تنفذ عصابات الكيان الصهيوني محرقة بمعنى الكلمة في قطاع غزة، حيث يتعرض السكان العزل لإبادة بشرية في ظل صمت دولي لا يتعدى ردّ فعله مجرد إطلاق عبارات إدانة بروتوكولية من قلة ضمير لديهم، أو دعوات لتهدئة مغشوشة من كبار العالم الذين اصطفّوا خلف جيش النظام الصهيوني العنصري، يذرفون دموع التماسيح ويتظاهرون بالبكاء على الضحايا... يا له من عالم أناني ومنافق، تراجعت فيه منظومة القيم والمبادئ التي بني عليها النظام العالمي غداة الحرب العالمية الثانية، واختفى منه أولئك الذين كانوا يطلقون صرخاتهم المدوية كلما تعرض العالم لخطر الانزلاق إلى اندلاع حروب أو تجاوز الظلم المدى المقبول في قواعد الحرب... في عيد الفطر، تجرأت القوات الصهيونية للكيان الإسرائيلي على استهداف اللاجئين الفارين من العدوان، بضرب مواقع يحميها – من حيث المبدأ – القانون الدولي الإنساني كالمستشفيات والفضاءات التي يحتمي بها الأبرياء، فقتلوا العشرات من الأطفال والنساء بدم بارد، في محاولة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني ومحاولة إجباره على الاستسلام، مستفيدين من صمت عالمي مطبق، لم تؤثر فيه بعض المسيرات والاحتجاجات في كبريات العواصم... حتى الإعلام العالمي الذي يصنع الرأي العام في الدول التي تصنّف بالعالم ‘'المتحضر''، يبدو أنه تأثر بقرار السياسيين عندهم، فانحاز للمعتدي، بالترويج لادّعاءاته غير السليمة والمفبركة، متجاوزا الكارثة الإنسانية التي يصنعها المشهد الفلسطيني في غزة التي تحترق بنيران العنصرية. لقد انهارت منظومة القيم الإنسانية وتفوقت المصالح الضيّقة لكبار العالم، لا يهمّهم شعب أو قضية أو مبدأ... وحتى منظمة الأممالمتحدة لم تفرض قرارها لنجدة المدنيين، تطبيقا للمعاهدات الدولية ذات الصلة... أكثر من هذا، لم يعد يسمع صوت للدول والشخصيات راعية مسار السلام في الشرق الأوسط، كأنها تخلت عن مسؤولياتها الدولية، مما فسح المجال أمام الدولة الإرهابية ‘'إسرائيل'' لتنفذ مشروعها لاستئصال ما تبقى من أبناء فلسطين وتشريدهم من جديد، مستفيدة من انقسام صفوفهم وكذا التغيّرات التي تعرفها المنطقة جراء الصراعات العنيفة والمدمرة التي تواجهها دول بالمنطقة، في إطار مسار ‘'الفوضى الخلاّقة''، أو بالأحرى الفوضى المدمّرة للشعوب، التي تشمل كل ربوع تلك المنطقة الملتهبة. بلا شك أن لكل بلد حساباته، لكن أين هو البعد الإنساني في العلاقات الدولية وبالذات من كل هذا الذي يجري، على الأقل في ضوء القانون الدولي، الذي يبدو أنه يتعرض لموت حقيقي، أمام جبروت القوة العسكرية وحرب الإبادة البشري. حقيقة إنها إبادة، طالما أن القصف الممنهج يستهدف بالأساس الأطفال والنساء والمقدرات المعيشية للمجتمع في غزة، وقريبا منه، يعيش نصفه الآخر في الضفة الغربية تحت الوعيد والتهديد بأن يكون له نفس المصير، إذا ما بادر بموقف معارض لكيان الاحتلال، وقد طالته الجريمة نفسها باغتيال عدد من الشباب المتظاهر لنصرة المظلومين في غزة... في هذه الرقعة الجغرافية الضيقة والمحاصرة من كل الجهات وفي القرن 21، تتكرر صور الجرائم النازية التي يدينها العالم الحر في قراءته للتاريخ ولا يدينها اليوم. هل لأن الكيان الذي يرتكبها هو من صنيعة النظام العالمي، القائم غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولذلك سوف يستمر الغرب في تدعيمه، حتى لو ارتكب المحرقة، طالما أن الكيان الصهيوني هو الإطار الجغرافي والسياسي الذي يخلص أوروبا وأمريكا من مواطنيهم اليهود ذوي النزعة الصهيونية. لكن الأبشع في المفارقة، كيف لدول المنطقة وخارج اعتبارات الانتماء، لا تقدم المساعدة لشعب في حالة خطر الفناء، وهي المساعدة الإنسانية التي يجب أن تقدم حتى للعدو نفسه.