يعتبر منجم غارا جبيلات بولاية تندوف، من بين المشاريع الضخمة والطموحة التي يعول عليها في تطوير الاقتصاد الوطني، ضمن إطار جديد واستراتيجية فعالة لتعزيز التنمية وطنيا ومحليا، وفق رؤية طموحة، على رأس أولوياتها تنويع القطاع كآلية فعالة للخروج تدريجيا من التبعية للمحروقات. هذا المنجم، الذي يعد من أكبر مناجم الحديد في العالم، أصبح واقعا مجسدا، حيث تم الشروع في المرحلة الأولى من استغلاله في جويلية 2022، أيّ بعد حوالي 71 سنة من اكتشافه، وسيمكن الجزائر من تبوإ الريادة في إفريقيا ويجعلها من بين أهم موردي الحديد عالميا. يهدف هذا المشروع الاستراتيجي - بحسب مسؤولي قطاع الطاقة - إلى تأمين إمداد المصانع الوطنية للحديد والصلب بالمواد الخام، إلى جانب تنمية الجنوب الغربي والمساهمة بشكل كبير في تطوير قطاع التعدين. يعد المشروع مصدرا هاما لمداخيل البلاد خارج المحروقات، ومحركا قويا لوتيرة التنمية محليا ووطنيا، حيث يراهن عليه في إعطاء نفس قوي للتنمية بولاية تندوف، فضلا عن أنه سيفك العزلة عنها من خلال مشروع خط السكك الحديدية لنقل الإنتاج نحو المصانع، الذي يربط تندوف بولاية بشار. مراحل تجسيد المشروع عرف منجم غارا جبيلات، الذي يقع على بعد 170 كلم جنوب غرب مدينة تندوف، محاولات سابقة لاستغلاله، لكن أسبابا عديدة حالت دون تحقيق ذلك، إلى غاية سنة 2022 حيث تم الشروع في المرحلة الأولى من استغلال المنجم الذي تم اكتشافه سنة 1952. ففي 30 مارس 2021 تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين المؤسسة الوطنية للحديد والصلب "فيرال" وائتلاف شركات صينية مشكل من مؤسسات "سي.دابليو.اي" "ام.سي.سي" من أجل استغلال المنجم، وتضمنت المذكرة القيام بالدراسات والأعمال بغرض إطلاق مشروع تطوير رواسب خام الحديد. في 10 سبتمبر 2021، قام وفد من ائتلاف الشركات الصينية بزيارة لغارا جبيلات من أجل بدء الدراسات الخاصة بالمشروع، ومعاينة المنطقة والاطلاع على سبل بعث مشاريع جديدة في إطار استغلال هذا المنجم. وفي 3 أكتوبر 2021، أمر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء، بالإسراع في استكمال إجراءات الإطلاق الفعلي للمشروع، وإنشاء مصنع لصناعة خطوط السكك الحديدية بولاية بشار، لتزويد مشاريع الربط بالسكك الحديدية المتعلقة باستغلال المنجم. وفي 8 ماي 2022 وافق مجلس الوزراء على الانطلاق في المرحلة الأولى من مشروع استغلال المنجم، وتنفيذه ضمن مقاربة مدمجة وبشكل تكاملي مع مختلف المشاريع الصناعية والبنى التحتية المرتبطة به، وذلك في إطار أجندة زمنية محددة مع تحديث شبكة النقل وفق معايير خاصة عبر الطرق، وتسريع الانطلاق في إنجاز خط للسكة الحديدية يربط بين ولايتي تندوف وبشار. وبتاريخ 30 جويلية 2022، أشرف وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، على الإطلاق الفعلي للمرحة الأولى من استغلال المنجم بجزئه الغربي على مساحة تقدر ب15 ألف هكتار. وفي 24 جوان 2023، زار وفد طاقوي جزائري- صيني منجم غارا جبيلات غرب، للاطلاع على تقدم المشروع وتوقيع مذكرة تفاهم بين الائتلاف الصيني "سي.أم.