تتويجا للمسار الإصلاحي الذي أطلقه الرئيس التونسي قيس سعيّد في جويلية 2021، يستعد المبنى التاريخي لمقر البرلمان في جهة باردو لاستقبال نوابه الجدد منتصف مارس المقبل، بعد استكمال البتّ في كافة الطعون وإعلان النتائج النهائية. أفضت النتائج الأولية إلى صعود 154 نائبا من إجمالي 161، فيما لم يتقدم أي مترشح في سبع دوائر انتخابية بالخارج لعدم استيفاء الشروط المطلوبة ومن بينها جمع 400 تزكية من الناخبين، كما يشترط ذلك القانون الانتخابي الجديد. ويتعين انتظار ما سيقرّره البرلمان المقبل بشأن المقاعد الشاغرة، إمّا اللجوء إلى انتخابات جزئية لاستكمال العدد أو اتخاذ حلول أخرى قانونية. ورغم إصرار البعض على الوقوف عند تدني نسبة المشاركة للتشكيك في شرعية المجلس النيابي الجديد، إلاّ أنّ كثيرين يؤكّدون بأنّ البرلمان المنتخب سيؤكّد شرعيته بالانجاز وهو ما يهمّ التونسيين، الانجاز في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وإحداث تغيير حقيقي على الأرض تحتاجه تونس للتغلب على التحديات التي تواجهها، ولتوضع الأمور في السكة الصحيحة. أولويات وتحدّيات تعد الانتخابات البرلمانية آخر محطة من خريطة طريق شاملة كان قد أقرها الرئيس التونسي في عام 2021 للخروج من انسداد سياسي كاد يعصف بمؤسسات الدولة، وخلال هذه الفترة دعا سعيّد إلى استشارة وطنية تستهدف استكشاف آراء التونسيين في شأن القضايا الحساسة والخلافية، ومن ثم حوار وطني، قبل أن يتم سن دستور جديد وإقراره عبر استفتاء شعبي جرى في 25 جويلية وصولاً إلى الاستحقاق البرلماني. ويرى نواب منتخبون، أنّ الأولويات المطروحة حاليا تتمثل في وضع نظام داخلي للبرلمان يتماشى مع الدستور الجديد، إذ يجب أن يكون في هذا النظام مدونة سلوك وأخلاقيات برلمانية بما يحدد علاقة النائب بزملائه وبأعضاء الحكومة وبوسائل الإعلام ثم تصرف النائب في مناقشة القوانين بما يجعل للنواب ضوابط أخلاقية». وأضافوا «أن المراسيم التي وضعها الرئيس يجب المصادقة عليها لتصبح قوانين بعد مناقشتها والتصويت عليها، وفي مقدمتها القانون الانتخابي. و»على المدى القصير لا يوجد عمل تشريعي فقط، بل مراقبة العمل الحكومي، إذ يجب وضع محكمة دستورية، ثم على المدى المتوسط لا بد من تركيز المجلس على تطوير التشريعات الاجتماعية والاقتصادية في حزمة من القوانين». إنقاذ الاقتصاد في السياق، قالت النائبة في البرلمان الجديد فاطمة مسدي، إن «أولويات البرلمان المقبل من المؤكد سيتم إقرارها بشكل جماعي فور تنصيبه في وقت لاحق». وأضافت فور الإعلان عن فوزها في محافظة صفاقس (جنوب) المعروفة بثقلها الاقتصادي «هناك أولويتان، بحسب رأيي، لبرلماننا الجديد، أولاها إقرار حزمة من التشريعات التي سيتم التداول فيها، والأولوية الثانية تتمثل في الوضع الاقتصادي الذي يحتم تشريعات لدفع عجلته وتحديد بعض الإجراءات التي قد تكون في موازنة تكميلية». من جانبه، قال المحلل السياسي هشام الحاجي أن «الأولويات اليوم هي اقتصادية بامتياز».