أتذكر حينما كانت ترتعد من البرد، فخلعت معطفك ووضعتَه على جسدها المبتلّ، وأنت في أعماقك كنت تحترق، ومياه الأمطار لن تُطفئ نار قلبك - ياه أما زلت تذكر؟ - وهل ما زالت هي كذلك تحتفظ بتلك الأيام - يا لها من دماثة عجيبة هو شقاء ظل يستنزف منك عمر الدموع في وقار، وبالكاد كانت تمسح عنك الدموع، وكأنها كانت تقول لك، انفجر ينبوعا إن شئتَ. ولماذا كانت لا تظهر لك دموعها إلا لماما! آه.. لقد صار كل عصب من أعضائك يرهبها، وكانت كل من مضغة من لحمك تنكمش إذا هي حاولت مقاومتك بالدموع. ألم تدري حينها أنها دموع التماسيح قبل أن تفتك بصيدها - ملعون حبها و موبوء حبيبها!!! مسحة عاطفة من الماضي حلت أمامك اللحظة، كل الأحداث من أول لقاء إلى الآن، فقد كنتَ عفوا بقلبك الذي ساقك نحو الهاوية. كنتَ، وكانت ولكن. هذا الأنا قد يؤنِّبك التوه، ألم أقل لك أنك لن تستطيع معها صبران كيف تصبر مرة أخرى، والطعنة هذه المرة كانت من دُبر. هل أنك بلا غطاء، ولا دثار، ولا كفن، أم أنك ستواري سوأتك - المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين - تذكَّرْ ما قالت لك البارحة وهي مازحة في ظنك - لم يعد بوسعي أن اقاسمك غرفة قلبي إلى هذا الحد. ثم أردفتْ : - لقد شغل أحد آخر ما كان بالأمس نشازا موطنكَ. ولم يعد لك فيه مكان بالمرة عندي. و هي تطعنك بالصمت تارة والحواسم أخرى - سأسافر بعد غذ نحو باريس حيث كان حلمي منذ الولادة. - آسفة لأنك لستَ منفاي - آسفة على الازعاج الذي قد حصل طيلة هذه المدة - لا يمكنني أن أستمر في حبك. حبّ النوكى والمأفونين !! ثم قطعت عنك المكالمة. لكنها و هي تحاول وضع السماعة، تراء لها صوتا من آخر المكان فأعادت السماعة نحوها، ثم أردفت: - أظنّكَ قلتَ شيئا ؟ - ألا تقول لي وداعاً ألهذا الحد تُمزقك الغيرة!! ردّتْ أخته من الجهة الأخرى ببكاء حزين عليها: - عفوا. بل شكرا - وعزاؤك في الجنة !! ...يتبع