أش" والشركة الوطنية للحديد والصلب "فيرال"- فرع مناجم الجزائر، وزيارة مكان إنجاز وحدة المعالجة ببشار، التي أسند إنجازها إلى الائتلاف الصيني، وستسمح بإنتاج البلاطات وقضبان السكك الحديدية والهياكل المعدنية. وفي 30 نوفمبر 2023 قام رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بوضع حجر الأساس لإنجاز مصنع المعالجة الأولية لمادة خام الحديد لمنجم غارا جبيلات بتندوف، وحجر الأساس لمشروع خط السكة الحديدية على مسافة 950 كلم يربط غارا جبيلات تندوف بشار، خلال زيارة عمل وتفقد قام بها لولاية تندوف. احتياطي هائل.. ومناصب شغل في الأفق وبحسب البطاقة التقنية للمشروع، يقدر احتياطي المنجم من المعدن الرمادي ما بين 3 إلى 3,5 ملايير طن، منها 7,1 ملايير طن يمكن استغلالها كمرحلة أولى. ومن المتوقع استخراج من 2 إلى 3 ملايين طن من خام الحديد في المرحلة الأولى (2022-2025) ونقله برا (في انتظار إنجاز خط السكة الحديدية الرابط بين بشار وغارا جبيلات) إلى بشار وشمالها من أجل تحويله وتثمينه. أما المرحلة الموالية، ابتداء من 2026، فستنطلق مباشرة بعد إنجاز خط السكة الحديدية بشار- تندوف، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج 40 إلى 50 مليون طن سنويا. ويتوقع أن يدر المنجم، الذي يحتوي على 53٪ من الحديد الصافي. على الجزائر إيرادات بأزيد من 10 ملايير دولار، على أن تصل إلى 16 مليار دولار باستكمال مراحل تطوير المشروع. ويوفر المشروع بين 4 و5 آلاف منصب شغل دائم لشباب المنطقة، وأزيد من 25 ألف منصب شغل غير مباشر بحلول 2025 بمختلف الهياكل والمنشآت الخدماتية المرفقة له، على غرار السكة الحديدية والميناء ومركبات المعالجة ومختلف المؤسسات المصغرة والمتخصصة في الصناعات المنجمية، بحسب توضيحات مسؤولي وزارة الطاقة والمناجم. وسيضم المركب العديد من وحدات معالجة وتحويل الحديد وكذا وحدة لإنتاج العربات لنقل الحديد من غارا جبيلات نحو بشار ومنها إلى مركب الحديد والصلب ببطيوة بولاية وهران. وكانت جريدة "الشعب" قد زارت مؤخرا، موقع غارا جبيلات- غرب، الذي يتربع على 15 ألف هكتار، أي بعد حوالي عام من انطلاق المشروع، حيث وقفت، بحضور وفد جزائري- صيني، على مدى تقدم الأشغال وكذا التقدم المحرز على مستوى البنية التحتية، وكذا سير استخراج الحجارة الخام وتفتيتها وتوضيبها وجمعها في أكياس ونقلها برّا إلى الوجهات المحددة للمعاينة. كما وقفت على حرص العمال على استخراج الحديد بوتيرة أسرع، وفق مقاييس مدروسة بمدخل المشروع في شطره الأول على مساحة 500 هكتار، بعدما قامت الشركة الوطنية للمواد المتفجرة بعدة تفجيرات، منها تفجيران أولان سمحا بالحصول على خندق للوصول إلى طبقة خام الحديد، وتفجير ثالث مكن من استخراج 1000 طن من الخام. ما يميز الموقع، هو تواجد سواد الحديد في شكل طبقات جيولوجية سطحية بمختلف ضواحي المشروع، الذي تشرف عليه شركة فيرال، حيث طافت "الشعب" بمختلف أجزائه وسط غبار يتطاير من كل مكان نتيجة الحفر ووضع الحجارة في شاحنات مخصصة لنقلها برا. وبحسب الشروحات المقدمة من طرف مسؤولي المشروع بعين المكان، فإن لجنة المراجعة التقنية للصناعة والتحويل المعدني الصينية، أكدت أن عملية الانصهار وتحويل المعدن في خام الحديد ذي التركيز