يفرح الآباء في رؤية أبنائهم يحملون حقائبهم باتجاه المدرسة من أجل التحصيل وطلب العلم، ولكنهم يجهلون مخاطر الوزن الثقيل للحقيبة التي تنعكس سلبا على صحتهم وتتسبّب في الكثير من المشاكل الصحية. وفي هذا الصدد، كشفت العديد من الدراسات أنّ وزن الحقيبة يجب أن يكون 5 % من وزن الطالب أو أقل، ولكننا نرى خلاف ذلك على أرض الواقع، فمعدل وزن الكتاب هو 5 ، 1 كلغ تقريبا. وإذا كان التلميذ يتلقى في اليوم الواحد ست أو سبع حصص، فإنّ الوزن الذي سوف يضطر إلى حمله قد يقارب الخمسة عشر كلغ فيما لا يتعدى وزن الطفل في التاسعة من العمر ثلاثين كلغ. وقد أعرب كثير من الأولياء ممّن تحدّثت إليهم "الشعب" عن استيائهم إزاء ثقل حقائب أبنائهم المدرسية، بدليل أنها تتمزق منذ الأسبوع الثاني من بداية العام الدراسي بسبب الكراريس والكتب التي تحتوي عليها. وقال في هذا الشأن السيد "محمد" وهو أحد أولياء التلاميذ: "إنّ العديد من الأطفال يكرهون الذهاب إلى المدرسة لأنه لا يمكنهم أن يحملوا كل هذا الثقل على ظهورهم يوميا يوم"، مستدلا بتجربة ابنه البالغ من العمر الثامنة الذي يرفض حمل حقيبته ليضطر هو حملها بدلا منه، وذلك خوفا من تعرضه لانحناء في العموده الفقري، مشيرا أنّه نقل هذا الانشغال لمسؤول المدرسة والأساتذة للتخفيف من اللوازم الدراسية، وتجنّب حمل هذا الكم الهائل من الأدوات، لكن دون جدوى بدليل أن ابنه بقي يتحمّل ذلك مدة سنتين، وبقيت المشكلة دون حل وهي تتكرر مع كل دخول مدرسي جديد، حيث يجبر الأساتذة التلاميذ على حمل كل الكراريس والكتب المدرسية. ولم تخف السيدة "لامية" التي التقينا بها أمام مدخل المدرسة برفقة ابنها الذي يزاول دراسته في الثانية ابتدائي غضبها بشأن ذلك، لأنها اضطرت السنة المنصرمة شراء حقيبتين لابنها في شهر واحد بعد تمزقهما بسبب حمولتها الزائدة، مشيرة إلى أنّ ذلك يشكّل عبئا ماديا على الأسرة في ظل غلاء المعيشة، بالإضافة إلى معاناة طفلها من ألم شديد على مستوى يده اليمنى، التي يجرّ بها محفظته، داعية إلى إيجاد حلول قبل أن يحدث ما لم يحمد عقباه نتيجة هذا الثقل الذي يتكرر كل سنة. أما السيد "فاطمة" تؤكد من جهتها أن طفلتها رفضت حمل مثل هذه الحقيبة على ظهرها الصغير، خاصة وأنها لم تتجاوز السابعة من العمر، ممّا اضطرها إلى اقتناء حقيبة مدعّمة بعجلتين لجرها، وخاصة بعد أن نصحها الطبيب بذلك وأنه لا يمكنها حمل الحقيبة على ظهرها بعد أن تسبّبت لها في بعض التشوهات على مستوى العمود الفقري. وأكّدت في سياق حديثها أنّ استبدالها بأخرى تجرّها لم تحل المشكلة لأن الشوارع مهترئة ومملوءة بالحفر، ولكنها أخف الضررين، وأنّ ابنتها لا يمكنها اجتنناب السلالم باعتبار العمارة التي يقطنونا تتواجد بالطابق السادس، حيث يبقى الحل الوحيد بالنسبة إليها هو التخفيف من ثقل المحافظ المدرسية كما كان الاطفال في سنوات الثمانيات، وترى أنّ هذا لن يحدث إلاّ بتدخل وزارة التربية. الأطباء يدقّون ناقوس الخطر نقلنا هذا الانشغال لبعض الأطباء للوقوف على رأيهم بشأن الآثار السلبية للحقيبة الزائدة الوزن، فأكّدوا أنّ الوزن الزائد للحقيبة يؤدي إلى اعوجاج في العمود الفقري ويسبّب آلاما في الظهر والرقبة والكتفين والذراعين، إضافة إلى ضغط في القلب والرئتين نتيجة تشوّه الهيكل العظمي والعمود الفقري، ومع الوقت يظهر تشوّه في الشكل الخارجي، وخصوصاً عند الفتيات إذ يمكن أن يساهم في مضاعفة الاعوجاج مستقبلاً. فثقل المحافظ المدرسية تجبر الطفل يوميا على حمل نصف وزنه على كتفيه، فيضطر إلى الانحناء إلى الأمام ليحقق التوازن ليجد نفسه مع مرور الأشهر مصابا بداء السكوليوز، وهو ما يجعل القلق شديد بين أولياء الأمور والمعنيين بصحة الأطفال إزاء هذه المشكلة، فالحقيبة المدرسية باتت بوزنها الزائد وحملها بطريقة غير سليمة تستحوذ على اهتمام الأطباء والمسؤولين نظراً لمضاعفاتها على صحة ونمو الأطفال، وتعرضهم لمشكلات صحية. ويرى متخصّصون أنّ ثقل الحقيبة المدرسية بما تحويه من كتب ودفاتر ولوازم مدرسية أحد أسباب اعوجاج العمود الفقري واختلال وظائفه