دخلت رئيسة الوزراء البريطانية «ليز تراس «التاريخ السياسي لبلادها من أوسع أبوابه، كأقصر مدة تقضيها رئيسة وزراء في منصبها، حيث لم تنجح في الحفاظ عليه سوى 45 يوما قبل أن تعلن تقديم استقالتها أمس الأول، ويتبخر حلم «المرأة الحديدية» الذي راودها لسنوات. تعيش بريطانيا حالة من الفوضى العارمة، بعد التغييرات الدراماتيكية في رؤساء الحكومات والوزراء في ظرف شهرين فقط، وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية، وغياب الاستقرار السياسي، وإصرار حزب المحافظين على البقاء في السلطة ورفض تنظيم انتخابات عامة قد تعيد رسم المشهد السياسي البريطاني. حزب المحافظين في دوّامة دخل حزب المحافظين في دوامة من الصراعات والاستقالات وسط خشية كبيرة من خسارة شعبيته في صفوف البريطانيين، وهو ما يجعله يتجنب سيناريو الانتخابات المبكرة التي ستمنح حزب العمال المعارض أغلبية مريحة تنقله للحكم. ومباشرة بعد إعلان ليز تراس تقديم استقالتها من زعامة حزب المحافظين، بدأت التكهنات حول الأسماء المرشحة لخلافتها، وهذه المرة ستتم عملية اختيار رئيس الوزراء في غضون أسبوع حسبما أعلن غراهام باردي رئيس «لجنة 1922» المكلفة بتنظيم استقبال طلبات الترشح لزعامة المحافظين وإعلان الفائز منها. أما عن الأسماء المرشحة فهي نفسها تقريبا التي تنافست على خلافة بوريس جونسون، وفي مقدمها وزير الدفاع بن والاس، والذي يحظى باحترام كبير داخل حزبه وعلى الصعيد الشعبي بفضل ما قام به من تحديث للجيش البريطاني، ورفع ميزانية الدفاع وتزويد أوكرانيا بالأسلحة. ورغم إعلانه في أكثر من مناسبة أنه لا يطمح لمنصب رئاسة الوزراء فإن ضغوطا تمارس عليه داخل حزب المحافظين وتطالبه بالترشح للمنصب. جونسون يسعى للعودة أمّا المرشح المفاجأة فهو بوريس جونسون، حيث أعلن ستيفن سوينفورد محرر الشؤون السياسية في صحيفة «تايمز» البريطانية أن جونسون يخطط بالفعل لإعلان ترشحه والعودة لرئاسة الوزراء، «وذلك خدمةً للصالح العام» حسب ما تم تسريبه للإعلام. وهناك مستشار الخزانة ريشي سوناك، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الوصول لرئاسة الوزراء، وأظهرت الأيام الماضية أنه كان على حق عندما أعلن أن الوعود الاقتصادية التي قدمتها ليز تراس «غير واقعية». وتذهب الكثير من التحليلات لترشيح سوناك ليكون رجل المرحلة بالنظر لخلفيته الاقتصادية، وهي الخبرة التي تحتاجها البلاد في هذه الظروف العصيبة. أما المرشح الرابع فهو وزير الخزانة الحالي جيرمي هانت، والذي يحظى باحترام وشعبية واسعة داخل حزب المحافظين، لولا أن خطته الاقتصادية القائمة على التقشف قد لا تكون مغرية على الصعيد الحزبي والشعبي. وتبقى بيني موردونت زعيمة المحافظين في البرلمان، من الأسماء الحاضرة وبقوة للمنافسة على هذا المنصب، إلا أن كثيرين يقولون إن المناصب التي سبق وشغلتها تجعلها غير قادرة على التعامل مع هذه الأزمة السياسية. كيف سيتم اختيار خليفة تراس؟ بإعلان رئيس «لجنة 1922» أن اختيار زعيم جديد لحزب المحافظين سيتم خلال أسبوع، فهذا يعني أن بريطانيا لن تشهد حملة انتخابية كما حدث لاختيار خليفة بوريس جونسون. وتذهب بعض الترجيحات إلى أن يتم تكرار سيناريو سنة 2003؛ عندما تم الاقتصار على مرشحيْن اثنين، وبعد انسحاب أحدهما لصالح منافسه مايكل هوارد، بقي الأخير المرشح الوحيد وتم اختياره زعيما لحزب المحافظين. ومن المتوقع أن تطلب «لجنة 1922» الإبقاء على المرشحين الذي يحصلون على دعم 50 نائبا من المحافظين لتسريع الانتخابات. في حين يستبعد الكثيرون أن يتم التوافق بين قادة المحافظين على مرشح واحد دون الحاجة لخوض انتخابات، بالنظر لحجم الانقسامات داخل الحزب. مخاوف من الانتخابات المبكّرة مباشرة بعد إعلان ليز تراس استقالتها، تصدّر وسم «انتخابات عامة» التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي في عموم بريطانيا. وتشكّل الدعوة لانتخابات مبكرة مطلبا لحزب العمال البريطاني، وكذلك للحزب الوطني الأسكتلندي الذي يقود للحكومة في أسكتلندا. ويعلم حزب المحافظين أن سيناريو الانتخابات المبكرة يصب في صالح حزب العمال، الذي تمنحه كل استطلاعات الرأي الأغلبية في أي انتخابات يتم إجراؤها في الأسابيع المقبلة. ويبقى الخيار الوحيد أمام حزب العمال، هو إقناع العشرات من حزب المحافظين بالوقوف ضد حكومة حزبهم والتصويت لصالح مقترح سحب الثقة من الحكومة، حينها يمكن إسقاط الحكومة، وبعدها يعلن الملك تشارلز الثالث حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة. وقد يدفع الضغط الشعبي أيضا للدعوة لانتخابات مبكرة خصوصا مع دعوات للتظاهر ضد المحافظين. وقد يفضل بعض نواب حزب المحافظين إجراء انتخابات عامة في الوقت الحالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعبيتهم ولوقف استمرار حالة الضياع التي يعيشها الحزب، والتي لا تزيد سوى في مفاقمة الدعم لحزب العمال.