عندما يصبح الحصول على قارورة الأوكسجين حلما يتمناه المرضى... تحلم صفية بأن تأخذ جرعات منه بطريقة طبيعية مثلها مثل باقي الناس وأن ترى نور الدنيا وهي في ريعان شبابها. وتحلم أيضا بمواصلة دراستها الجامعية المتوقفة في انتظار تحصلها على جهاز لنقل الأوكسجين المحمول ليبقى طلبها الوحيد إجراء عملية زرع رئتين وقلب تعيد لها حياتها الطبيعية وهي تناشد بذلك فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة ليتكفل بحالتها الصحية وكرم أهل الخير وكلها أمل أن يساعدوها. كما أنها تتمنى أن تصبح صحفية لتنقل لعامة الناس ولو جزءا من الحقيقة عن كل ما شاهدته بأم عينيها في مستشفياتنا ولتروي أيضا معاناتها مع المرض. عند زيارة ''الشعب'' لأول مرة للشابة صفية العرابي، في بيتها المتواجد بولاية البليدة بمنطقة وادي جر، والواقع على ربوة خضراء تغمرها نقاوة طبيعتها الخلابة، لم نكن نتخيل أن في المكان ذاته تقطن شابة في عمر الزهور كلها تعلق بالحياة، تعاني من مرض نادر يدعى فيبروز Fibrose وهو مرض مزمن أثر على عمل رئتيها المصابتين وأتعب قلبها، مما تسبب في تعقد حالتها الصحية وأدى إلى إصابتها بارتفاع الضغط الرئوي HTAP لتتوقف رئتاها عن العمل في الأول بين الفينة والأخرى وبعد ذلك كلية لتضع حياتها على أرجوحة حبلها مرتبط ارتباطا وثيقا بجرعة أوكسجين، وهذا ما يجعل حياة صفية متوقفة على إمكانية توفره. لم تسع الفرحة صفية عندما استقبلتنا في بيتها حيث أبدت تعطشا ولهفة لتبادل الحديث معنا لتبدأ بسرد معاناتها مع المرض والتي تقول عنها للأسف الشديد حرمتها من إكمال دراستها الجامعية وقد بقيت حبيسة الفراش لمدة خمس سنوات كاملة، باستثناء الأيام القليلة التي كان يتحتم عليها فيها الذهاب إلى المستشفى وكان ذلك في حالات استعجال قصوى. توقفت صفية للحظات نظرا لحالة التعب التي غمرتها لتأخذ نفسا آخر من أنبوبي الأكسجين اللذين كانا متصلين بأنفها مباشرة والتي لا يمكن لها أن تستغني عنهما ولو للحظة حيث واصلت صفية الحديث قائلة، إن حلمها منذ كل السنوات التي مرت وهي طريحة فراش المرض بعد أن عوضت قارورة الأوكسجين رئتيها.. وهي كلها أمل أن يأتي يوم وتتحقق لها فرصة مواصلة دراستها بعد أن يتفضل أهل الخير بجمع التبرعات لها لتتحقق لها إمكانية إجراء عملية زرع رئتين وقلب . تقول صفية أنها تعبت من تناول العلاج الدوائي الذي يصل ثمنه الى 350 ألف دينار جزائري والخاص بمرض ال HTAP والذي يسبب لها تعقيدات أخرى حيث لم يعد يؤدي مفعوله بالكامل، لأن قلبها تعب كثيرا وهي اليوم تعاني من صعوبة في التنفس رغم اتصالها المستمر بجهاز نقل الأوكسجين، كما أن ضغط الدم لديها أصبح ينخفض مؤخرا بصفة متكررة في اليوم. توقفت صفية عن الكلام لأنها كانت تشعر بالدوران، قالت لنا أختها أنها أصبحت تحس بالتعب طوال الوقت وحسب ما أخبرتنا به الطبيبة المعالجة، فإن كمية الأوكسجين المتدفقة من الجهاز تبقى غير كافية لأنها تعطيها 6 لترات في اليوم وهي في الأصل تحتاج الى 10 لترات لذلك رغم إيصالها بالجهاز، إلا أنها تعاني من الاختناق في مرات عديدة. تعاود صفية الحديث بعد أن استعادت أنفاسها، فقالت لنا أن طبيبتها طلبت منها القدوم الى مستشفى باب الوادي لمين دباغين لكن أسّرت لنا أنها تفضل البقاء في البيت لأنها لا تستطيع التنقل لقضاء حاجتها، فالمراحيض على مستوى المصلحة بعيدة جدا عن الغرف عكس المنزل. كما تضيف وتقول أنها لا تستطيع اتباع الحمية الخاصة بها والتي تتمثل في تناول غذاء بدون ملح ولا يستطيع والدها أن يتنقل في كل مرة الى المستشفى، لأنها تبعد عن بيتها ب 80 كلم. لقد كان الوقت ضيقا فلم يكن كاف بالنسبة لصفية التي تركناها مرهقة بعد انخفاض الضغط لديها، لأنها بذلت مجهودا في الحديث معنا، ولم تصدق أننا بإمكاننا أن نوصل صوتها وطلبها الى أعلى السلطات عبر جريدتنا الغراء «الشعب». ونحن في طريق العودة، فكرنا مليا في صفية وفي محمد كربوش الذي سبق وأن أدلى بشهادته لنا وهو اليوم يرقد في سرير المستشفى وفي الكثيرين من المرضى أمثالهم فانتابنا شعور بالحسرة والتأسف لأننا فعلا نبقى عاجزين أمامهم، سوى إيصال ندائهم الذي نتمنى حقيقة أن يكون له صدى لدى السلطات المعنية. لنقول أنه لا يجب أن ننسى أنهم موجودون ويعانون في صمت. ففي الوقت الذي ينعم فيه بقية الناس بأشياء أخرى وهي معظمها من الكماليات، تتوقف حياة صفية ومرضى كثيرون غيرها على إمكانية إجراء مثل هذه العمليات في بلادنا. وبالمقابل كل ما نملكه نحن من إمكانيات يبقى لا يساوي شيئا أمام الانتظار الطويل لهؤلاء المصابين من أجل التكفل الجاد بحالتهم الخطيرة التي تستدعي بالضرورة حلا مستعجلا في أقرب الآجال.