أثار الاعتداء المزدوج الذي استهدف نهاية الأسبوع الماضي ثكنة عسكرية في »أغادير« كبرى مدن شمال النيجر، والشركة الفرنسية »أريفا« في منطقة »أورليت« بالشمال أيضا، تساؤلات صاحبتها تحليلات وقراءات تتقاطع كلها في نقطة جوهرية وهي خطورة الوضع في الساحل وتحول خلاياه الارهابية النائمة الى مجموعات نشيطة ترتكب الاعتداء تلو الآخر وتستهدف البلد بعد الآخر، ولا تستثني بجرائمها أكثر المواقع أهمية وتحصينا وأمنا. العملية الارهابية التي هزّت النيجر ومن ورائها فرنسا، حملت بين ثناياها شبها كبيرا بالاعتداء الارهابي على الموقع الغازي الجزائري ب » تيڤنتورين « في جانفي الماضي، خاصة من حيث أهمية الأهداف التي وقّع عليها الهجوم وحجم الحماية الأمنية التي تتوفر عليها. فبين اعتداء النيجر و»تيڤنتورين« شبه كبير الى درجة أننا لسنا بحاجة الى بيانات حركة »التوحيد والجهاد« أو »الموقّعون بالدماغ« وقائدهم مختار بلمختار، لنتأكد بأن هذه المجموعة الارهابية هي من يقف وراء العمليتين، فالبصمات واحدة وطريقة التنفيذ مشابهة والقصد واضح وهو البحث عن إثارة اعلامية وشهرة مجانية والسعي لزرع الخوف والشك في القدرات الأمنية والدفاعية للدولة المستهدفة، وقبل ذلك وبعده لتؤكد هذه الجماعة الارهابية بأنها مازالت قوية وقادرة على اغتصاب أمن أكثر المواقع تحصينا.. عملية النيجر وقبلها تيڤنتورين وبينهما الاعتداء على القنصلية الأمريكية في بنغازي وقتل السفير الأمريكي، ثم الهجوم على السفارة الفرنسية في طرابلس شهر أفريل الماضي، والعديد من العمليات الارهابية المسجلة في هذه الدولة والأخرى، يعكس بوضوح أن المجموعات الارهابية التي طردتها القوات الفرنسية من شمال مالي دون أن تصيبها بسوء، لجأت الى أماكن أخرى، خاصة الصحراء الليبية مستغلة وضع ليبيا المؤسساتي والأمني الهش، لتجعل منها مستقرا وقاعدة حياة وانطلاق لارتكاب فضائعها ضد من تعتبرهم أعداءها وهم على حد تعبيرها »من اشركوا في الحملة الصليبية« ضد الأزواد في شمال مالي«، وقد أكد رئيس النيجر محمد يوسف نفسه هذه الحقيقة وأورد بأن المعتدين على أمن بلاده في »أغادير« و»أورليت« جاءوا من الجنوب الليبي الذي أصبح يشكل كما أضاف مصدرا لزعزعة الاستقرار في الساحل. وذكّر الرئيس النيجيري بتحذيراته من الأحداث التي أدت الى الاطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي حيث نصح بتفادي أن تكون الحلول بعد سقوط النظام أسوأ من السيئ، وبأن تتحول الدولة الليبية الى صومال آخر أو تسقط في أيدي متطرفين ويبدو بأن تحذيرات رئيس النيجر كانت نفسها التي صرحت بها الجزائر طوال الأزمة الليبية، وقد دقت هي الأخرى ناقوس الخطر وحذرت من أن تتحول ليبيا والسلاح الذي أصبح مستباحا للجميع مصدرا للقلاقل بل وللإرهاب الذي تمارسه المجموعات التي وجدت على آراضيها الفرصة للاختباء والتخطيط والتآمر لضرب أمن المنطقة واستقرارها. ومن الضروري التأكيد هنا كما فعل الرئيس محمد يوسف أن السلطات الليبية تدرك هذه الحقائق والمخاطر التي أصبحت تصدر من فوق أراضيها، وهي تقوم بأقصى ما يمكنها لمحاربة المجموعات الارهابية، لكن المهمة لا تبدو سهلة خاصة بالنسبة لدولة تواجه تحديات صعبة على كل الأصعدة.. الوضع بدوّل الساحل وما جاورها خطير كما أجمع عليه جل المراقبين، لكن مكمن الخطر ليس لأن الارهابيين يستهدفون في كل مرة مواقع استراتيجية حساسة تحظى بحماية أمنية كبرى أو هكذا من المفروض، فالارهاب بطبعه يباغث ويخادع ويجند متعاونين ومتواطئين يسهلون له جرائمه، وأمريكا نفسها بكل ما تملكه من قوة وقدرات أمنية لم تستطع منع اعتداءات »مانهاتن«، مكمن خطورة الوضع في الساحل أن المجموعات الارهابية انتقلت من حالة النوم والخمول الى النشاط والتحرك الحثيث، الأمر الذي ينذر بوقوع اعتداءات وهجومات أخرى. وبالمقابل، فإن هذا الخطر الارهابي قد يجر معه خطر التدخل الغربي تحت ذريعة مكافحة الارهاب والحفاظ على المصالح خاصة وأن المارينز على بعد مسافة حيث يوجد بعضهم في قاعدة »مورون« الجوية بإشبيليا الاسبانية، والبعض الآخر في قاعدة عسكرية بالنيجر. »أفغنة الساحل« كما يتوقع بعض المتشائمين لن يكون مرتبطا بانتشار الارهاب فقط، بل قد يمتد الى تكرار الحرب على أفغانستان وتوقعات هؤلاء كبيرة بأن تلجأ الدول الافريقية التي لا تملك القدرات والامكانيات لمواجهة هذا الخطر الداهم، الى طلب المساعدة من أمريكا أو من غيرها كما سبق لحكومة مالي وأن فعلت عندما استنجدت بفرنسا لتحرر شمال مالي من قبضة الارهابيين.. احتمالات التدخل الأجنبي في المنطقة إرادة خاصة مع توسع النشاط الارهابي والساحل للأسف الشديد أصبح اليوم في مواجهة طاعون الارهاب وكوليرا التدخل الأجنبي.