإعادة النظر في قانون العقوبات للمخالفين. تفعيل آليات المراقبة أما فيما يتعلق بالأسباب المرتبطة بالمركبة، أكّد المتحدّث ضرورة تفعيل المنشور الوزاري المتعلق بتثبيت جهاز مراقبة وتسجيل السرعة في الحافلات ومركبات الوزن الثقيل، لما له من دور في المراقبة البعدية للسائق. وتوقّف عند أهمية تجديد الحظيرة الوطنية للحافلات لوجود 2000 حافلة سنها ما بين 20 و25 سنة، واقتناء حافلات محلية الصنع ذات جودة فهناك مؤسسات وطنية تصنع حافلات مطابقة للمعايير وذات جودة، مشددا على عدم استيراد الحافلات الجديدة غير مطابقة لمعايير السلامة، خاصة وأن الحوادث كشفت عن نوع واحد من الحافلات يكون دائما سببا في الحوادث. وأكّد ضرورة إدخال ربط آلي، ورقمنة أجهزة الوكالة الوطنية للمراقبة التقنية للسيارات لتجنب تدخل العامل البشري في الفحص التقني لشفافية أكبر في منح شهادة صلاحية السير، وشهادة المراقبة التقنية للسيارات. كما أرجع حوادث المرور إلى قطع غيار مغشوشة مقلدة، لذلك أبرز أهمية منع استيراد السيارات وقطع الغيار غير المطابقة لمعايير السلامة المرورية، الى جانب إنشاء مراكز ومخابر خاصة بتكوين المهندسين في مجال الرقابة في قطع الغيار، وتزويد المركبات خاصة في المؤسسات الخاصة بنظام مراقبة والمتابعة عن بعد، إلى جانب العامل البشري، المركبات، يوجد عامل ثالث يتمثل في وضعية الطرقات. وكشف شقيان أنّ تردي حالة الطرقات يعد أيضا سببا في حوادث المرور، ما يستدعي تفعيل اللجان الولائية للوقاية من حوادث المرور، مؤكدا ضرورة إزالة النقاط السوداء التي تتسبب في حوادث متكررة، الى جانب فتح مراكز لمراقبة الحمولة الزائدة عبر مختلف الطرقات، وكذا تثبيت كاميرات ورادارات رقمية، مع إعادة تأهيل إشارات المرور وعصرنتها بلوحات إلكترونية وشاشات، وتوفير أماكن الراحة في الطرقات. قناة إعلامية مرورية أما فيما يتعلق بقانون العقوبات، اقترح المتحدث تشديد الإجراءات القانونية على المخالفين لتصل الى تعليق الرخصة، الى جانب إعادة النظر في العقوبات على المخالفين من طرف وزارة النقل، وكذا سن قوانين تعاقب الأولياء الذين يسمحون للأطفال القصر بسياقة سياراتهم ودراجاتهم النارية. دون إغفال أهمية التحسيس، أكّد شقيان ضرورة توعية المجتمع حول أخطار حوادث المرور عن طريق الاستثمار في العنصر البشري ليكون الوسيط الأساسي في المعادلة الأمنية، من خلال تعريف المواطن بمسؤوليته في الحد من الظاهرة بجعله يساهم في التبليغ عن مخالفات السائقين، ولن نتمكن من ذلك إلا باعتماد آليات جديدة لتحسيس الشباب والاستثمار فيهم على اعتبار أنهم أكبر شريحة مستهدفة. وأعطى في حديثه الى «الشعب» أهمية كبيرة لإشراك الجامعة في استراتيجية الوقاية والحماية من الحوادث المرور، من خلال عقد اتفاقية شراكة معها من أجل تكثيف المخابر الخاصة بالأمن المروري والاستفادة منها عن طريق دراسة اكاديمية محكمة. في الإطار نفسه، شرح أهمية إطلاق قناة إعلامية مرورية تعمل على توعية المواطن مرافقته في الطرقات، بالإضافة إلى إدراج التربية المرورية في المناهج التربوية في قطاع التربية في الجزائر. الرّخصة بالتّنقيط ضرورة ربط الخبير الدولي في السلامة المرورية الدكتور امحمد كواش، سبب ارتفاع حوادث المرور في الآونة الأخيرة، بعودة الحركية الاجتماعية والاقتصادية الى طبيعتها بعد سنتين من الجائحة، فإجراءات الغلق والحد من التنقلات والنشاطات أدى إلى نوع من الكبت على المستوى الأفراد والمجتمع، لذلك سجلنا انخفاضا ملحوظا في حوادث المرور في السنتين الماضيتين. فالعودة الى النشاط العادي والتنقل الكبير للمواطنين في