في إطار المساعي الدؤوبة لتحديث وتطوير مختلف القطاعات، ترأس السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية، الأحد المنصرم، اجتماعًا لمجلس الوزراء، تناول فيه التقرير المرحلي المتعلق بمدى تقدم عملية الرقمنة في البلاد. وقد ثمن السيد الرئيس الوتيرة الإيجابية لسير العملية، لاسيما ما يتعلق بالربط بين مختلف القطاعات الحكومية، مؤكدًا على الأهمية الاستراتيجية لرقمنة كافة المجالات في دفع عجلة التنمية وتحقيق التقدم المنشود. وتُعدّ الرقمنة ركيزة أساسية في رؤية الجزائر المستقبلية، حيث تسعى إلى تبنّي نموذج اقتصادي رقمي يواكب التطورات العالمية، ويُعزّز تنافسية البلاد على الصعيدين الدولي والإقليمي. تأتي هذه الجهود تجسيدًا للخطة الشاملة التي وضعتها الحكومة الجزائرية للرقمنة منذ أكثر من عامين، والتي تشمل جميع مجالات الحياة، بدءًا من الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية، وصولًا إلى رقمنة أملاك الدولة وتعزيز الشفافية في التسيير، مرورًا برقمنة الحياة الاقتصادية بكافة مفاصلها، بما في ذلك التجارة والصناعة والخدمات المالية. وتُؤمن الجزائر إيمانًا راسخًا بأنّ رقمنة جميع القطاعات تُعدّ حجر الزاوية لبناء اقتصاد قوي ومستدام، قادر على مواجهة التّحديات وتحقيق النمو الشامل. فمن خلال الرقمنة، ستتمكن الجزائر من تحسين كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين، وترشيد النفقات العامة، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتُتيح الرقمنة إمكانية مراقبة ومتابعة النفقات الحكومية بشكل دقيق وفعّال، ممّا يُساهم في الحدّ من الهدر وسوء الاستغلال. فمن خلال استخدام أنظمة إدارة الموارد المالية الإلكترونية، يمكن للحكومة رصد جميع عمليات الإنفاق في الوقت الفعلي، وتحديد أيّ خلل أو تجاوزات قد تحدث. كما توفر الرقمنة كمية هائلة من البيانات والمعلومات التي يمكن تحليلها واستخدامها لاتخاذ قرارات اقتصادية صائبة. فمن خلال تحليل البيانات، يمكن للحكومة تحديد أولويات الإنفاق، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الأكثر ربحية، وتطوير سياسات اقتصادية مبنية على أسس علمية مُتينة. علاوة على ذلك، تُتيح الرقمنة إمكانية استهداف الدعم الحكومي بشكل دقيق وفعّال، من خلال إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تضمّ معلومات عن جميع الأسر المُحتاجة. وبذلك، يمكن للحكومة ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، ومنع أيّ هدر للموارد، لاسيما وأن الجزائر دولة ذات طابع اجتماعي، وهناك تقديرات تشير إلى أن سياسة الدعم الاجتماعي تستحوذ على 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي، ترشيد هذه النفقات ومراقبتها أصبح أمرا أكثر من ضروري. وتُشير الدراسات إلى أنّ تبنّي نظام دعم رقمي، يمكن أن يُساهم في خفض نسبة الفقر في الجزائر بشكلٍ ملحوظ. وبحسب أستاذ الاقتصاد التطبيقي، الدكتور موسى عطوي في تصريح ل "الشعب"، إلى أنّه بإمكان الجزائر توفير ما يصل إلى 20% من ميزانيتها السنوية، من خلال تبني حلول الرقمنة في مجال إدارة المالية العامة. بيانات جزائرية.. في هذا الإطار، شرعت الجزائر في بناء قواعد بيانات ضخمة باستخدام تكنولوجيا حديثة متطورة، بالتعاون مع عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي". وتسعى الجزائر من خلال هذا المشروع، إلى التحكم في مصدر البيانات وتخزينها وصون سيادتها الرقمية، وضمان حماية الأمن السيبراني للجزائريين، وذلك بالاعتماد على خوادم جزائرية 100%. ويُجمع الخبراء على أنّ الجزائر تمتلك الموارد البشرية اللازمة لتسيير هذه المنظومة الرقمية الضخمة، والمنتشرة عبر 58 ولاية وأكثر من ألف بلدية وعشرات الآلاف من المؤسسات الوطنية والخاصة. كما تُعدّ الجزائر من الدول الرائدة في مجال التعليم العالي، حيث تمتلك جامعات متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تُخرج كوادر بشرية مؤهلة قادرة على المساهمة بفعالية في تحقيق أهداف الرقمنة الوطنية. متابعة عالية المستوى.. يحظى موضوع الرقمنة باهتمام خاص من السلطات العليا في البلاد، حيث تتم متابعته بشكل شخصي من طرف رئيس الجمهورية، ويُناقش بشكل دوري في اجتماعات مجلس الوزراء. وتُجسّد هذه المتابعة مدى الأهمية الكبيرة التي توليها الجزائر لمشروع الرقمنة، إيمانًا منها بدوره المحوري في تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفساد، وبناء مستقبل واعد للجزائر. وتُؤكّد الجزائر على التزامها الراسخ بمواصلة جهودها الدؤوبة لتطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز مهارات الموارد البشرية، وتوفير بيئة ملائمة للابتكار والريادة، وذلك بهدف تحقيق الرقمنة الشاملة في جميع المجالات، وترسيخ موقع الجزائر كرائد إقليمي في مجال التكنولوجيا الرقمية.