ربط الجامعة بسوق الشغل حتى تكون قاطرة في بناء اقتصاد قوي إطلاق أقطاب امتياز واستراتيجية متدرّجة لدمج اللغة الإنجليزية منذ تسلّمه السلطة، أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن المرتكزات والمحاور الأساسية لإصلاح قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إضافة للخدمات الجامعية في التزامه ال41، مشدّدا على أن الجزائر تراهن عليه ليلعب دورا رائدا في بناء الجمهورية الجديدة، ومؤكدا في خطاب تنصيبه «على أن المشكل في الجامعة ليس فقط في طبيعة النظام المعتمد سواء كان «كلاسيكي» أو «أل.أم.دي»، بل لابد من تطوير البرامج للارتقاء بمستوى المتخرجين، ولابد من ربط الجامعة بسوق الشغل، حتى تكون قاطرة في بناء اقتصاد قوي سواء في مجالات الاقتصاد التقليدي أو المعرفي». وقد انطلقت الإصلاحات بشكل حثيث، وعرفت حركية أكبر مؤخرا، بتجسيد رؤية ربط الجامعة بسوق الشغل من خلال تكريس الجامعة كحاضنة أمّ للمؤسسات الناشئة، ووسيط فعّال مع المؤسسات الاقتصادية لتقديم خدمات الاستشارة وتطوير قدرات التشغيل ووضع قيد التجسيد المخطّط التوجيهي للرقمنة، فضلا عن انخراط الجامعة كقاطرة مجتمعية تنسق مع جميع القطاعات من خلال تكريس اتفاقيات ثنائية لتعزيز الروابط وتفعيلها وتكريس الجامعة والبحث العلمي كفاعل جوهري في مختلف الانشغالات والقضايا الوطنية الملحة. رهان على جامعة جديدة ومنتجة تولي الجزائر أهمية غير مسبوقة لقطاع التعليم العالي، وفق رؤية تجديدية تسعى لربط التعليم العالي والبحث العلمي بالاقتصاد، حيث أكدت السلطات العليا بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في عديد مجالس الوزراء على طرح مقاربة جديدة للتعليم العالي تتأسس على إستراتيجية الابتكار وإنتاج الثروة وتكون مندمجة مع متطلبات الاقتصاد، بحيث تقود الجامعة قاطرة الإصلاح المنشود في رؤية الجزائر الجديدة. ووفق خطاب له بعد إعلان فوزه في ديسمبر 2019، دعا الرئيس تبون إلى «إعادة الجامعة لمكانتها الرائدة لصناعة القرار الاقتصادي والسياسي، وأن تكون هي القاطرة لقيادة كل تطوّر ونمو». ووفق هذا التوجّه انطلقت ورشات إصلاح التّعليم العالي والبحث العلمي، من خلال ديناميكية متسارعة بموجب مخطط تنفيذي شامل أطلقه وزير التعليم العالي والبحث العلمي البروفيسور كمال بداري، منذ تعيينه على رأس القطاع، حيث اشتغل على الرؤية التجديدية التي تتمحور حول سبع قواعد جوهرية تنطلق من التعليم، البحث العلمي، الابتكار، خلق الثروة، التشغيل، تجويد التكوين بغية الوصول إلى إنجاز الأهداف الاستراتيجية التي وجهه إليها رئيس الجمهورية. إضافة إلى تطوير تنافسية التعليم والبحث العلمي للمساهمة في مجالات التنمية الاقتصادية، وإنجاز أهداف البرنامج الحكومي الاستراتيجي المسطّر. بالمقابل، يسعى القطاع إلى ترقية الحياة الجامعية، والظروف المعيشية للطلبة، وفتح سبل الحوار الدائم والبناء الذي يشمل مختلف أفراد الجامعة والبحث العلمي، إضافة لربط الجالية الجزائرية في الخارج عبر البحث والمعرفة ومدّ الجسور لبناء الاقتصاد الوطني، مع تطوير إدارة الجامعة ونموذج الحوكمة الأكاديمي في تسيير قضايا القطاع، بغية الوصول إلى تحقيق رؤية ثلاثية من خلال تجويد التكوين وترقية مستوى التعليم، وتركيز البحث العلمي وتفعيل دوره المجتمعي لإنتاج الثروة وتوفير بيئة حاضنة لإنشاء المؤسسات الناشئة. نحو تعليم عال وفق رؤية اقتصادية وفي سياق التحوّل الاقتصادي المتسارع الذي تمرّ به الجزائر، جاءت دعوة رئيس الجمهورية إلى ضرورة إيلاء التخصّصات العلمية والتكنولوجية الأهمية الأكبر، بحكم دورها البارز في الإنتاج الاقتصادي وتحقيق الثروة، حيث جرى إطلاق اقطاب امتياز تمثلت في مدرسة عليا للذكاء الاصطناعي، ومدرسة عليا للرياضيات، وهما اللتان تدخلان سنتهما الثانية، ويتم قبول أفضل الطلبة للدراسة بهما، وفق برنامج