الحلول التكنولوجية هل تكبح «القاتل الصامت»؟! انخرطت هيئات وإدارات جزائرية، في تنفيذ مخطّط استعجالي لمجابهة خطر الاختناقات بالغاز، الذي أخذ منحى تصاعديا منذ شهر جانفي المنصرم، بتسجيل أثقل حصيلة (54 ضحية) مقابل 6 ضحايا في نفس الشهر من السنة الماضية، وأطلقت الحكومة جملة من الإجراءات الاستعجالية واستعانت بالحلول التكنولوجية الذكية لحماية أرواح الجزائريين، في حين دعا مختصون وتقنيون ومهنيون إلى تبني حلول جذرية تبدأ باعتماد نظام التهوية في البنايات المنجزة حديثا، وإسناد مهمة تركيب أجهزة التدفئة والتسخين الداخلية بالمجمعات السكنية الجديدة لمؤسسة سونلغاز، بدل المرصصين الهواة الناشطين بدون بطاقات اعتماد. بتاريخ 24 جانفي المنصرم، وجّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعليمات للحكومة، للشروع فورا في تزويد بيوت المواطنين مجانا بأجهزة إنذار (صوتية ومرئية) ضد تسربات غاز أحادي أكسيد الكربون، وكذا فتح مخابر للمراقبة التقنية والنوعية عبر كامل التراب الوطني، تابعة لشركة سونلغاز تختص بمراقبة الأجهزة الكهرومنزلية الأكثر تسببا في الحوادث المنزلية. 22 مليون كاشف ل»مونوكسيد الكربون» بعد صدور بيان مجلس الوزراء وقرار رئيس الجمهورية بأمر سونلغاز بتزويد المواطنين بكواشف لأحادي أوكسيد الكربون، وبهدف الحدّ من مخاطر الاختناقات بالغاز، اتخذت عدة اجراءات لتزويد المواطنين بهذه الكواشف يقول الناطق الرسمي لمجمع «سونلغاز» خليل هدنة، في تصريح ل»الشعب». وحسب المتحدث، نظّم المدير العام لمجمع «سونلغاز» لقاءً طارئا مع مسؤولي ورؤساء الوحدات المختصة التابعة للمجمع، نتج عن هذا الاجتماع العديد من القرارات أهمها تسريع تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية، وتحديد طريقة تجسيدها بوضع ميكانيزمات ملائمة، وأشار إلى أن القرار الأول، يتعلق بتوقيع اتفاقية مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (الجامعة الجزائرية) والشركة المختصة في البحث والتطوير لسونلغاز، وذلك لوضع خارطة طريق استعجالية لتصنيع هذا الكاشف من طرف وحدة سونلغاز، على أن تكون دراسة وتطوير المنتج بالتنسيق مع الجامعة الجزائرية. وقدر هدنة احتياجات الجزائر لكواشف أحادي أوكسيد الكربون ب22 مليون كاشف، مشيرا إلى أن الاستراتيجية المعدة من قبل المجمع، حدّدت توفير ربع هذه الكواشف سنتي 2023 و2024، وألزمت صنعه وفق معايير تقنية وجودة عالية، من المعايير التقنية قرّرت تحديد صلاحية الكاشف من 2 إلى 3 سنوات، لذلك سيتمّ صناعته بوحدة التصنيع التابعة لمجمع سونلغاز بالعاصمة، وأعدت ميكانيزمات لكيفية صنع هذا الكاشف وتوزيعه على المواطنين؛ لأن المنزل يمكن أن يكون فيه 3 إلى 4 كواشف، كما تمّ كذلك إطلاق مناقصة وطنية ودولية لتسريع توفير هذا الكاشف بالكمية المطلوبة. الحلول الذكية لحفظ الصحة العامة اعتبر سعيد نميش، باحث بمخبر «ابيلاك» بجامعة سيدي بلعباس، اللجوء لاستخدام الحلول التكنولوجية لمواجهة مخاطر الاختناق بالغاز أحادي الكربون في المنازل بالجزائر «أمرًا مهمًا» للغاية للسلامة والصحة العامة. وأوضح في حديثه ل»الشعب» أن الحلول التكنولوجية يمكن أن توفر أنظمة إنذار مبكر لتنبيه السكان للمستويات الخطيرة من الغازات أحادية الكربون، مثل أول أكسيد الكربون أو الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا لتحديد مستويات الغاز، مما يسمح بالإصلاحات والصيانة في الوقت المناسب، والتي يمكن أن تساعد في منع حوادث الاختناق المتعلقة بالغاز في المستقبل. كما يمكن للحلول التكنولوجية أن تساعد في تحسين السلامة والأمن العامين للمنازل بالجزائر، من خلال توفير قدرات إضافية للمراقبة والاستجابة والانذار المبكر في حالة الطوارئ. وحسب نميش، فإن الاتفاقية الموقعة بين مجمع سونلغاز ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لها أهمية كبيرة لتطوير أجهزة الكشف عن الغازات الأحادية، وإسنادها إلى الباحثين الجزائريين من خلال التوقيع على الاتفاقية، سيسمح بتطوير هذه الأجهزة بطريقة منظمة وآمنة وشفافة، بالإضافة إلى ذلك، فهو يساعد على ضمان إجراء البحوث بما يتماشى مع المعايير الأخلاقية، مما يضمن دقة النتائج وموثوقيتها. علاوة على ذلك، تساعد هذه الاتفاقية أيضا على توفير إطار قانوني لتخصيص الأجهزة للباحثين الجزائريين، مما يسمح