يدلي التونسيون، اليوم السبت، بأصواتهم في انتخابات برلمانية تعتبر الرابعة منذ 2011 والخطوة الأخيرة لإرساء مشروع بناء جمهورية جديدة، بعد تعليق عمل البرلمان ثم حلّه وحل الحكومة وإجراء استفتاء على الدستور الجديد في 25 جويلية الماضي. حول الحدث الانتخابي التاريخي في تونس، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، على هامش افتتاح المركز الإعلامي الخاص بالانتخابات البرلمانية، إن عدد الناخبين التونسيين بلغ 9 ملايين وهو أكبر رقم مسجل منذ 2011. وأوضح بوعسكر، أن الرقم يمثل التونسيين الذي بلغوا سن التصويت أي 18 سنة، مشيرا إلى أنه تم تسجيل ربع الناخبين آليا ضمانا لمشاركة واسعة للتونسيين، فيما يتوزع المسجلون على 50,8٪ نساء و49,8٪ رجال. كما دعا التونسيين إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم في مجلس نواب الشعب الجديد. تحضيرات وإجراءات من جهة أخرى، أكد بوعسكر أنه "إثر مصادقة الشعب التونسي على الدستور، أقبلت تونس على تركيز المؤسسات الدستورية ومنها المؤسسة التشريعية التي سيتم تركيزها إثر إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية". وشدّد على أن الهيئة انطلقت مباشرة بعد الاستفتاء في العمل الدؤوب للتحضير للانتخابات التشريعية على جميع المحاور، لافتا إلى أنه ضمانا لشفافية العملية الانتخابية منحت الهيئة أكثر من 5000 بطاقة اعتماد لجمعيات ومنظمات ووسائل إعلام أجنبية ووطنية. وعن انطلاق الانتخابات خارج البلاد، قال إنه تم تسجيل صفر ترشح في 7 دوائر انتخابية من بين 10، فيما تقدم مرشح وحيد بالدوائر الثلاث المتبقيّة، ما يعني فوزه آليّا بمقعد في البرلمان المرتقب، حسب القانون الانتخابي. واعتبر أن الانتخابات التشريعية التي جرت بالخارج في ثلاث دوائر، كانت الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد، معتبرا أنها بمثابة الاختبار والتحدّي للهيئة خاصة باعتبار الظرف الزمني الوجيز والمحدّد ب3 أشهر. وبلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين بالخارج نحو 348876 ناخباً، موزعين على 47 دولة. ويتكون البرلمان الجديد من 161 نائبا ويحلّ محل البرلمان الذي جمّد الرئيس قيس سعيّد أعماله في 25 جويلية 2021 ثم حلّه لاحقا، للإفلات من وضع طغى عليه الفساد والفوضى السياسية. ويتنافس ألف و58 مرشحا على 161 مقعدا بمجلس النواب، في 161 دائرة انتخابية، بينهم 120 امرأة فقط. ووفق خبراء فإن ما يميز هذه الانتخابات، هو أنّ معظم المشاركين فيها من المستقلين، إضافة إلى أحزاب "لينتصر الشعب" (يضم شخصيات وحزب التيار الشعبي)، وحركة الشعب (قومية)، وحراك 25 جويلية، وحركة "تونس إلى الأمام". ومن المقرر أن يتم الإعلان عن تركيبة البرلمان المقبل في 20 مارس المقبل. على درب الجمهورية الجديدة على هامش مشاركته في القمة الأفريقية- الأمريكية في واشنطن، دافع الرئيس التونسي قيس سعيّد عن إجراءاته التي اتخذها منذ جويلية 2021 والتي بدأها بتعليق عمل البرلمان. وقال سعيد، "أينما ذهبت كان التونسيون يطالبون بحل البرلمان الذي انتهى الأمر بحله، لأن البلاد كانت على شفا حرب أهلية"، مضيفا "لذلك لم يكن لدي خيار آخر لإنقاذ الشعب التونسي". وكان الرئيس التونسي، استجابة للمطالب الشعبية وتماشيا مع بنود الدستور، أعلن جملة إجراءات قبل نحو عام ونصف، لتصحيح الاختلالات وتجاوز التجاذبات التي أدخلت البلاد في أزمة سياسية، ومن جمل هذه الإجراءات، إعلانه تعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوما، ثم إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير استثنائية في حال "خطر داهم مهدد لكيان الوطن". وفي 29 سبتمبر 2021، كلف الرئيس سعيد الجامعية والمتخصصة في الجيولوجيا نجلاء بودن (63 عاما) بتشكيل حكومة في أسرع وقت. وكانت بودن أول امرأة على رأس السلطة التنفيذية في تاريخ البلد الرائد في مجال حقوق وحريات المرأة. كما حلّ البرلمان نهائيا في 30 مارس 2022 كرد فعل على تنظيمه جلسة افتراضية، ثم عيّن أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد على رأس لجنة مهمتها إعداد "دستور للجمهورية الجديدة". وفي 25 جويلية الماضي، تمّ تنظيم الاستفتاء الذي أقرّ الدستور الجديد، وفي 15 سبتمبر 2022 أصدر سعيّد قانون الانتخابات الجديد، وتقرّر التصويت على البرلمان في 17 ديسمبر أي اليوم. تمسّك بالسيادة وبقيم الحرية قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، إن بلاده "متمسكة بسياتها واستقلالية قرارها الوطني ومتشبثة بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان". جاء ذلك خلال لقائه السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ونائبه السيناتور الجمهوري جيمس ريتش، في واشنطن، نهاية الأسبوع الماضي. ووفق بيان أصدرته الرئاسة التونسية، الخميس، أكد سعيد "انفتاح تونس على الحوار والتشاور مع الشركاء والأصدقاء في إطار الاحترام المتبادل". كما أطلع سعيّد المسؤولين الأمريكيين على "حقيقة الأوضاع في تونس، على خلاف ما يعمد إلى بثه البعض من صورة مشوّهة تسيء لها ولخيارات شعبها التي عبّر عنها منذ شهر جويلية 2021". وذكّر "بالخطوات التي تم قطعها بدعم شعبي واسع"، وأشار إلى أن "تونس مقبلة على تنظيم انتخابات تشريعية في احترام تام للموعد المحدد لها سلفا". وخلال اللقاء، تطرّق سعيّد إلى "التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تونس نتيجة خيارات سابقة ووضع إقليمي ودوليّ متغير". ولفت إلى الجهود المبذولة "لقطع دابر الفساد وتطهير القضاء وتوفير أسباب الحياة الكريمة التي يستحقها الشعب التونسي". وجاء هذا اللقاء في إطار زيارة سعيّد إلى الولاياتالمتحدة، حيث شارك في القمة الأمريكية- الإفريقية.