الفصل في الخلافات بين السلطات الدستورية والحصانة صدر النظام المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية، في الجريدة الرسمية، والمتضمن إجراءات الرقابة مطابقة القوانين والمعاهدات، إلى جانب صلاحياتها في مجال الخلافات بين المؤسسات الدستورية وتفسير الأحكام، وكذا تدابير رفع الحصانة البرلمانية. أنهت المحكمة الدستورية، تكييف الجوانب التنظيمية والقانونية مع الدستور، وباتت جاهزة للممارسة الكاملة لكل الاختصاصات الدستورية المنوطة بها، منذ صدور النظام المحدد لقواعد عملها في العدد الأخير للجريدة الرسمية المؤرخ في 22 جانفي 2023. واستحدث دستور نوفمبر 2020، المحكمة الدستورية، لتحل محل المجلس الدستوري، بصلاحيات تنظيمية وقضائية أوسع وذات صيغة تنفيذية صارمة جدا، ولعل أبرز الاختصاصات الجديدة المسندة لهذه الهيئة الرقابية، الفصل في النزاعات التي قد تنشأ بين المؤسسات الدستورية. ويحدد الباب الثاني لنظام العمل «قواعد عمل المحكمة الدستورية في مجال الخلافات بين السلطات الدستورية وتفسير الأحكام الدستورية». وجاء في المادة 14 بأن تفصل المحكمة «بموجب قرار، بعد التحقيق في الخلاف في أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ إخطارها». ويخوّل الدستور في مادته 192، لرئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الأمة، أو رئيس المجلس الشعبي الوطني، أو الوزير الأول، أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، إخطار الهيئة بشأن الخلافات التي قد تحدث بين السّلطات الدّستوريّة. ويمكن إخطارها أيضا من قبل 40 نائبا أو 25 عضوا في مجلس الأمة. ويمنح النص لرئيس الجمهورية، صلاحية «طلب تخفيض آجال الفصل في الخلافات بين السلطات الدستورية وتفسير الأحكام الدستورية إلى 10 أيام في حالة وجود طارئ». وتتداول المحكمة الدستورية، في حالة إخطارها حول تفسير أو حكم أو عدة أحكام دستورية، في جلسة مغلقة بحضور أعضائها فقط، وتصدر «رأيا» في غضون ثلاثين يوما من تاريخ الإخطار. ومن الآن فصاعدا، لن تبقى المحكمة الدستورية في موقف المتفرج، في حالة نشوب خلاف بين السلطات الدستورية (التشريعية، القضائية أو التنفيذية)، ما يحول دون وقوع قبضة حديدية تعطل استمرارية عمل المؤسسات، حتى وإن كان الدستور الحالي يوفر مبدأ التعايش والتوازن ما بين السلطات الثلاثة. النظام المحدد لقواعد المحكمة الدستورية، يزيل وبشكل نهائي احتمالات نشوب صراع أو مقاومة ما بين المؤسسات الدستورية في عديد المواضيع، كالقوانين أو مسألة الحصانة البرلمانية بين وزارة العدل أو القضاء والبرلمان. وفي السياق، تنص المادة 96 على أن تخطر المحكمة الدستورية برسالة معللة من قبل جهات الإخطار «بشأن رفع حصانة عضو البرلمان من عدمها، إذا كان هذا العضو محل متابعة قضائية عن أعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانية ولم يتنازل عن حصانته». وتعتمد المحكمة مبدأ التحقيق والمداولة لحسم أمر رفع الحصانة من عدمها، «إذ يعيّن رئيسها، من بين الأعضاء مقررا أو أكثر للتحري في الموضوع وتحرير تقرير ومشروع قرار، تليه جلسة سماع العضو المعني لتتم المداولة والفصل (المادة 97). ويحسم قرار رفع الحصانة بغالبية الأعضاء الحاضرين، ويصدر قرارا يبلغ «للجهة المخطرة حسب الحالة». هذه الصلاحيات الجديدة، التي جاء بها دستور 2020، تعالج اختلالات وثغرات، سبق وطرحت نفسها كواقع معيش في مرحلة جد حساسة من تاريخ الجزائر وتحديدا سنة 2019، ولجأ المجلس الدستوري يومها، إلى ممارسة تفسير الأحكام الدستورية وبالأخص المادة 104 للدستور السابق لتنظيم انتخابات 12 ديسمبر 2019، دون الإخلال بالمسار الدستوري لتجاوز شغور منصب رئيس الجمهورية. في المقابل، يحدد نظام عمل المحكمة الدستورية، الإجراءات المتعلقة بممارسة رقابة مطابقة القوانين العضوية والنظام الداخلي لغرفتي البرلمان، والدفع بعدم دستورية، ورقابة دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ويحدد النص قواعد عمل الهيئة في مجمل العمليات الانتخابية وإعلان النتائج النهائية، إلى جانب الحالات الخاصة كالمانع أو حالة وفاة أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية، وإبداء الرأي في اتفاقيات الهدنة أو معاهدات السلم وتمديد عهدة البرلمان في حالة الظروف الخطيرة.