العالي من الفسفور، أصبحت ممكنة. وقال محمد صخر حرامي، المدير العام للمجمع الصناعي "مناجم الجزائر"، في تصريح على هامش الزيارة، إن الجزائر استوردت، السنة الماضية، ما قيمته 1.2 مليار دولار من المواد الأولية الحديدية، وعند الانتهاء من الاستثمارات الحالية في مجال صناعة الصلب في سنة 2025، سيتم توفير ما قيمته (2) مليارا دولار. أما فيما يتعلق باليد العاملة التي سيتم توظيفها في هذا المشروع، ذكر محمد صخر أن استخراج المواد الخام، تقوم بها يد عاملة في معظمها جزائرية بحكم المهارات المكتسبة من طرف الشركة الوطنية "فيرال" في هذا المجال. أما فيما يتعلق بالتحويل، فالأمر يتطلب – بحسبه- وجود يد عاملة صينية، مع تكوين الجزائريين تدريجيا في هذه المجالات التقنية. تكاليف استخراج الحديد الخام.. الأقل عالميا منجم غارا جبيلات- غرب، هو منجم سطحي على عمق لا يتجاوز 12 مترا، تعد تكاليف استخراج الحديد الخام منه الأقل عالميا، وفق ما ذكره الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للحديد والصلب "فيرال"، أحمد بن عباس. فيما يتعلق بنوعية الحديد المستخرج من هذا المنجم، قال بن عباس إن حوالي 57٪ من الخام هو حديد و0,8٪ فوسفور، مشيرا - في هذا الصدد - إلى أن صناعة الصلب تتطلب نسبة فوسفور لا تتجاوز 0,1٪ وهو ما يتم العمل عليه حاليا من حيث المعالجة من أجل ضمان منتوج ذي نوعية جيدة. مصنع للمعالجة الأولية ببشار بعد الوقوف على تطور المشروع بغارا جبيلات- غرب، زارت "الشعب"، رفقة الوفد، المنطقة الصناعية المتواجدة بمدينة بشار، التي سيقام بها مصنع المعالجة الأولية من إنجاز الائتلاف الصيني، حيث كشف مدير "مناجم الجزائر" أن الدولة ستوفر كل الموارد والإمكانات من أجل تجسيده، مؤكدا أن الشريك الصيني أعجب بالمكان. وأشار محمد صخر، إلى أن المادة الخام المستخرجة من منجم غارا جبيلات، ستوجه لتموين مصنع المعالجة الأولية مع نفس الشريك، وذلك لتصنيع - كمرحلة أولية - 500 ألف طن من المنتجات نصف المصنعة باستخدام حوالي 1 مليون طن من خام الحديد. وأضاف مدير "مناجم الجزائر"، أن إنتاج المركب سيصل بعد إنجاز السكة الحديدية التي ستربط المنجم بالمصنع إلى 10 ملايين مليون طن باستخدام حوالي 20 مليون طن من المادة الخام. خط سكة حديدية لنقل الخام مشروع منجم غارا جبيلات، الذي يتوزع على ثلاث مناطق استغلال "غارا جبيلات غرب- وسط وشرق"، تتعدى أبعاده وامتداداته إقليم ولاية تندوف، كونه يرتبط بمشاريع ومنشآت أخرى، على غرار خط السكة الحديدية تندوف-بشار، الذي تم توقيع عقد إنجاز شطره الأول بطول 200 كم انطلاقا من بشار، وعقد لإنجاز شطر بمسافة 175 كلم ينطلق من تندوف نحو بشار.هذا الخط، الذي وضع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حجر أساس إنجازه في 30 نوفمبر، هو امتداد للرواق الغربي وهران- بشار، سيمسح بنقل أكثر من 140 ألف طن يوميا من خام الحديد عبر 8 قطارات في كل اتجاه، بعد إطلاق المقطع الأول الرابط بين بشار وحدوده مع ولاية بني عباس على مسافة 200 كلم، وريثما تنتهي أشغال إنجاز خط السكة الحديدية، سيتم نقل المادة الخام من منجم غارا جبيلات غرب إلى مصنع بشار على متن الشاحنات.