ثمة حجارة تتنادى، لتعيد البيتَ إلى شبابه .. ما أروع أهل غزّة ! لقد جمعوا النار وألقوا بها في العتمة .. فكان الفجر والعيد . غزّة ؛ لا تجد في الأغاني متّسعاً لترداد الحروف. افعلوا ما تريدون، فلم تتركوا شيئاً نخاف عليه . السيدة العمياء/ العدالة ما زالت عمياء. فاشعلوا أيها السائرون دماءكم لتقودوا الطريق الى الميزان. رغم التربة المالحة .. سنسقي حديقةَ الحُلم أيّ جلَبَةٍ يُحْدِثها صوتُك في الريح ؟ وأيّ برقٍ شقّ قميص النار .. فاندلعَ الرّعب في الأوصال ! مَن أغرى الفَرَس لترقصَ في الليل؟ لقد ظلمونا يا ألله ! الذين ما زالوا في ثياب الحروب الصليبية، والبيانات العنصرية التي ساوت بين القاتل والضحية، والذين يبحثون عن خطأ في شكل موت الضحية، والصامتون أمام المذبحة! إنّهم شركاء أصيلون في المجزرة. فليهنأوا بالعار. إن صدى الصيحات، عادةً ما يتلاشى، إلاّ صيحات الدم، وما تركته الخيانة من ندوب؛ مثل كلمات :(إدانة قتل المدنيين من الجانبين..وضرورة إطلاق سراح المدنيين). لماذا لم يصدروا بياناً "شجاعاً إنسانياً" يدين استهداف آلاف القتلى المدنيين الفلسطينيين، وثمة آلاف الأسرى، واستباحة الأقصى ألف مرّة.. قبل اليوم؟ لا تتمّ الجرائم والفظائع والخيانات الكبيرة إلاّ بمكافآت مُجزية وكبيرة، غير أن الجاه القائم على الظلم كوابيس بشعة، ستبقى تحوّم فوق الخونة، ولن يناموا. حملتني النافذة من الطابق العاشر، بعد أن ألقت الطائرات قنابلها الهائلة الارتجاجية، فخَبزَت العمارة، وطرتُ مع الشرفة، لتحطّني على مسافة بعيدة .. لكن العجاج الأسود، وفوهّة النار والركام المتطاير .. كان قريباً إلى درجة أنني بقيت تحت الرّدم عشرين سنة، أي بعد الحرب الثانية والثالثة والسادسة.. وربما تأتي الحرب القذرة السابعة وأنا أنتظر ! لا أكل، لاكهرباء، لا دواء.. ولا شرب لي غير الغبار .. والبندقية . هي لوحة كولاج أنجزها القَدر وأنزلها لكل المخلوقات، لكن الجنود تاهوا في ألونها، وضاعوا بين مكوّناتها، ولم يجدوا في متاهة الجنّة ما يوصلهم إلى النوم . ثمة وحشٌ منقرض، يستيقظ في جسد حثّيّ، يبدو متماسكاً ببدلته الحديدية وسلاحه المجنون، ويلوّح بسبابته محذّراً الأرضَ من الدوران. إنه يريدها أن تقف أمامه مطأطئة الرأس، عارية الصدر، وتفرد جسدها جسراً لوحوشه اللاهثة، والدم يتدلى خيوطاً غليظة من أشداقها ! هو أبن المسخ، الذي أقْنَعَهُ صمتُ العقود، بأنه أكبر من مكوّنات الخليقة، وأعلى من مآذن الصلاة. إنه بلا أيّ ملمح آدمي، أو كثافة بشرية. وعلى العلماء أن يبدأوا البحث عن مخلوقات مهولة، تلبس أزياء الخرافة، وتنسى بأنها أكثر هشاشة من حرف الهواء، الذي يخرج من بيت النمل الوثنيّ، الذي أخذ شكل أفواهها المعتوهة. لقد ارتفعت شآبيب