الحدث الاكثر انجذابا في سنة 2008 هو التعديل الجزئي للدستور الذي فعلا لم يتغاض عن الشق المتعلق ببعث الذاكرة الوطنية والتاريخية للشعب الجزائري وهذا من خلال تشديده على ان الدولة الجزائرية هي صاحبة المبادرة في كتابة تاريخ ثورة اول نوفمبر المجيدة. وهذا يعني ضمنيا بأن السلطات العمومية ستتولى كتابة وتدريس هذا التاريخ بشكل عقلاني يختلف اختلافا جذريا عما يتم تدوينه وتلقينه للاجيال الصاعدة من تلاميذ وطلبة والذي يصنف حاليا في خانة الفشل الذريع للمنظومة التربوية في توصيل رسالة نوفمبر وقيم كفاح الشعب الجزائري للاطفال خاصة. للاسف هذه القيم الثورية والنضالية والتربوية والاخلاقية غير موجودة بتاتا في كتب الدراسة كل ما في الامر ان هذه المراجع اثرت كثيرا في ذهنية التلميذ وجعلته بعيدا كل البعد عن ما يتطلب الامر في مثل هذه المواقف الوطنية الهامة والحساسة اين الخطأ يا تري؟ من الصعوبة بمكان تحديد مواطن الخلل في مثل هذه الامور او عندما يتعلق الوضع او الحديث بتاريخ الثورة. لكننا نقول بعد اطلاعنا على كتب التاريخ وحديثنا مع اساتذة تدريس هذه المادة الحية انه يتحتم اعادة النظر في مجمل الكتب المدرسية وكذلك تغيير المناهج البيداغوجية للتدريس و..و..و.. ولا بد هنا من التأكيد على شيء جوهري وهو الارادة السياسية المتوفرة لدى السلطات العمومية في تقنين هذا المبدأ ودسترته في اعلى وثية للبلاد.. وبالاضافة الى هذا فان المنطلق الواضح هنا هو ان المادة او المواد المتعلقة بتدوين وتدريس التاريخ ستكون المصدر الذي يستلهم منه ما في الخطوات المندرجة في هذا الشأن. ونعني هنا اتباع حرفيا ما ينص عليه الدستور في هذا الامر الخاص.. ليطرح بتأن وهدوء على المختصين ليقدموا للتلاميذ مادة قابلة للتعامل معها تعتمد على مبدأ الابداع بدلا من الطرق الجامدة والتقليدية في التدريس كما هو الوضع حاليا في مؤسساتنا التربوية.. حيث كتاب التاريخ لا يمت بصلة للمفهوم البيداغوجي المتعارف عليه فأخذ قاعدة التعقيد واهمل التبسيط، فلا يعقل ان نجد نصوصا في درس واحد الاول عام يتحدث عن حقبة معينة ثم توضع الى جانبه نصوص اخرى للباحثين في هذه المادة مؤطرة باللون الاصفر او الاحمر وغيره ويسمى ذلك بالوضعية الادماجية ونعتقد بأن فيما يتعلق بالتاريخ فانه لا يعقل ان نشوش على ذهنية التلميذ انطلاقا من مبدأ التعامل مع المعلومة وليس الارقام. لذلك فإنه على وزارة التربية الوطنية ان تشرع من الان فصاعدا في التفكيير في الآليات العملية التي يستدعي الامر اللجوء اليها قصد اعداد المنطلقات والمحاور الكبرى حول كيفية تدريس مادة التاريخ ونأسف انه منذ عدة شهور لم تتحرك الوزارة من اجل جمع شمل المختصين في هذا المجال من مفتشين واساتذة في دورات تدريسية تحت اشراف باحثين في مادة التاريخ والتوجهات البيداغوجية في هذا الاطار، فماذا تنتظر هذه الوزارة؟ وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى ان المرحلة القادمة تنبذ اي مسعى لا يقوم على الابداع والتبسيط في الحديث عن ثورة اول نوفمبر المجيدة، وهذا شرط لكل عمل يتوجه نحو اثراء المنظومة التاريخية في المدرسة الجزائرية. لماذا تسييس التاريخ؟ في كل هذه الرؤية تجاه كتابة تاريخ ثورة اول نوفمبر المجيدة نتساءل عن الاسباب الكامنة وراء »تسييس« هذا التاريخ وادخاله في متاهات اخرى غير التي كان يأملها كل منشغل بحقل هذا الفضاء في الجزائر. منذ الندوة التاريخية الاخيرة حول المجاهد المرحوم عمار بوقلاز والاستماع لشهادات البعض من المجاهدين الذين عايشوا الاحداث عن قرب بالقاعدة الشرقية اندلع نقاش شائك بين رفقاء السلاح لم يقتصر على تلك المنطقة محل البحث بل تجاوز الامر الى تناول مسائل تتعلق بابعاد وخلفيات مسار الثورة منذ انذلاعها الى غاية انجاز الاستقلال. هذا النقاش اخذ تطورا مطردا عبر صفحات الجرائد ففي كل مرة تظهر شخصية تدلي بدلوها حول ما قيل عنها في ندوة عمار بوقلار او ما صدر عن شخصيات سياسية حالية تجاهها. وفي كل هذه الشهادات التاريخية كان هناك الرأي الاخر المخالف للرأي الاول مع اضافات بارزة حيال قضية معينة اثيرت من قبل احد »التاريخيين« والميزة الاساسية او المسحة الشاملة في كل هذا النقاش هو الطابع المسيس للتاريخ من خلال محاولة ادراج مسائل حساسة في خانة المطلق او السعي من اجل التأثير في جيل الاستقلال وجعله يكفر بهذه الثورة ورجالها، والصاق تهم برموزها على انهم »قتلة« وهو للاسف خطاب الاستعمار الفرنسي لذلك فان الكثير من متتبعي احداث الثورة وقعوا تحت صدمة ما ورد في اعمدة الصحف حول فلان وعلان. وسارعوا الى ابداء مواقف اندفاعية و»ظرفية« تتحدث حاليا عن مقاضاة شخصية تاريخية وتحميله مسؤولية ما وقع عقب الثورة. ❊ فهل بتسييس تاريخ الثورة نتأثر او يتأثر البعض الى هذه الدرجة من الانفعال والغضب والشعور بالضرر المعنوي؟ ❊ ولماذا فتح البعض هذه الجبهة المتعلقة بسيرورة الثورة؟ ❊ ولماذا ركز البعض على المسائل الشخصية التي كانت محل اخذ ورد بين القيادات انذاك؟ ❊ لماذا تنقل الحديث من القاعدة الشرقية الى قضية العقيد شعباني؟ ❊ وهل هذا النقاش ظاهرة صحية أم عمل مناف في الحديث عن تاريخ الثورة؟ فلأول مرة يأخذ الحديث عن الثورة مسارا آخرا غير الذي وقف عليه الكثير منذ الاستقلال ونعني بذلك »تشخيص الوقائع« بتحميل المسؤولية للغير في مسيرة اكبر نضال ضد الاستعمار عرفته البشرية خلال القرن الماضي واستكمالا للتساؤلات السابقة فالى اي مدى تكون المعلومة الواردة على لسان »رواتها« ذات مصداقية وقابلة للاخذ بها؟ لا بد من الاشارة هنا الى مسألتين اساسيتين في اول شهادة صدرت عقب ملتقى عمار بوقلاز وهما: ❊ أولا: الحديث دار في المقام الاول عن القاعدة الشرقية ❊ ثانيا: تحول الحديث الى قضية شعباني. من هنا تعقدت الاشياء بشكل لا يمكن التحكم فيه او السيطرة عليه وهذا من خلال دخول عنصر آخر هذا النقاش وهو وسائل الاعلام المكتوبة اي الصحف التي تلقت هذه الاحداث من زاوية واحدة فقط المتمثلة في موت العقيد شعباني.. فهل تبني هذه القضية من قبل الصحافة هو بحث عن الحقيقة ام متاجرة سياسية بها؟ نعتقد بأن فتح ملف شعباني بهذا الشكل اساء كثيرا للذين تحمسوا لاثارته نظرا للآثار المترتبة عنه من ناحية الخلفيات المراد الوصول اليها.. ولا ندري لماذا هذا التمادي في البحث عن التفاصيل الاخرى المتعلقة بالقضية؟ وتناسي الجميع الضرر المعنوي الذي يكون قد الحقه البعض بالرئيس السابق احمد بن بلة. وقد يخطىء من يعتقد بأن المسألة بسيطة تتعلق بالاثارة الاعلامية او الصحفية.. هذا غير صحيح كان الاجدر ان نواصل كجزائريين الدفاع عن المبادىء الوطنية وقيم الثورة التي رسخت قاعدة العدالة الاجتماعية بين ابناء الشعب الواحد، والمساواة والانصاف والدعوة للعمل وبذل المجهود اكثر والتفكير في ما بعد عهد البترول لرفع تحدي التنمية الوطنية. هذا هو الانشغال الواجب ان يكون امام اعيننا بدء من سنة ,.2009 ونترك للتاريخ ما هو للتاريخ حتى لا يتم الاساءة لاي شخص من الجزائريين المجاهدين لان ما اقترفه بيجار واوساريس وشميت وسالان وسوستيل وجلادون اخرون من جرائم ضد الشعب الجزائري يتطلب الامر متابعتهم وادانتهم عبر هذه الصحف بدلا من اثارة اشياء اخرى. ------------------------------------------------------------------------