الفسيولوجية، حيث يوصي الأطباء بضرورة أن يكون وزن الحقيبة المدرسية من 10 15 في المائة من وزن التلميذ. كما يحذّر الأطباء من حمل الحقيبة على كتف واحدة، يسبب انحناء جانبي أي على مستوى أحد الكتفين، ويؤدي إلى مشي الطفل بطريقة غير صحيحة وهي أعراض لا تظهر في مرحلة الطفولة بل لاحقا بعد عملية النمو، فخطر الاصابة بألم الظهر مثلا تظهر خلال فترة المراهقة، إذ ترتفع نسبة الاصابة بين الطلبة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشر والسادسة عشر. كما دعى بعض الأطباء إلى أهمية اختيارالحقيبة المدرسية لتكون مناسبة لبنية الطفل الجسدية، وعدم حمل الكتب التي لا يحتاج إليها في المدرسة، إلى جانب ضرورة مراقبة الطفل والاستماع إلى شكواه الناتجة عن ثقلها، والاقتراب من المصالح الطبية لمعالجتها بشكل عاجل قبل تأثيرها السلبي في الجسم. توعية التلاميذ بطرق حملها أكّد بعض الأطباء أنه يجب على الآباء والمعلمين جميعاً توعية التلاميذ حول كيفية حمل الحقيبة المدرسية بطريقة صحيحة بوضعها على الكتفين بشكل صحيح، وضرورة توزيع الكتب والدفاتر واللوازم الأخرى على الجدول اليومي، واختيار الحقائب المدرسية المناسبة والصحية لأبنائهم من حيث التصميم والحجم والوزن، واختيار الأنواع التي تحتوي على حزامين عريضين يثبتان الحقيبة على الكتفين مع حزام يلتف حول خصر الطالب لجعل وزن الحقيبة بين الكتفين والظهر والحوض، إضافة إلى حشوة اسفنجية تقابل الجهة الملاصقة للعمود الفقري طولياً وتوعيتهم بضرورة الاستعانة بالبرنامج المدرسي للحصص اليومية فقط. وقد نفى بعض الأساتذ عدم التزامهم بالجدول المدرسي اليومي، مؤكدين اهتمام المعلم والمدرسة بالجدول اليومي للحصص، وذلك ضمن الخطة التي تضعها المدرسة من أول يوم وحتى نهاية العام. وفي هذا الشأن أوضح أحد الأساتذة قائلا: "لا أتّفق مع الحديث الذي يوجّه أصابع الاتهام للمدرسة بأنّها السبب في جعل الحقيبة المدرسية ثقيلة على ظهر التلميذ، بإجباره على حمل كل الكتب والكراسات وإن لم يتضمنها الجدول الثابت". ويعترف محدثنا بحقيقة عبء وثقل المحافظ المدرسية التي تفوق قدرة الأطفال، فهي تكاد تكون مكتظة بكتب وكراسات ، والعديد من التلاميذ يعيدون التفكير ألف مرة في الصباح الباكر في الحمل الثقيل المتمثل في الحقيبة المدرسية التي لا يستطيع الشخص الراشد حملها. لذا قال أنّه يناشد المسؤولين بوزارة التربية والتعليم النظر بعمق في هذه المسألة الخطيرة التي تهدد صحة الأطفال ولياقتهم البدنية، مؤكدا أنّه لابد من التفكير في حلول بديلة كتخفيف المواد الدراسية أو الاتجاه لحلول تقنية للكتاب والكراس أو دولاب خاص لكل طالب لحفظ كتبه أو الرجوع للأدراج ذات الأقفال. كما طالبت معلمة في التعليم الابتدائي من الأساتذة ألاّ يخضعوا التلاميذ لأسلوب المحاسبة والعقاب إذا نسي أحد أدواته بالمنزل، مشيرة أنّها تشفق كثيراً على التلاميذ من حمل الحقيبة الثقيلة، قائلة: "إنّني أعرف تماماً مشكلاتها الصحية المستقبلية، ولقد زارتني أمهات كثر وقدّمن شكوى أطفالهن من ثقل الحقيبة المدرسية، لكن هذا الأمر لا يتوقف عندنا، فنحن نتّبع المقرر التربوي المبرمج من الوزارة وعدد الحصص والساعات التي يجب تدريسها في اليوم والأسبوع"، مضيفة: "أنادي بعمل كشف طبي دوري بالمدارس على العمود الفقري للطلاب للتأكد من سلامة صحتهم جراء حمل الحقيبة الثقيلة، مؤكدة في ذات الصدد أنّ آلام الظهر تؤثّر سلبا على التحصيل الأكاديمي للطفل، فطالما الحقيبة ثقيلة على ظهر الطالب فأنه سيظل دائم الشكوى من آلام مختلفة على جسده، ما ينعكس سلبياً على تحصيله التعليمي، فالعديد من الأطفال يصلون إلى المدارس والتعب أنهك أجسادهم نتيجة هذا الحمل الثقيل، ناهيك أنّ البعض منهم يعاني من آلام الظهر ويجدون مشاكل في الجلوس بكراسي الطاولات المدرسية، ونتيجة لذلك . وبين هذا وذاك، طالب الأولياء والأساتذة من الوزارة بضرورة تقسيم الكتب المدرسية إلى أجزاء للتخفيف من ثقل وزنها، وكذا تزويد المدارس بالأدراج المقفلة لوضع الطلبة كتبها فيها وإنهاء مشكل حملها يوميا إلى المنازل.