أكّدت القاصة والأستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس، غزلان هاشمي في حوار مع “الشعب" بأنّ القصة القصيرة في الجزائر استطاعت أن تؤسّس نموذجا متميزا مؤخرا، وذلك باعتمادها معيارية متفاوتة وزمن بوح تتعدد فيه الممكنات اللغوية وتتجاور فيه العوالم الإبداعية، مشيرة إلى أنّ القاص الجزائري في الوقت الراهن تواجهه تحديات مختلفة على المستوى الواقعي والإبداعي، إذ أنّ الانجازية المستمرة تقول تفترض توسيع أطر التواصل والتفاعل، وهذا غالبا ما يفتقد في عصرنا.. * الشعب: كيف تقيمين واقع القصة القصيرة في الجزائر؟ ❊❊ عزلان الهاشمي: استطاعت القصة القصيرة في الجزائر أن تؤسس نموذجا متميزا مؤخرا، وذلك باعتمادها معيارية متفاوتة وزمن بوح تتعدد فيه الممكنات اللغوية وتتجاور فيه العوالم الإبداعية، حيث الاختلاق السردي المؤسس على المواربة والتلميح هروبا من سلطة النص القبلي أفرزت تنويعات مختلفة، وحيث الحوارية سمة هذه النصوص الأساسية، هذا كله جعل زمن الإبداع القصصي يتحرر من قيود الرقابة المعيارية الثابتة ويتخطى كل جاهزية مطلقة. وقد أدى انقسام الواقع الثقافي الجزائري بين عدة تخريجات حتى لا نقول تيارات لكون التيار يفترض الإمساك بزمام المبادرة والإنتاج الأولى لتتبعه التراكمية المثلية وهذا بعيد عن الواقع العربي عامة والجزائري خاصة إلى إضفاء رغبة تنافسية عمّقت الإحساس بالمغايرة وهذا ساعد على التسريع من عملية النضج، وإن بدت بعض التجارب بعيدة عن الموضعية الإبداعية لاعتمادها في الاختلاق السردي على سمة التسطيح والتبسيط. * يقال بأنّ القصة القصيرة نوع إبداعي ينفرد عن الرواية، وقد تمكّن قصاصون من إنجاز لغة خاصة بالقصة، فأين مكمن الاختلاف بين هذين النوعين، وما هي مميزات هذه اللغة؟ ❊❊ مؤكد أنّ لكل جنس خصائصه النوعية التي تجعله مختلفا عن الأجناس الأخرى، وإلاّ لما كان داعي التفرقة منطقيا في حجته، فالتسمية في حد ذاتها تنطوي على التمايز وتلمح إلى بعض اعتباراته، كما أنّ البنية المركزية في القصة القصيرة ليست هي ذاتها في الرواية، وهذا ما يؤسس منطق المغايرة، فالامتداد الذي يعتمد في الزمن الروائي يسهم في إيجاد اختلافات لغوية تزاوج بين التبسيط والتوسيع، حيث يعمد الروائي في منجزه إلى لغة انسيابية تستوعب عدة أجناسية مختلفة، وهذا ما يجعلها لغة حوارية بالدرجة الأولى تبتعد عن التنميط والأحادية، أما القصة القصيرة آنيا فبناؤها السردي مختلف تماما عما هو عليه في الرواية، حيث التسريع والاختزال في الزمن القصصي أدى إلى التعويل على لغة مكثفة وذلك بالتقليص من زمن الحوار، هذا ما يجعلها منفتحة على احتمالات متعددة، تتجاور فيها الممكنات، فهي لغة مربكة ومرتبكة بهروبها من المعيارية الواضحة، قلقة مفارقة مركزة مشفرة ومرمزة ترميزا مقلقا للقارئ ومثيرا لانفعالاته، إذ تكاد تنعدم فيها مفاتيح الوصول إلى المعنى النهائي، وإن بدت كذلك في الرواية فهي بدرجة أخف، إذ الامتداد في الزمن الروائي يتيح للمبدع التعديل من المنظور اللغوي والاتجاه به نحو مزيد تأكيد، وذلك بتعويم اللغة بدلائل محيطة باللغة المرمزة، تسير بالقارئ في اتجاه الوضوح، ومن هنا نقول أنّ الهوية اللغوية في القصة القصيرة آنيا أكثر التباسا منها في الرواية. * في 2010 تأسّست رابطة وطنية للقصة القصيرة في الجزائر، من أدباء وأساتذة جامعيين، فما الذي قدمته في نظرك هذه الرابطة للقاص الجزائري، وما هي الرهانات التي ترفعها لأجل النهوض بالقصة، هذا إن كنت على اطلاع بها، ولم يتم تأسيسها من قبل قلة قليلة من القاصين دون علم آخرين، كما يحدث في كثير من الأحيان؟ ❊❊ أنشئت هذه الرابطة من قبل مبدعين وأساتذة منهم القاص المبدع علاوة كوسة والأستاذة المبدعة جميلة طالباوي والأستاذ المبدع بن ساعد قلولي وغيرهم من الأسماء على هامش الملتقى الأدبي الأول حول القصة القصيرة المنعقدة في سطيف، وبتزكية أكاديمية، حيث كانت الدعوة واضحة إلى لفت الانتباه إلى هذا الجنس الأدبي تأليفا ونقدا ومساءلة، وكانت تحمل رهان التغيير من موضعيتها، لكن ما لاحظناه هو خفوت هذه الدعوة آنيا إذ لم نسمع بمنجزات واقعية وملموسة، ولم تتعد الدعوة صيغة شعار غير مطبق كما هو الحال مع كل الدعوات السابقة، وعلى افتراض وجود منجز فإنّ انحصاره بين الفئات المنشئة وعدم انتشار أعماله وبياناته التأسيسية بصيغتها القانونية تجعل من الحديث عن هذه الرابطة من قبيل الطوباويات الحالمة. * يشير بعض المهتمين إلى أنّ القصة في العالم العربي والجزائر خصوصا مهددة بالانقراض في ظل الاهتمام الواسع بالرواية والشعر، ما قولكم؟ ❊❊ القول بذلك فيه نوع من المغالاة، فصحيح أنّ الرواية شهدت انتشارا واسعا مؤخرا نظرا لمضامينها المختلفة، ونظرا لاعتمادها على زمن سردي مطول يمكن من الإحاطة بالموضوع المطروح واستيعاب عناصره، ومعرفة أبعاده وتموضعاته بالنظر إلى السياق المنتج، وصحيح أنّ الشعر استعاد مركزيته التي غيبها تعاليه عن الزمن الواقعي وغيبتها الرواية في المدة السابقة، حينما لامس هموم المتلقي والظروف المحيطة به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واستوعب الأذواق جميعها على اختلافها واسترجع إمكانه المفقود بتمثل كل راهن معاش، إلا أن القصة القصيرة حافظت على صفة الحضور وإن بدا بدرجة أقل مما كانت عليه سابقا إذ نوعية المتلقي في عصرنا الحاضر والذي صار يبحث عن وعي إبداعي يعتمد التقليص أو التقليل من الثرثرة اللغوية، أو الفكرة اللماحة المكتفية بذاتها والمناسبة لعصر السرعة نظرا لتوسع دائرة اهتماماته، أسهمت في الترويج إلى القصة القصيرة والاهتمام بها، وربما انتشارها الواسع في المجلات الالكترونية والجرائد الورقية والمنتديات وغيرها أكبر دليل على هذا الانتشار وهذا الاهتمام. * كما أنّ هناك من يريد أن يجعلها تحت مجهر النقاد، على اعتبار أن القصة القصيرة لا تحضى باهتمامهم؟ ❊❊ الحقيقة التي يجب أن تقال: إن المسايرة النقدية غائبة وتكاد تكون منعدمة، سواء تعلق الأمر بالشعر أم الرواية أم القصة القصيرة وغيرها، حيث يتجه الخطاب النقدي إلى استجماع العناصر التنظيرية والاهتمام بالمناهج النقدية مساءلة وترجمة وتأليفا، بينما تغيب فيه العناصر التطبيقية إلا في حالات قليلة وربما تقع مسؤولية هذا التقصير على المبدع والناقد معا، فالناقد أصيب بالكسل العلمي نظرا لانحصار الاهتمام بمنجزاته بين الدوائر الأكاديمية فقط، حيث يحس نفسه ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه على النص وعلى مبدعه، كما أنّه يجد عمله ينتشر بشكل أقل مما هو عليه انتشار المنجز الأدبي ذاته لاعتماده على لغة متخصصة ومصطلحات علمية ومنهجية لا تثير اهتمام القارئ الباحث عن المتعة، وأما المبدع فيتعالى بمنجزه إلى حد التأليه، لذلك فهو يترفّع على النقد وعلى الإنصات لصوت يهدي إليه عيوبه عله يصلحها. * ما هي التحديات التي تواجه القاص الجزائري في الوقت الراهن؟ ❊❊ تواجه القاص الجزائري تحديات مختلفة على المستوى الواقعي والإبداعي، إذ الانجازية المستمرة تفترض توسيع أطر التواصل والتفاعل، وهذا غالبا ما يفتقد في عصرنا، حيث المقروئية تراجعت بشكل كبير، كما أنّ نوعية المتلقي واختلاف الأذواق يصعب من عملية الاحتواء، من هنا يجد القاص نفسه أمام اختبار اختياري أو انتقائي، من أجل الوصول إلى صيغة إبداعية سواء على مستوى الموضوع أم اللغة ترضي جميع الأذواق أو أكثرها، إضافة إلى أن القاص يصطدم بسياسة الإقصاء والتهميش من قبل الهيئات الثقافية الرسمية، هذا ما يجعله أمام تحدي الحضور والإقناع، من أجل الحصول على موضعية محترمة. كما لا ننسى أنّ الظروف الاجتماعية والمادية تسهم بشكل كبير في تعويق المسار الإبداعي، حيث يلجأ القاص هنا للنشر الالكتروني حتى يرى نصه النور لأن فيه نوع من الاستسهال ولا يحتاج إلى نفوذ أو ماديات، وهذا الأمر بالرغم من أنّه يسهم في انتشار عمله إلا أنه يحبط مساره الإبداعي وذلك بغرس إحساس الانتقاص والدونية داخله بسبب تجاهل دور النشر والمجلات والجرائد الورقية له.