يفتتح المعلم التاريخي الباردو أبوابه اليوم لزوار المتاحف،لاكتشاف الحلة الجديدة لواحد من أهم المعالم التاريخية الكبرى التي تزخر بها الجزائر، والذي يعد فضاء رحبا لاكتشاف مختلف الحضارات التي تعاقبت على الجزائر، من الرومانية فالبيزنطية إلى العثمانية ومن خلال التحف التي تزينه، والتي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ.لم يكن غلق المتحف الوطني ''باردو'' أمام الجمهور خلال ال 3 سنوات الأخيرة سوى لترميمه، وإعادة تهيئته وتقديمه في حلة جديدة لزواره لإعادة اكتشافه، حيث تكون أمامهم فرصة الدخول المجاني للمعلم خلال السنة الجارية يوميا من العاشرة صباحا إلى السادسة مساء. جولتنا داخل المعلم لم تكن مكتملة، على اعتبار أن المتحف الوطني لن يفتح أبوابه اليوم، وبذلك لم تكن لنا فرصة الوقوف عند الآثار والتحف المتنوعة التي يزخر بها، والتي تمثل حضارات ما قبل التاريخ، جلبت من مختلف المناطق الجزائرية . بالرغم من ذلك مرشدتنا لم تبخل علينا بجولة خفيفة داخل المعلم التاريخي، للوقوف على الترميمات التي شهدها، حيث وجدنا العمال يقومون بالرتوشات الأخيرة قبل استقبال الزوار، وقد صادفنا ونحن داخله سائحتين من فرنسا كانتا ترغبان في تنظيم جولة داخله، غير أنهما لم يحظيا بذلك، على أمل العودة إليه اليوم. باردو اليوم، أصبح يكتسي حلة جميلة، بعد أن ساهم حرفيون وفنانون جزائريون على وجه الخصوص بتقديم الوجه الحقيقي للمعلم التاريخي، وإعادة إبراز الرسومات الموريسكية التي أعطت رونقا وجمالية خاصة، فضلا عن تأهيل المستوى التقني للبنايات مع تركيب أنظمة المراقبة عن بعد والمضادة للحرائق وكذا الإنارة المعمارية اللازمة له. من هذا المنطلق وقفنا على المنظر الخلاب ل«ساحة الرخام» بعد تهيئتها، إلى جانب «الغرفة المفضلة»، «القهوة الموريسكية»، «غرفة الآلات الموسيقية»، «وسط الدار» المسماة بالقلب الثاني للمعلم، كما قادتنا جولتنا إلى «القاعة العاصمية»، و«المغاربية»، «البئر»، «الحمام»، وكل هاته الترميمات استخدمت فيها المواد التقليدية المتعارف عليها في عمليات الترميم، من بينها «الرمل»، «الجبس»، «الآجر بأنواعه»، حتى أن حديقة المعلم كان لها نصيب في التهيئة، لا سيما منها الأشجار التي لقيت عناية خاصة، بالتنسيق مع إدارة الغابات . «استفاد من مشروع السينوغرافيا والميزوغرافيا» في حوار ل«الشعب» أكدت مديرة المتحف الوطني الباردو، أن افتتاح المعلم يصادف الاحتفال باليوم العالمي للمعالم التاريخية، واحتفال الجزائر بشهر التراث، مشيرة أن هذه المناسبة فرصة للزوار الذي افتقدناهم مدة 03 سنوات، لإعادة اكتشاف الباردو بكل مميزاته وتفاصيله ومشاهدة المعلم بعد ترميمه قائلة: «أردنا أن نشارك الجمهور الجزائري التجربة التي قمنا بها خلال 06 سنوات من عملية الترميم، باكتشاف التقنيات والأدوات والطرق التي استخدمناها، وذلك من خلال عرض فيديو يوم الافتتاح». وفي ذات السياق، أشارت مديرة المتحف إلى أن الترميم جاء في إطار البرنامج الذي سطرته وزارة الثقافة لإعادة تهيئة المعالم التاريخية، وتأهيل المتاحف، والأخذ بعين الاعتبار كل ما هو خاص بالسينوغرافيا أو طريقة العرض، مبرزة بأن المتحف استفاد من مشروع هام وهو السينوغرافيا والميزوغرافيا، التي تهتم بكيفية عرض المجموعات المتحفية، بطريقة تختلف عن العروض السابقة، وأن يكون هناك مسار متحفي، ومشروع علمي في هذه الدراسة التي تعتمد على التكنولوجيات الحديثة. وأكدت عزوق على أن جمهور المتاحف على موعدين أساسيين بالباردو، الأول فتح أبواب المعلم التاريخي بعد الترميميات التي دامت 06 سنوات، ليكتشفه الجمهور بميزاته الخاصة المختلفة، مقارنة بالمعالم الأخرى المتواجدة في الجزائر، والثاني فتح أبواب المتحف والتي ستكون في 2014، أين يتم عرض المجموعات المتحفية، التي