مقاربة موحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة كتقليد دأبت عليه رفقة نظيراتها بالدول العربية، أحييت أمس، المديرية العامة للأمن الوطني، يوم الشرطة العربية المصادف ل18 ديسمبر من كل سنة، في حفل مميز نظم بالمدرسة العليا للشرطة «علي تونسي» وحضره إطارات من الشرطة، وممثلين عن وزارة الداخلية والجماعات المحلية والمدير العام للحماية المدنية، ومدراء المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة. وفي كلمة للمدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغني هامل، قرأها نيابة عنه العميد الأول للشرطة بودالية جيلالي، اعتبر الاحتفال السنوي بهذا اليوم، فرصة للتذكير بالدور الحيوي والحاسم الذي يقوم به رجال الشرطة في الحفاظ على أمن المواطنين وممتلكاتهم وفي استقرار البلاد وتقدمها، على اعتبار أن الأمن هو الركيزة الأساسية لأي تنمية اقتصادية واجتماعية. ولأن السلم والأمن والاستقرار، تعدّ من الشروط الضرورية لأي رقي، وهدف يسعى إلى تحقيقه قادة الشرطة والأمن العرب، من خلال تعزيز التعاون فيما بينهم، فقد بات على أجهزة الشرطة في الدول العربية «اليوم أكثر من أي وقت مضى» يقول المدير العام للأمن الوطني تجنيد كل طاقاتها وجمع قدراتها لإرساء تعاون فعال فيما بينها، من أجل مكافحة كل أشكال الإجرام لاسيما الجريمة المنظمة العابرة للأوطان، والجرائم المستجدة التي أفرزتها التحولات العميقة التي يعرفها العالم اليوم، خاصة وأن هذه الظواهر الخطيرة أثبتت التجربة بشأنها أن إمكانيات وقوة وجهود أي بلد بمفرده غير كافية لمواجهتها، مما يستلزم عملا أمنيا مشتركا ومقاربة موحدة وقدرا كبيرا من التنسيق. وبالرغم من الإنجازات التي تحققت عقب أول مؤتمر لقادة الشرطة والأمن العرب عام 1972 الذي يعد أرضية انطلق فيها التعاون الأمني العربي بشكل فعلي، حيث تم معالجة العديد من القضايا الأمنية المشتركة، وإعداد وإقرار العديد من الاتفاقيات الأمنية التي أعطت نتائج إيجابية، فضلا عن الإستراتيجيات والخطط الأمنية المختلفة المتعلقة بمكافحة كافة أشكال الإجرام، إلا أن ما ينتظر الشرطة كثيرا، بالنظر إلى تطور واستفحال الإجرام وخاصة الجريمة المنظمة التي تغذي الإرهاب باستغلال التطور التكنولوجي الكبير، وهو ما يشكل تحديا حقيقيا سيواجه قادة الشرطة باعتبار أن هذه الجرائم عابرة للأوطان تتطلب تنسيقا وتعاونا عربيين فعالين واتخاذ إجراءات ملموسة ووضع قراراتهم حيز التنفيذ، الأمر الذي يفرض تضافر الجهود لإقامة تعاون عربي حقيقي وفعال في هذا المجال، خاصة أمام تطور العمليات الإرهابية كما ونوعا والتزايد المطرد للجرائم المنظمة، سيما الاتجار بالأسلحة والمخدرات وتبييض الأموال والهجرة غير الشرعية والجرائم الإلكترونية. وأمام هذا الوضع، يستوجب حسب اللواء هامل تعزيز آليات التعاون الحالية ووضع آليات أخرى للتعاون العملياتي في مجال مكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير، وتكثيف الجهود في هذا الشأن من خلال تبادل المعلومات والمعطيات ما بين الأجهزة المختصة في الدول وخاصة المتجاورة، لتأمين الحدود المشتركة وتضييق الخناق على الجماعات الإجرامية لمنع تنقلها عبر الحدود وللتصدي لشبكات تهريب المخدرات وكافة المواد المحظورة التي تستخدمها المجموعات الإجرامية. من جهة أخرى، شدد اللواء هامل على ضرورة تبادل المعلومات بشأن الشبكات والعناصر الإرهابية الدولية ومصادر تمويل عملياتها والعمل على تعزيز آليات مكافحة تمويل الإرهاب سارية المفعول سواء على المستوى الجهوي، أو على المستوى الدولي ودعمها بإجراءات جديدة للحد من تدفق الأموال على الجماعات الإرهابية والمتأتية أساسا من عائدات تهريب المخدرات وكذا من الإبتزاز والاختطافات والفدية التي تدفعها بعض الجهات لتحرير الرهائن. ولأن المعالجة الأمنية لا تكفي لوحدها للحد من الإجرام، فقد بات من الضروري يضيف اللواء هامل - العمل على الوقاية من العوامل التي تؤدي إلى العنف والإرهاب من خلال إجراءات مكملة تشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والسياسية والقانونية، بالإضافة إلى إشراك وسائل الإعلام ومختلف فعاليات المجتمع المدني في هذه الجهود، وإيلاء العناية لإرساء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الشاملة. ووافق الدكتور محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب رأي اللواء هامل في ضرورة إشراك المواطن، وممثلي المجتمع المدني في مكافحة الجرائم حيث أكد في كلمة له بالمناسبة قرأها نيابة عنه رئيس مكتب التعاون الدولي، أن أي عمل أمني لا يحظى بدعم ومساندة المواطنين محكوم عليها بالفشل إذا لم يكن المواطن شريكا في تجسيدها، لذا بات من أولويات «جهودنا العمل على تعزيز العلاقة مع المواطن وفعاليات المجتمع المدني، خاصة وأن الذين لا يرغبون في استتاب الأمن لا يدخرون جهدا في تكسير هذه العلاقة». وأضاف ينبغي علينا تعزيز هذا الشعور من خلال تمتين اللحمة بين الشرطة والمجتمع عن طريق المضي قدما عن طريق احترام وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم كل أوجه الدعم لهم في إطار شرطة مجتمع قريبة من هموم المواطنين حريصة على مد يد العون لهم في كل مناحي الحياة، والعمل أيضا تعزيز شعور لنجاح العمل الأمني. وشدد الدكتور محمد بن علي كومان على ضرورة الوقوف بصف واحد في وجه الإجرام وتسخير كل الإمكانيات من أجل أمن المواطن وسلامة الوطن، في هذه الظروف التي تشهد تحولات أمنية، وتحول شبه يومي لمجالات الإجرام وأشكاله، مضيفا «نحن بحاجة إلى استحضار روح 18 ديسمبر إلى رصّ الصفوف وتعزيز التعاون، لمواجهة الفعالة لكل التهديدات الأمنية».