لبست بونة اليوم لباسها الحزين، وانخرطت في تراجيديا الحزن والفراق، مودعة إبنها بالتبني الشاعر والإعلامي والأديب عمر بوشموخة... الفاجعة كبيرة.. والمصاب أكبر، في فقدان شخص عرفناه عن قرب، سافرنا معه، وقرأنا معه.. وحاضرنا معه، وكان الرفيق والصاحب، والموسوعة أيضا. عمر المتميز.. عمر المرهف الحسّ، إلى أقصى وأبعد حدود الجغرافيا، عمر المتواضع البسيط.. المواطن العادي الذي يحمل هموم، من حوله، «عمر» الإذاعي صاحب الصوت الخفي.. يتحدث لكنك لا تسمع أثرا لبحّات صوته... الممزوجة بلكنة جيجلية متميزة. «عمر» الفقيد، منذ ثلاثة أيام فقط، كتب على حائطه بالفايس بوك ومضة شكر وعرفان لكل الأصدقاء الذين سألوا عنه... والذين زاروه بالمستشفى بعد عملية جراحية في القلب، كتب لهم بلغته المتواضعة والبسيطة، والتي تنبع من قلم يدرك أن الإحساس المتبادل، مع الأخر أهمّ من كنوز الدنيا. وقد كتبت أول أمس على جدارك، أستسمحك لأنني جئت عنابة ولم أزرك، وتصادف ذلك يوم خروجك من المستشفى، وذهابك إلى مدينة ميلية. من لا يعرف عمر بوشموخة، أكيد لا يعرف الساحة الأدبية في الجزائر من خلال أسمائها وكتابها وشعرائها، وقصاصيها، لأنه كان يشرف على الصفحات الأدبية، عبر العديد من الصحف الوطنية التي مازالت شاهدة على مروره، والتي غيّبتها الظروف.. عمر بوشموخة... أجيال وأجيال، مرّت من هنا، كانت بصمته حاضرة وقويّة.... كم هي صعبة كلمة الفقيد، وكأنني لم أستسغ أنه غادرنا إلى حيث لا رجعة، غادرنا، ونحن مازلنا نحمل له حضوره القويّ عبر الملتقيات الأدبية داخل الوطن وخارجه. «عمر بوشموخة» أيّها الصديق... أيّها الرفيق... يا من غادرتنا إلى العلم الآخر... وروحك تصرّ أن ترحل قبل نهاية العام... غادرتنا ليكون موتك إضافة إلى قائمة الراحلين والمغادرين، من الأدباء والكتّاب والشعراء... «عمر» أيّها الصديق... القادم إلى عليين... هناك، ستلتقي عبد الله شاكري، وبوخالفة، سميرة، وحيرش، وبختي، والسبتي والقائمة طويلة، وطويلة... «عمر» أيّها الأديب الناقد، كيف أنساك وأنت الذي كتبت لي مقدمة أول باكورة أعمالي «عام 1994» ساعتها، قلت: أنت ما تخافش ياصاحبي... ثم قلت لي: سأكتب لك المقدمة، والموت واحدة لا تفرق، كم مضى على كلمتك في مجموعتي الأولى «زمن العشق الآتي». مازلت أذكر جيدا، عندما ذهبت إلى القاهرة، وقرأت الفاتحة على روح السيدة أم كلثوم... وماذا حدث بعدها، بينك وبين المواطن المصري، حاول أن يستفزّك.. لكنك أوقفته عند حدّ الكلام.. وأدرك أن الذي أمامه، هو موسوعة متنقلة من المعرفة والفكر، والفن والأدب. عمر بوشموخة.. أيّها الصديق الراحل إلى موطن البقاء الأزلي.. إننا نحفظ لك ديكور الفوضى الذي تريد.. والذي تفضل.. سنذكرك طالما، نبض الوريد إلى الوريد... سنذكرك كلما مررنا، بساحة الثورة بعنابة... أو مررنا بمقر إذاعة بونة.. سنذكرك حتما.. في أمسياتنا، وندواتنا... سنذكرك، لتبقى حيا بين النفوس، لا ترحل. وداعاً أيّها الأديب... وداعا عمر بوشموخة.. ومواساتنا لبونة من بعدك أيّها العزيز، نم قرير العين... لأننا حتما سنلتقي وإيّاك.