الالتحاق بمقاعد الدراسة لأول مرة في الجزائر، مرتبط بتقاليد وعادات تمثل في جوهرها الأهمية البالغة والمكانة الرفيعة التي يحتلها العلم وطالبه في مجتمعٍ لم يتخلّ عن «القلم» حتى في أحلك فترات الاستعمار، ومن هذه التقاليد إعداد «الخفاف» و»البغرير» و»الطمينة» و»البراج»، وهي أطباق تتفنن الأمهات في تحضيرها، لتسجيل بصمة اليوم وترسيخ ذِكراه في نفوس أطفالها الذين يضعون أول خطوة على طريق المثابرة والجد والنجاح. اخترنا في «الشعب» أن نقترب من الأمهات، لنسألهن عن عاداتهن في أول يوم للدخول المدرسي فوجدنا آراء تتنوع وتختلف، لكنها تجمع على أمنية واحدة، هي النجاح وبلوغ أعلى المستويات والمراتب في رحلة العلم والتعلم. تفاؤل وإيجابية «لا يمكن دخول أحد أبنائي إلى المدرسة لأول مرة، دون تحضير «الخفاف»، وتوزيعه على أفراد العائلة والجيران»، هكذا وصفت دليلة صواليلي، ربة بيت وأم لثلاثة أبناء أصغرهم مقبل على اجتياز شهادة البكالوريا هذه السنة، حيث أصرّت على ضرورة إعطاء الطفل صورة إيجابية عن المدرسة من خلال تلك العادات التي تعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها المجتمع للتعليم، لذلك تفتح العائلة الجزائرية مشوار طفلها الدراسي بأطباق حلوة، وملابس جديدة تفاؤلا بأن يكون مسارا ناجحا ومتميزا. وعبرت دليلة عن سعادتها الغامرة وهي تحضر ابنها للالتحاق بالمدرسة، حيث تبدأ استعداداتها بشراء المئزر والمحفظة وبعض المستلزمات المدرسية، بالإضافة الى أخذ صور فوتوغرافية لطفلها للاحتفاظ بذكرى اليوم الأول لطفلها في المدرسة، خاصة وأن طفلها»نزيم»، هو أول من يلتحق بالدراسة بين أطفالها الأربعة، لذلك استدعت والدتها الى البيت حتى تحضر الخفاف بالزبيب والشربات، ليتناولها قبل خروجه من المنزل برفقة عائلته، وقد حرص والده أيضا على مرافقته الى الابتدائية التي خصت تلاميذ السنة الأولى باستقبال حار، وسمحت لأولياء أمورهم بالدخول معهم الى الأقسام، ووزعت عليهم المديرة حلويات وعصائر كنوع من الترحيب بالأطفال الصغار، مقدمة لهم ولنا تمنياتها بالنجاح والتوفيق، دون ان تنسى حثهم على الجد والاجتهاد. أما سميرة فحرصت على إعطاء طفلها دعما نفسيا قبل التحاقه بالمدرسة من خلال شرحها المستمر لضرورة التعلم والاجتهاد، وأن الالتحاق بالمدرسة بمثابة شهادة يمحنها المجتمع للطفل بأنه أصبح أكثر نضجا، لذلك يحمله مسؤولية التعلم والانتقال الى محيط جديد هو المدرسة بعيدا عن العائلة ودلالها. وقالت سميرة إنها حضرت الطمينة والبراج لطفلها في اليوم الأول من الدراسة، تفاؤلا بسنة دراسية حلوة، كما أهدت جيرانها منها للدعاء له بالتوفيق والنجاح، خاصة وانه مرتبط بها كثيرا بعد وفاة والده شهر جوان الماضي.. واقع تراه سميرة عبئا ثقيلا عليها، في زمن تلاشت فيه الروابط الأسرية وتفككت. ولم تخرج عقيلة بن زادة عن هذا السياق، حيث أكدت ان « بغرير الحافر» هو أهم ما يجده المرء على طاولة فطور الصباح في أول يوم للطفل في المدرسة، وتحرص أمها على النهوض باكرا لتحضيره من مكونات بسيطة هي سميد ناعم وملح وماء دافئ، وهو نوع مختلف من البغرير، لأن ثقوبه لا تظهر من فوق، فهو يثقب من الداخل، مؤكدة ان والدتها أو جدة ابنها تعجنه وهي تردد دعوات النجاح والتوفيق والذكر حتى يبارك الله لحفيدها في مشواره الدراسي. وقالت محدثتنا، إن أغرب ما يثير اهتمامها في عمليه تحضيره وطهيه، هو منع أي شخص عن المرور أمام «الطاجين»، أو الوقوف بقربه حتى تنجح الوصفة، وبعد الانتهاء من العملية، تحضر الشربات لتقدّمه لأفراد العائلة وتلميذ السنة الأولى، لترافقه بعد ذلك الى المدرسة وكأنه عريس بين أقرانه. انتقال سلس وسهل يؤكد المختصون ان هذه العادات المتجذرة في المجتمع هي بمثابة تحضير ودعم نفسي للطفل قبل التحاقه بالمدرسة، وهي خطوة مهمة لتحبيب الدراسة الى نفسه تساعد في انفصاله عن محيطه العائلي تجعل من انتقاله الى محيطه الجديد سلسلا وسهلا. ويواجه كثير من التلاميذ في سنتهم الأولى الابتدائية العديد من الصعوبات التي ستكون عائقا حقيقيا يجب أن تتعامل معها العائلة أو المدرسة في الوقت المناسب، ولن يستثنى في هذا حتى الأطفال الذين استفادوا من التعليم التحضيري في رياض الأطفال أو المدارس القرآنية. وبعد البكاء والتمنع ورفض الذهاب الى المدرسة والتيه داخل القسم، أهم المظاهر العاكسة للحالة النفسية التي يعيشها الطفل بعد التحاقه بمقاعد الدراسة لأوّل مرة، ووجوده القصري بالنسبة له في مرحلة ومحيط جديدين مختلفين عن حياته السابقة. ويربط النفسانيون خصوصية هذه المرحلة بانفصال الطفل أو التلميذ في السنة الأولى عن أسرته وعائلته، ويخلق داخلهم شعورا بالغربة والخوف، وأيضا الصعوبة التي يجدها الطفل في التأقلم عندما يجد نفسه في وسط لا يعرف عنه شيء، الى جانب إلزامه بنظام داخلي صارم لم يتعوّد عليه. وينصح المختصون، لتجاوز هذه العقبات، بتهيئة الطفل نفسيا واجتماعيا في عائلته ومحيطه البيداغوجي حتى يتمكن من تقبل تواجده فيه، من خلال استعمال أساليب التشويق والترغيب في الدراسة، الى جانب تشجيعهم وتعزيز الشعور داخلهم بأنهم ينتقلون الى مرحلة تجعل منهم كبارا يتحملون مسؤولية الدراسة والانضباط.