تعود إلى ما قبل التاريخ، أو المجموعات الخاصة بالإثنوغرافيا. « 98 ٪ من المؤسسات جزائرية» شمل ترميم المتحف الوطني حسب مديرته المعلم التاريخي وجناح قاعات العرض الذي تبلغ مساحته أكثر من 2050 متر مربع، فيما استثني من ذلك الإدارة والجناح الخاص بمكاتب الباحثين. وعبرت فاطمة عزوق عن فخرها الكبير، كون 98 بالمائة من المؤسسات التي اهتمت بالترميم جزائرية، ومكتب دراسة جزائري «حاماق» أشرف على دراسة عملية الترميم التي دامت 03 سنوات لدقة المشروع، مشيرة إلى أن إعادة تهيئة الرسومات قام بها أيضا فنانون تشكيليون من الجزائر، وأيضا حرفيون في مجال السيراميك. ولم تخف المتحدثة الاستعانة بالخبرة الأجنبية البلجيكية في مجال معالجة الرطوبة لعدم وجود مؤسسات جزائرية في هذا الميدان، غير أنها تقول مؤسسة جزائرية بلجيكية، وأيضا الخبرة الاسبانية في ترميم الأعمدة وكل ما هو مصنوع بحجرة «التوف»، فضلا عن الخبرة الفرنسية المختصة في عملية التبريد، لأن هذه الأخيرة تضيف عزوق تختلف عن المؤسسات الأخرى، لحفظ المجموعات المتحفية، لذلك يجب دراسة الرطوبة النسبية ودرجة الحرارة المناسبة للتحف، وأيضا التبريد الخاص بالمخازن، وأضافت أن عملية الترميم ليس بناءً وإنما عملية دقيقة تتطلب مؤسسات على دراية بالمواد التقليدية الواجب استعمالها. «مشاريع قيد الدراسة» أشارت فاطمة عزوق أن متحف الباردو بحاجة إلى مخبر كبير، لحفظ الأدوات والمتاحف الأثرية، مشيرة إلى أنهم يمتلكون مخبرا صغيرا كان عبارة عن مكتب قبل أن يتم تحويله. وأشارت أيضا إلى أن المتحف أيضا بحاجة إلى قاعات عروض مؤقتة، قاعة للندوات والمحاضرات، مؤكدة بأنهم رفعوا انشغالاتهم إلى وزارة الثقافة وقدموا مشروعا أوليا منذ شهر ونصف، وهو قيد الدراسة على أمل أن يكون الرد ايجابيا تقول المتحدثة. أكدت فاطمة عزوق أن زوار المتحف سيكتشفون عند افتتاحه أثارا جديدة، على أساس أن هناك اتصالات جدية وقبول مبدئي بين إدارة المتحف ومدراء الحفريات، لإثراء «الباردو» بتحف تعود لما قبل التاريخ، مشيرة أنهم قاموا بإثراء المتحف بمجموعات الايثنوغرافيا منذ 1987 إلى يومنا هذا، في حين تقول هناك صعوبة للحصول على تحف تعود إلى ما قبل التاريخ، لأنها تكتشف عن طريق الحفريات وهو عمل جد صعب . «حقيبة متحفية عبر مختلف ولايات الوطن» طالبت فاطمة عزوق بضرورة تكثيف العمل بين المتحف ووزارة التربية والتعليم، مشيرة إلى أن هذه الأخيرة تقوم بمبادرات إيجابية، إلا أنها غير كافية، واقترحت عزوق خلال أيام دراسية بين وزارة الثقافة ووزارة التربية، أن تحتضن المتاحف الدروس التطبيقية فقط، وورشات مجانية حول ما قبل التاريخ الذي يعد صعبا على التلميذ لفهمه نظريا، كأن يقدموا على سبيل المثال فكرة عن حياة الانسان البدائي وكيف كان يعيش، إلى جانب الأدوات التي كان يستعملها آنذاك، غير أننا لم نجد أذانا صاغية تقول. وأشارت إلى أنه مع افتتاح المعلم ستكون انطلاقة جديدة مع المتمدرسين، مؤكدة أن المتحف لم يغلق أبوابه نهائيا بل احتضن ورشات من خلال البساتين المتواجدة به، تمثلت في «عملية الحفر الأركيولوجي»، «اكتشاف النار»، كما نظم ما يعرف ب «الحقيبة المتحفية» والتي تتمثل في جولات إلى مختلف ولايات الوطن بهدف إبراز دور المتحف وماذا يتواجد به. «برنامج خاص بشهر التراث والخمسينية» سطر القائمون على المتحف برنامجا خاصا احتفاء بشهر التراث وخمسينية استرجاع السيادة الوطنية، تتمثل في محاضرات وندوات حول «ما قبل التاريخ»، والتي تنشط من قبل مختصين في هذا الميدان، إلى جانب ورشات بيداغوجية خاصة بالطلبة والمتمدرسين، ومعرض حول مرحلة ما قبل التاريخ، بمشاركة متحف «نيس» بفرنسا، فضلا عن تنظيم معرضين هامين الأول حول «الحايك ودوره في الثورة التحريرية»، والثاني حول «المقاومة الشعبية في القرن التاسع عشر».