أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة البليدة البروفيسور نبيل دريس، أن قرار مجلس الأمن بالوقف الفوري لإطلاق النار جاء في مرحلة جد حساسة وبعد جهد جهيد، وعمل دؤوب من طرف الدبلوماسية الجزائرية، وهو نتاج عمل دبلوماسي في الكواليس أكثر منه في العلن. أوضح د.دريس في تصريح ل "الشعب" أن طبيعة المرحلة تؤكد أن القضية لها رمزية قوية بالنسبة للجزائر بل هي في عمقها، خاصة وأن مواقفها كانت منذ البداية واضحة وصريحة، تجاه قضايا التحرر في العالم وبالأخص القضية الفلسطينية، لهذا عملت جاهدة منذ بدء العدوان والغزو على غزة دبلوماسيا بصفة مباشرة وعن طريق الاتصالات غير المباشرة، مع جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة والأطراف الدولية، والمنظمات الدولية سواء بالأممالمتحدة أو مجلس الأمن. وبحسب المختص في العلاقات الدولية الدبلوماسية الجزائرية لم تهدأ ولم ينم لها جفن، وهي المعروفة بالثبات على المواقف وديمومة العمل، حيث واصلت النضال من خلال سلسلة اللقاءات التي كانت تعقدها الخارجية الجزائرية وممثلها لدى الأممالمتحدة وحتى من خلال التصريحات الرسمية في مجلس الأمن، ولهذا يعد هذا القرار نجاحا باهرا في مرحلة تتطلبها الظروف التي يشهدها قطاع غزة من دمار وحشي ومن جرائم إبادة ومن قتل جماعي بأبشع الطرق وبمختلف الإشكال. خاصة وأنه كان هناك تلويح بغزو عسكري آخر على رفح. وبخصوص امتناع أمريكا عن التصويت أشار المتحّدث أن الموقف الأمريكي يعود لعدة عوامل ساهمت في اتخاذه رغم أنها تعد فاعل رئيسي في هذا العدوان، وداعم للكيان الصهيوني سواء في الواقع أو على مستوى السياسات وعلى مستوى القرارات، واستعمالها لحق الفيتو في عدة مرات بمجلس الأمن أو بمشاريع القرارات التي تقترحها أو يقترحها مجلس الأمن، ولعلّ من أهم العوامل التي أدّت لهذا الموقف الممتنع هو ضغط الدول الفاعلة في العالم، بما فيها الدول العشرة الأعضاء، إلى جانب الضغوطات الداخلية التي تشهدها أمريكا سيما من الرأي العام، الرافض منذ البداية للغزو الصهيوني ولم يتوقف عن التنديد والاستنكار والقيام بالتجمعات والمسيرات. ويرى دريس أن تحول الإعلام أيضا كان لديه ضغط كبير رغم محاولاته التعتيم في البداية، ما أثر على الرأي العام الغربي سواء في أمريكا أو في أوروبا، إلى جانب نشاط المنظمات الحقوقية والمنظمات الإنسانية، والتي كلها أدانت وشجبت ورفضت ما يجري من إبادة في غزة، وامتد هذا الموقف حتى إلى منظمات يهودية في أوروبا وأمريكا وحتى في آسيا. من جهة أخرى يعتقد الأستاذ أن مجلس الأمن اليوم ملزم بتنفيذ القرارات، وسينجح في ذلك خاصة وأن امتناع أمريكا يوحي بوجود نوع من المرونة تجاه القرار المتخذ، فهي تدرك جيدا أنها في ورطة من خلال دعمها وتعاونها وتبنيها لما يقوم به الكيان الصهيوني، وبالتالي فهي تسعى لحفظ ماء وجهها وهي التي على موعد من الانتخابات والاستحقاقات الرئاسية مستقبلا، وهي كلها عوامل وعناصر أساسية ومؤشرات ستجبر مجلس الأمن على تنفيذ هذا القرار. وفيما تعلق بتمسك الجزائر بجعل فلسطين في مكانها الذي يليق بها كعضو في الأممالمتحدة، أشار د. دريس أن الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، كانت تواجه الكثير من التحدّيات والعراقيل والعوائق إلا أن ما يميز الدبلوماسية الجزائرية هو الثبات وصبرها على هذه التحدّيات والضغوطات التي تمارس عليها في كثير من الأحيان لأنها تدرك بأن العالم يعيش صراع مصالح بين قوى ولوبيات على مختلف الأصعدة سواء على مستوى القرارات أو المبادرات الدولية، لهذا فهي ستواصل ولن تتوقف عن السعي في هذه الخطوة. ويرى المتحدّث أن الجزائر ستعمل باستخدام كل الأدوات والوسائل المتاحة في سبيل الوصول الى نتائج مرضية ونتائج حقيقية وفعالة تخدم القضية الفلسطينية من خلال تمكينها من مكانتها القانونية على مستوى الأممالمتحدة من أجل إبداء موقفها وإسماع صوتها باسم الدولة الفلسطينية وممارستها لالتزاماتها وواجباتها وإيصال انشغالاتها ومساهمتها في مختلف مشاريع القرارات الدولية المتخذة.