عصري يعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أولى للتدريس. وفي إطار استراتيجية الجزائر لتحقيق الأمن الغذائي الذي يعد من مرتكزات برنامج رئيس الجمهورية، تم انجاز ثلاث مدارس عليا للفلاحة بكل من ولايات أدرار، الوادي وورقلة، بغية تحقيق الأمن الغذائي وتطوير القطاع الفلاحي بالجنوب، حيث تمّ وفق هذا المخطّط إيلاء الفلاحة الصحراوية الأهمية القصوى عبر تأسيس ديوان الفلاحة الصحراوية واستصلاح ملايين الهكتارات وتطوير الزراعة الصناعية. وفي توجّه فريد من نوعه بإفريقيا، أطلقت الجزائر مدرسة عليا موجّهة للصم والبكم، لتكوين وتدريب أساتذة محترفين ومتخصصين في التعليم الثانوي لفائدة قطاع التربية الوطنية وقطاعات أخرى، وفق الطلب، لتقديم تعليم نوعي ومكيف لذوي الاحتياجات والقدرات الخاصة، وقد جاءت المدرسة بعد توجيه مشدّد من طرف رئيس الجمهورية «بضرورة إنشاء مدرسة وطنية عليا لتكوين الأساتذة المختصين في تعليم الصم والبكم، مع العمل على تطويرها لتصبح لاحقا مؤسسة ذات بعد افريقي وعربي». وتحضر الجزائر لمسايرة التحولات التقنية والعلمية الفائقة عبر إطلاق مدارس عليا جديدة في تكنولوجيا الأنظمة المسيرة (الدرون) والروبوتيك وغيرها من التخصّصات التقنية والعلمية قيد الدراسة، والتي من شأنها أن تمكن الاقتصاد الوطني من مواكبة التحولات العلمية والتكنولوجية الفائقة دوليا. تطوير الابتكار والمؤسسات الناشئة وبحكم أن الابتكار هو قاطرة أي تحوّل اقتصادي، تعكف الجامعة على تنفيذ تشريع جديد يتجسّد وفق إصلاحات نوعية تفتح للطلبة والباحثين من مخترعين ومبدعين إمكانية تحويل أفكارهم ومذكرات تخرجهم إلى مشاريع مؤسسات ناشئة، تحت يافطة مشروع طالب «خمس نجوم»، وبعد اعتماد الفكرة وتسليم براءة اختراع، يحصل صاحبها مباشرة على تمويل وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، فيما تكون الجامعة طرفا حاضنا، ووسيطا داعما بتوفير التكوين والتأهيل والتأطير الذي رصدت له وزارة التعليم العالي مكافأة ب10 ملايين سنتيم، مع إمكانية الاشراف على طالبين لكل أستاذ، من خلال توفير فضاء للمؤسسات الناشئة في منشأة مختلف جامعات الوطن، بحيث بدأ رصد وتجسيد المقرات في عديد الجامعات. بالمقابل، أطرت وزارة التعليم العالي هذا التوجّه من خلال تأسيس لجنة وطنية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية، تساوقا مع استراتيجية القطاع الجديدة، في إطار رؤية «أضلاع المربع السحري» التي تسعى لتكوين جيل ذا روح ورؤية رائد أعمال وصاحب مشروع، من خلال مشروع «شهادة جامعية – مؤسسة ناشئة» و»شهادة براءة اختراع»، والتي تأتي وفق رؤية تكوين جديد يزرع فكر ريادة الأعمال والمؤسسات الإبداعية، ونماذج جديدة من الأعمال والتجارة المدمجة بأحدث التقنيات، وهو ما يتيح للجامعة الانفتاح على المحيط الاجتماعي والاقتصادي، وكشفت إحصائيات وزارة التعليم العالي من خلال تصريح البروفيسور أحمد مير رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية، عن تسجيل أزيد من 4 آلاف فكرة مشروع مبتكر و200 براءة اختراع. وبحكم تصدر اللغة الإنجليزية مجالات البحث العلمي والتعليم والابتكار في العالم، وبغية مواكبة التحولات العلمية والبحثية، تمّ إطلاق استراتيجية متدرّجة لدمج اللغة الإنجليزية في التعليم والبحث العلمي، لتكوين الأساتذة والطلبة في هاته اللغة الحية. ومن أجل تمكين الأساتذة والباحثين من التسجيل وتعلم هاته اللغة فتحت الوصاية إمكانية التسجيل في تخصّص الإنجليزية طور «ليسانس» للأساتذة الراغبين في التمكن منها من أجل تدريس مقاييس بالإنجليزية مستقبلا، كما تمّ تشجيع الطلبة على الالتحاق بالمراكز المكثفة للغات من أجل تحسين مستواهم، وفق استراتيجية تهدف إلى توفير وتطوير البحث العلمي بالإنجليزية من أجل تبريز وتعزيز مرئية الجامعات الجزائرية بإزاء الجامعات الدولية