بداية الثمانينات، وقف وينبرغر أمام حشد المقاتلين في مدينة بيشاور الباكستانية، على الحدود الأفغانية مخاطبا إياهم: أنتم مجاهدو الحرية. ستدعمكم الولاياتالمتحدة،، وينبرغر كان آنذاك مستشارا للأمن القومي في إدارة جيمي كارتر، الذين وجه لهم ذلك الخطاب كانوا من الفصائل المعارضة لنظام كابول المدعوم من السوفيات حينئذ وكان بينهم الآلاف من «الجهاديين العرب» وكان في طليعتهم أسامة بن لادن منظم القاعدة وعبد الله عزام أبوها الرومي .. هكذا أولدت القاعدة التي أصبحت اليوم عبارة عن أخطبوط يلف العالم كله، هي في هذه الحالة تشبه ذلك الثعبان ذو الرؤوس السبعة، كما تقول الأسطورة كلما قطع رأس ينبت آخر مكانه. لا أريد أن أتحدث عن تاريخ إنشاء هذا زالتنظيم الذي كان صنيعة المخابرات المركزية وكانت بيشاور مدجنة تفريخه تحوّل الآن إلى ما يشبه ما نشاهده في بعض التجارب وينتشر إلى المحيط ويحدث تلك الأضرار والفوضى وينقلب على من أوجدوه وعلى من اخترعه. السحر ينقلب على الساحر في هذه الحالة. أطلق قاسبار وينبرغر إذن، ذلك الوحش المبرمج لكنه خرج عن نظام السيطرة وعن البرمجة الأصلية. وفي البداية تحوّلت أفغانستان التي كانت موطن «مجاهدي الحرية» حسب خطاب الرجل إلى بلد موجود، نصفه اليوم حليف ونصفه عدوو خصم، وخرج أسامة بن لادن عن المسار المرسوم له، وتحوّل إلى عدو شرس .. هل هو حقيقة كذلك؟ من الصعب الإجابة بدقة عن السؤال لأن تشابك خيوط اللعبة وانتشار الوباء بعد ذلك كانت له فوائد مقارنة بالأضرار، وظفتها الولاياتالمتحدة لمضاعفة هيمنتها وتدخلاتها العسكرية. وإضعاف الخصوم أو استمالتهم. واشنطن إبان إدارة المحافظين الجدد بقيادة بوش الابن غزت أفغانستان في عهد الطالبان، وأسقطت حكمهم ونظامهم الذي تحالف من القاعدة، لكنها خلقت طالبان آخران في باكستان، الدولة الحليفة. غير أن الأخطر كان غزو العراق وإسقاط دولته. وتركه عرضه للتجاذبات الطائفية والمذهبية والصراع الداخلي الذي تغذيه أطراف إقليمية بعضها حليف لواشنطن. إن الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها واشنطن أيضا في عهد بوش هي معادلة طرفها الثاني القاعدة وتفرعاتها، باعتبار أن طرفها الأول هو ما تضعه الدوائر العسكرية والمخابراتية ضمن استراتيجية كونية للولايات المتحدة، وقائل قد يقول ما هذه (؟؟؟؟؟؟؟) والعدو اللذوذ لواشنطن هي القاعدة ؟ الإجابة ببساطة أن ذلك صحيح ولكنه نسبيا وقد سبق للفيلسوف «كنت»، أن قال ما وراء جبال البريني حقيقة أخرى ... القاعدة هي عدو في العراقوأفغانستان واليمن، لكنها حليف في سوريا وفي مواقع أخرى. ذلك أن الهدف الكبير لواشنطن في المشرق العربي هو إسقاط الدولة في سوريا مثلثما أسقطت الدولة الوطنية في العراق، ولابأس من استخدام التوابل التي يبتلعها بسهولة السذج مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ضمن هذا السياق، فإن فصائل تكفيرية تنتسب كلها فكريا إلى القاعدة هي حليف هنا باعتبار أن المصلحة العليا لواشنطن تقتضي ذلك وواشنطن لا تنفي أنها لا تهابها لتدجينها وجلبها إلى صفها وأعتقد أنها نجحت إلى حد ما في ذلك من خلال الوكلاء المحليين. كما أن اليمن قبل أن يكون لها موقع قدم فيه قبل الخطة الخليجية التي أدت إلى انسحاب علي عبد الله صالح كان موبوء بمقاتلي القاعدة ولم تتدخل واشنطن ضدهم، غير أن الأمر اختلف بعد أن أصبح لها وجود هناك وقواعد في جزيرة سوقطرة. ومن ثم خرج من المنطقة الرمادية التي كان فيها لا حليف ولا عدو، لكنه بلد لا يؤثر فيه، وعلينا أن تتذكر أن الدول الوطنية هي دوما خصما لواشنطن حسب تقييمها لأن هذه الدول مهما كان شكل أنظمتها، هي غيورة على سيادتها. والسيادة بالنسبة لواشنطن والغرب عموما هي أيضا مفهوما نسبيا، خاصة بعد اختلاف واجب التدخل لأسباب إنسانية وإحدى أدواته القانونية نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية التي تطبق أحكامها على كل الدول ماعدا حكومة الولاياتالمتحدة ! الساحل موبوء بالقاعدة وتفرعاتها. وهو تحت المجهر، لكن الولاياتالمتحدة «تبشرنا» أن هذا الفصيل الإرهابي بإمكانه القيام بعمليات كبيرة مثل ما حدث في عين أمناس منذ سنة. ذلك ما يستشف من تصريحات قائد «الأفريكوم» الأخيرة !! ألا يعني ذلك ترهيبا رخيصا للبلد الوحيد في المنطقة الذي يحارب القاعدة وأخواتها منذ أكثر من عقد وأعني هنا الجزائر؟!