موسم الاصطياف، وعدم الالتزام بالقانون المرور وغياب الثقافة المرورية لدى الأفراد، بالإضافة الى السياقة لمسافات طويلة، كلها عوامل ساهمت في ارتفاع حوادث المرور، كما تزامن هذا الارتفاع مع فترة الذروة لحوادث المرور المرتبط بفصل الصيف، فنحن اليوم نعيش تقاطع ذروتين ذروة الدخول المدرسي والاجتماعي وذروة فصل الصيف. في الوقت نفسه، قال إنّ حوادث المرور ازدادت بشكل رهيب، فقد انتقلنا من إرهاب الطرقات الى مجازر الطرقات، واليوم نتحدث عن الإبادة المرورية، حيث شاهدنا وفاة أسر كاملة في حادث واحد، لاجتماعها في نفس المركبة بسبب طبيعة النقلات في هذا الموسم سواء لزيارة الأهل والأقارب أو المشاركة في مواكب الزفاف، وعكس حادث منطقة «مسعد» بولاية الجلفة يوم الجمعة الماضي، الذي راح ضحيته 11 شخصا من عائلة واحدة بمثابة صورة واضحة عن الإبادة الأسرية في الطرقات. إلغاء سحب الرّخص ليس سببا نفى الخبير أن يكون إلغاء قانون سحب ورفع رخصة السياقة سببا في تنامي الظاهرة، لأن السبب متعلق بذروة حوادث المرور، وأيضا تساهل الجهات الأمنية بسبب الوضع الوبائي، ما اعتبره سببا في رفع احتمالية وقوع حوادث المرور، وقد لمسنا تهورا كبيرا في الطرقات، بالإضافة الى أن الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي شجّع الكثير من السائقين على التهور سواء بالنسبة لسائقي الحافلات أو سائقي الوزن الثقيل. وعن الحلول المقترحة، أكّد كواش أنّ مشروع رفع العقوبات والغرامات الجزافية لن تؤتي ثمارها في الأيام المقبلة، فمن الضروري العمل على عاملين أساسيين هما الجانب الردعي المباشر والجانب التوعوي، الى جانب الاستثمار في العامل البشري من خلال إنشاء وتربية جيل يلتزم بتطبيق القانون، حيث يراه الحل المناسب والجذري للظاهرة. في ذات السياق، طالب بتفعيل رخصة السياقة بالتنقيط على اعتبار انّه أسلوب بيداغوجي، ردعي ترصدي، لأنّه يترصد السائقين المخالفين الذي يكررون المخالفات، وأيضا تربوي بيداغوجي لأنه يمكِّن السائق من استرجاع نقاطه في حالة التزامه بشروط السلامة المرورية، وعدم القيام بأي مخالفات أخرى، الى جانب سماحه بالتزام السائق المخالف بالقانون إذا ما بقيت له نقاط قليلة. «حان الأوان لمراجعة منظومة رخصة السياقة في الجزائر بالنسبة لشهادة التكوين والشهادة الطبية الممنوحة، وبالنسبة للسواق المحترفين يجب مراجعة القوانين المتعلقة بمهنة سائقي الحافلات والوزن الثقيل والمركبات، والتعامل بصرامة مع سائقي الدراجات النارية بمختلف أنواعها، دون أن ننسى نقطة مهمة جدا هي الانتقال الى مرحلة الصرامة في تطبيق القانون، وتفعيل القوانين السابقة، فهناك قوانين خاصة بالسلامة المرورية موجودة في قانون المرور في الجزائر لا تطبق بحذافيرها، ما ساهم في ارتفاع حالة الاستهتار واللامبالاة وحوادث المرور في الآونة الأخيرة». وعن أهم الأسباب، شرح الخبير أنّ السرعة المفرطة، التجاوز الخطير، المناورات الخطيرة، والسياقة الليلية في حالة تعب شديد، الى جانب استعمال الهاتف النقال أثناء السياقة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي ك «الفايسبوك»، وحتى الأجهزة الالكترونية الموجودة في المركبات تعد أحد أسباب حوادث المرور، السياقة للمسافات طويلة ونصف طويلة. أما في الشق المتعلق بالمركبات، أوضح أن عدم صيانة المركبات خاصة الشاحنات والحافلات التي تعاني من مشاكل تقنية، في مقدمتها عدم صيانة المكابح، الفرملة ونظام التوازن وكذلك الأنظمة الالكترونية والميكانيكية الخاصة بالمركبات، تسبب بشكل كبير جدا في رفع حوادث المرور، خاصة وسط فئة الشاحنات والحافلات.