وترقية ترتيبها من خلال تطوير أليات الظهور في محركات البحث العلمية والأكاديمية. أقطاب امتياز وجامعات عالمية في الأفق من جانب آخر، تعمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تنفيذ الرؤية رقم 1 من التزام رئيس الجمهورية رقم 41 الوارد في برنامجه الانتخابي، المتمثل في «تطوير أقطاب الامتياز في تخصّصات معينة بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية بما يتماشى والتطوّر العالمي للتقنيات والحرف وبما يلبي حاجيات الاقتصاد الوطني»، من خلال صياغة أقطاب امتياز مكونة من مجموعة جامعات تطرح نماذج تكوين تندمج مع المتطلبات المجتمعية والاقتصادية، وتقدّم مستقبلا شهادات اكاديمية تحت صفة «اقطاب الامتياز» بحيث من شأن هذا المخطّط أن يلبي طموحات التوجه الاقتصادي، حسب الوضع الجغرافي ومتطلباته. وفي هذا الصدد، شرعت الوصاية في دراسة مخطط توحيد ميادين التعليم العالي، لتحقيق مستوى أفضل في توجيه الطلبة، وتمّ توجيه الدعوة إلى الباحثين والأساتذة ومسؤولي الميادين في مختلف مؤسسات التعليم العالي للمساهمة في وضع الرؤية المناسبة لجمع ودمج الميادين العلمية والتخصّصات الاكاديمية، لتوفير خيارات أوسع للطلبة لتجسيد مسار علمي موجّه بشكل أنسب. وتعمل الدولة على تكريس الانفتاح على المحيط الجامعي الدولي ذي المعايير العلمية العالية، في إطار تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية التي أمر بها خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 19 ديسمبر 2021، والتي أمر فيها الوصاية بضرورة إعداد نصوص تنظيمية تجسد إصلاحات في إطار هذا المنحى عبر إنشاء جامعة دولية بالشراكة مع مؤسسات التكوين العالي الأجنبية، مع السعي إلى هيكلة الجامعة والمؤسسات البحثية والخدماتية في شكل «مدينة جامعية». وجاء هذا الخيار من أجل توسيع سبل التبادل العلمي مع مختلف الجامعات الدولية والاجنبية التي ضلت علاقة الجامعات الجزائرية معها تقتصر فقط على اتفاقيات تبادل وتعاون. مخطّط توجيهي لرقمنة التعليم العالي ويراهن الرئيس تبون على الرقمنة، كي تكون أداة فاعلة، فعلية ومحكمة في الحياة الأكاديمية، وتمنحها ما يمكّن لها في الواقع الاقتصادي، حيث جرى تسطير مخطّط توجيهي للرقمنة يتضمن إثني عشر رهانا وسبع محاور، ويمتد لغاية عام 2025. وفق هدف أساسي يتمثل في الرفع من مستوى استخدام الرقمنة والوسائل التكنولوجية لتجسيد الإصلاحات المنشودة في إطار «الجزائر الجديدة» من خلال تكوين المستخدمين وعصرنة المصادر، والوصول إلى مستوى تكوين مرئي والارتقاء لتجسيد بيداغوجيا مبتكرة، إضافة لتمكين الطالب من الرقمنة في نشاطات البحث، إضافة لتوفير الرقمنة كدعامة للهياكل القاعدية، وتجسيد إدارة رقمية حديثة، مع رقمنة العلاقات الوطنية والدولية. ويأتي توجّه الرقمنة الذي أسس له الرئيس تبون أول مرة بالقمة العربية المنعقدة بالجزائر، ليكون نموذجا حقيقيا، ويهدف في حاضنة التعليم العالي، في شقه الأول، إلى مرافقة تكوين الأساتذة، أما في شقه الثاني فيتمثل في رقمنة تقديم عرض تكوين علمي منسجم، يتأسس على ترقية مرئية وجاذبية وانسجام عرض التكوين، أما في شقه الثالث فيتأسس على جعل الرقمنة دعامة لتحقيق نجاح الطالب، بحيث يضمّ برنامجين لتحسين كلا من البيداغوجيا ونجاح الطالب، ويرتكز الشق الرابع على جعل الرقمنة في خدمة نشاطات البحث من خلال ربط البحث العلمي بالرقمنة، بينما يمثل الشق الخامس في رقمنة الهياكل القاعدية، ويرتكز الشق السادس حول دمج الرقمنة كدعامة لإدارة معاصرة، من خلال تطوير كل ما يخصّ الإشراف والتمدرس والمواد البشرية والإمكانات وتدعيم أدوات الاتصال وتبادل وتقاسم المعطيات والمعلومات، ويخص الشق السابع رقمنة العلاقات الوطنية والدولية، من خلال ثلاثة برامج موجهة للمرئية والانفتاح الوطني والدولي، والتعاون الدولي، وعصرنة المجتمع.