النار، واحترق الليل تماماً، ليجد القتلةُ رماداً بين أقدامهم المعفّرة بالضياع . غداً ستدلّ العشبةُ الناسَ على المقبرة الغامضة، التي دُفن فيها القتلى، وسيكتشفون أن بعضهم ما زال حيّاً، ويئنّ من جراحه المثخنة، وسيحكي القصة من أوّلها. الفرق بيني وبينه ليس شكل الوجه أو الاختلاف على الختان، بل إصراره على أن يكون سيّداً على حُطام الضحايا ،بدعوى مفضوحة وحقيرة؛ وهي أنّ له حقوقاً. عفواً، أو أنه إله ! المخلوق الآلي، المصنوع الموضوع، المُوَجَّه عن بُعْد، والمُغلَّف بالفولاذ، والمشبوك بآلاف الأسلاك والأزرار، ما زال يطاردني ..."الروبوت" الحديدي المسخ، نبت على ساعديه المصقولين لحمٌ وشَعر، وأصبح له عينان وأنف وفم وأسنان، وصار بإمكانه أن يتمتع بمرونة الأنسان وبرائحته ولفتاته وسَمْته .. غير أنه دون قلب أو مشاعر، وبلا أبٍ أو تاريخ، وليس له غدٌ أو أمل .. قبل النكبة بأيام؛ لقد دخلت العصابات والجنود بالسكاكين والبلطات، فشجّوا رأس أبي، وقطعوا رأس أخي، وبقروا بطن أُمي .. كنتُ متحجّراً كأنني تكلّست و تجَمّدت .. والدم يشخب على الحيطان والأرض .. وخرجوا، بعد أن حرقوا المنزل بمَن فيه ! لا أدري ! هل خرجت أم ذبحوني .. وكنت ُ مع أُسرتي، أم حملني مَلَكٌ ما خارج البيت ؟ وتاه القمر، واصطفّتِ الصنّاجة فوق النجوم ،وترقرقت الحروف على اللّوح الدّرّي، فسقط الرّهام يتغشّى البراعم الزاهية، واكتملت اللوّحة، كما أراد الرسّام . إبْعدْهُم عنّي .. لقد تحوّلوا إلى أفاعٍ وها هم يسيرون نحوي .. إبْعِدهم أرجوك لا ..لا .. آآآخ ..لقد لدغتني تلك المسمومة الرقطاء .. هاتوا لي حبّة برتقال أضعها على ساقي لتمتصّ السمّ .. ما هذه الأصوات ؟ نعم إنها الطوفان ! استعدّوا هيّا واخرجوا .. إلى الغرب .. إلى التيه .. ستقضون غرقاً، وتنفقون كالكلاب الضّالة ! أنتم أحرار بأجسادكم .. والأغاني الهادرة تطرب الحصان، بل المزمار السادر في وَلعِةِ، الذابح، الذي يشقّ الندوب ويعيدها جراحاً بدمٍ يتدفّق مثل الزّهر المنعوف في الأعراس، فيدَبّغ القمصان بالفرح. والدم لا يتخثّر ما دام المزمار فوّاحاً بتلك الجراح المتدفقة المشقوحة، التي يصبّ فوقها ضوءَه الدهريّ، فيشعلها مثل نافورة الورد في الساحات . هذا الليمون بلا سُكّرٍ، كيف أشربه وكل ما في الكؤوس مرارات عيْش، أغصّ بها كُلّما قلتُ ؛عطشان .. عطشان ! لا أرتوي رغم هذي المياه المالحة، ولا أُّحسن الظنّ في أيّ قنديل ليمونةٍ أو شجر .. فأنا طيْنةٌ ظمئت ألف عام وصارت حجراً. . مَن الذي يقول : "حين سكت أهل الحقّ عن الباطل، توَهّم أهلُ الباطل أنّهم على حق ؟ لماذا ؟ أيها القاتل! إنّ العدو الأوّل الذي يجب أن تعرفه هو نفسك ! فَلا تكن عقوبةً لنفسك .. كأنه خسر كلّ شيء؛ هو، ومَن ظلم وخان ..