بالوصول العادل إليها، والاستخدام المناسب للموارد. بشكل عام، تضمن هذه الاتفاقية تطويرًا ناجحا لأجهزة الكشف وتسمح بتقدّم البحث في الجزائر، كما تُمكّن الباحثين الجزائريين من المساهمة في إيجاد حلول مبتكرة لمختلف المشاكل في البلاد من خلال الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار، من تقليل اعتماد الجزائر على الواردات والخبرة الأجنبية، وبالتالي توفير العملة الصعبة. ويرى نميش أنه من الممكن التحكّم في إنتاج أجهزة الاستشعار أحادية الكربونات في الجزائر، ويمكن للبلد المساهمة في ذلك من خلال اتخاذ خطوات لزيادة قدرتها التنافسية في السوق، ويمكنها القيام بذلك من خلال الاستثمار في التقنيات الجديدة والبحث والتطوير، وخفض التكاليف، وتحسين الوصول إلى التمويل، وتحفيز الابتكار. بالإضافة إلى ذلك، يقول الباحث الجامعي، «يمكن للجزائر أن تقدّم حوافز للشركات التي تنتج أو تستخدم أجهزة استشعار أحادية الكربونات، فضلا عن توفير الموارد لتدريب وتطوير العمالة الماهرة لصنع وصيانة تكنولوجيا الاستشعار. أخيرًا، يمكن للجزائر زيادة ظهورها في السوق العالمية وجذب المزيد من المصنعين للاستفادة من مزاياها التنافسية». وتتمثل الحلول الذكية المقترحة في مستشعر أحادي الكربون ذكي، وهو جهاز إنذار الذكي، يراقب الهواء باستمرار بحثًا عن وجود مونوكسيد الكاربون، ويمكن توصيله بتطبيق على هاتف ذكي أو جهاز آخر. يمكن لهذا الإنذار تنبيه المستخدمين عند اكتشاف القاتل الصامت، ويمكن حتى برمجته لإغلاق إمدادات الغاز تلقائيًا لتقليل مخاطر التسمّم. والحل الذكي الآخر يتمثل في نظام تهويه أوتوماتيكي ذكي، متصل بنظام استشعار، يمكن لنظام التهوية أن يسحب الهواء النقي إلى المنزل، بينما يدفع أيضًا الهواء القديم للخارج، وهذا يقلل من خطر تراكم مونوكسيد الكربون. ثلاثة مخابر لمراقبة المعدات لا ترتبط مخاطر الاختناق بمونوكسيد الكربون بعدم استعمال الكاشف، بل بعوامل أخرى كشفت عنها تقارير مصالح الحماية المدنية إثر تدخلاتها المتفرقة لإنقاذ أرواح المواطنين، ونبّه إليها المختصون والتقنيون والمهنيون في لقاءات تحسيسية، ولعلّ أهمها استعمال أجهزة التدفئة والسخانات ونواقل الغاز المغشوشة خاصة المستوردة منها. وحذّر كمال مغراوي، مسير وحدة «مونديال سبيرال ستيل» المختصة في تصنيع قنوات التكييف والتدفئة الحلزونية الفولاذية وملحقاتها، من أطراف تقوم باستيراد مواد أولية تدخل في صناعة عتاد وأجهزة التسخين والتدفئة برخص مزورة. وقال: «يجب الامتناع عن استيراد المواد الأولية المغشوشة برخص مزورة؛ فهي لا تصلح، وأقل جودة من المادة الأولية المنتجة في الحجار التي لا تضاهيها أي مادة»، مضيفا أن «مركب الحديد والصلب الحجار هو الأول في إفريقيا من ناحية الجودة، ولا أحد ينافسه؛ لأن منتجاته تصنع وفق المعايير العالمية». وخاطب المصنعين: « لاتبحثوا عن الأموال فقط، وبدل استيراد مادة أولية من الدرجة الثالثة لا تستعمل في الدول المصنعة لها، الأولى الاعتماد على المواد المحلية لتحقيق صناعة كهرومنزلية وحديدية نوعية وذات جودة، وقد نجح كثيرون في هذا المسعى». وأكد المتحدث، أن المنافسة يجب أن تكون نزيهة، فالسوق تسع الجميع، لذلك ينبغي العمل على ترقية المنتوج المحلي باستعمال مادة أولية تكون فولاذ 100 بالمائة، ولا يجب أن نستورد مادة تتسبب في مقتل الجزائريين». وختم يقول لبعض المصنعين: «لا تملأوا الخزائن بالأموال والمقابر بالأموات». هذه التحايلات وغيرها من التجاوزات، تقف لها المصالح المختصة بالمرصاد، وسيتم تعزيز فرق الرقابة، بمخابر تقنية أمر رئيس الجمهورية مسؤولي سونلغاز، بفتحها عبر التراب الوطني من أجل مراقبة كافة المعدات التي تكون سببا في انبعاث مونوكسيد الكربون. وقال الناطق الرسمي لمجمع سونلغاز، إن إسناد مسؤولية المراقبة التقنية للمعدات لمجمع سونلغاز من قبل رئيس الجمهورية هو «ثقة» يعتز بها جميع العاملين في المجمع. وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، تقرّر إنشاء - في البداية - ثلاث مخابر للمراقبة التقنية للمعدات التي تكون سببا في انبعاث مونوكسيد الكربون، واختناق المواطنين، بكل من ولايات وهران، الجزائر العاصمة، وسطيف، كعملية استعجالية، ثم تتبع بفتح مخابر أخرى في ولايات بشار، ورقلة، عنابة، ثم تعمّم فتح هذه المخابر على المستوى الوطني.