ما يسمى بالتقارير الأجنبية المتداولة لأداء الاقتصاد الجزائري تصنّف في خانة أحادية الجانب في حديثها عن النشاط المالي والحركة التجارية في هذا البلد... مستعينة «بمصادر» لا تحوز على المصداقية الواجب توافرها عند طرح كل تلك المسائل، سواء الآتية من صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي، أو من جهات اعتدنا في «أقوالها» على «اجتهاد» خارق للعادة عندما يتعلق الأمر بالجزائر. ولابد من الإشارة هنا إلى أن صياغة هذه التقارير لا تراعي حدّا أدنى من الأخلاقيات المهنية المتعارف عليها... أي ما يشدد عليه الكثير وهي «الأمانة العلمية»، خاصة التلاعب بالأرقام والإحصائيات... وهذا بالتغاضي عن مرجعيتها، كون الجهة الوحيدة المخول لها قانونا القيام بهذه المهمة، الديوان الوطني للإحصائيات. هذا الديوان لا يتوانى في عرض كل ما لديه من معطيات... وبخاصة المتعلقة بالمؤشرات، سواء النمو، التضخم والبطالة... دون أي قراءة أخرى، ماعدا إبراز تلك المستويات في العملية الإقتصادية... بالإضافة إلى تقديم تقييم عن السقف الذي بلغته فاتورة الاستيراد بالنسبة للحبوب والدواء والحليب... استنادا إلى مايوجد عند الجمارك من حسابات. ما تتضمنه تلك الادّعاءات... أنها سقطت في خلفيات لا تريد أن تتخلص منها... سواء تحسن الاقتصاد الجزائري أو لم يتحسن... خبراؤها يبنون أحكامهم بالاستناد إلى سنوات التسعينيات من القرن الماضي... وهي نصائح أكثر منها توصيات جادة... منذ عشريتين كاملتين... ونطاق الكلام لا يخرج عن المحاور التالية؛ تنويع الاقتصاد الجزائري، أي عدم الاعتماد على المحروقات، وتحسين مناخ الأعمال، وفتح مجال الاستثمار، وتغيير عمل الإدارة بالقضاء على كل أشكال البيروقراطية. ماهي القراءة المستخلصة من كل هذه المحاور؟ لابد من القول بأن هولاء شغلهم الشاغل... وهمهم الوحيد والأوحد هو البحث عن آليات تسمح لهم بدخول السوق الجزائرية بالسهولة التي يأملونها دون مرافقة من السلطات العمومية فيما يخص احترام القانون المتحكم والمسيّر لكل الفعل الاقتصادي بمفهومه الشامل... ولنا في ذلك تجربة مريرة مع متعاملين تصرفوا وفق مزاجهم الخاص، مما كلف الجزائر أضرارا جسيمة على أكثر من صعيد... والتحويلات غير الشرعية للعملة الصعبة وتجاوز السقف المتفق عليه خير دليل على ذلك... كما أن هناك من اعتقد بأنّ بإمكانه البيع والشراء دون استشارة الجهات المسؤولة، لذلك كان الرد على كل هذه الممارسات، الإسراع بضبط الأمور بأحكام، كفرض قاعدة (49/51)، ومبدأ حق الشفعة ومنع التحويلات المالية للخارج بطريقة فوضوية. كان لابد من الذهاب إلى هذه الإجراءات الصارمة حتى تصحح الأمور ويكتشف كل المتعاملين الملتزمين والمفترضين بأن هناك إطارا قانونيا في الجزائر لا يمكن التحايل عليه أو تجاوزه... أو العمل وفق منطق لا يليق بمقام المعاملات المتعارف عليها في عالم المال والأعمال. وهذا التوجه للسلطات العمومية أعاد الكثير من الأشياء إلى نصابها... بتوضيح بدقة فضاء الاستثمار والفرص المتاحة في الجزائر على أن كل قواعده قانونية... والتحفيزات الممنوحة لا تعني أن كل شيء بالمجان... أو أن المستثمر فوق القانون. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد... بل إن مضامن هذه التقارير لا تجرؤ على ذكر الإنجازات الضخمة التي شهدتها الجزائر... كالميترو والترامواي، الطريق السريع، السدود والسكنات... لم نقف على أي اعتراف في هذا الشأن... وهذا ما نعتبره قفزاً على حقائق الإنجازات وهروبا إلى الأمام... ليس من باب الإنصاف أن تختص هذه المؤسسات المالية في تعداد السلبيات فقط، أو الولوج في دائرة ضيّقة لا تتعدى النمطية والقوالب الجاهزة في الحكم على الآخر على أن اقتصاده مريض أو مهلهل... دون العودة إلى الواقع والتحلي بالموضوعية في وصف أوضاع البلدان التي تعمل على تحقيق الرفاه الاجتماعي للساكنة... مثلما يحدث في الجزائر التي خصصت موارد مالية هامة لترقية كل القطاعات الحيوية... وتوسيع مجال الاستفادة منها... للأسف، كل ما أنجز في الجزائر خلال قرابة عشريتين لا نجده في تقارير الأفامي والبنك العالمي... وجهات أخرى التي تجد لذة في نبش كل ما يتعلق بهذا البلد... وفي كثير من الأحيان نشتمّ منها رائحة دوائر تحرجها كثيرا الجزائر... في سياستها التنموية التي انتهجتها من أجل الارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة والإنجازات والأرقام تشهد على ذلك. ونشير هنا إلى وكالة «كوفاس»، التي كانت قد صنّفت الجزائر، مؤخرا، في خانة البلدان التي تمتع بمناخ أعمال جيد بإمكان المستثمرين الخوض فيه... وهذا في حد ذاته اعتراف من هذه الهيئة بالتحسن الملموس الذي أدخل على تحفيز وتشجيع المتعاملين في مرافقة هذا الخيار في الجزائر، بالرغم من أن ماورد في هذا التقرير عليه تحفظات كبيرة، خاصة وأن التنقيط الخاص بالجزائر يتجاوز (A4) للتقييم و8 لمناخ الأعمال.