استقطب المهرجان الثقافي الدولي لموسيقى الديوان، في طبعته السابعة، جمهورا ذوّاقا للفن الأفريقي الأصيل، ونجح بعد عثرة الافتتاح، التي عملت بعض وسائل الإعلام على تضخيمها بعض الشيء، في تأكيد امتداد الجزائر وجذورها الضاربين في عمق القارة السمراء بألحانها ورقصاتها وترابها الحافل بالحكايا والأساطير.. جاء برنامج السهرة الثانية من المهرجان متنوعا، مع مشاركة فرقة "إيزا" (التي تأخذ اسمها من آخر حرف في لغة التاماشاق الأمازيغية) وهو ثلاثي يؤلف موسيقى متأثرة بالبلوز والروك، ممزوجة بخلاصة الأغاني التارقية التقليدية. إذ عند وصوله إلى مدينة تولوز الفرنسية، التقى الفرانكونيجري عمر زيديا الذي ترعرع على ألحان فرق تيناريوان، تاكريست ونكلا الترقية، التقى مناد موساوي وستيفان غراتو، فكانت فرقة "إيزا" الفرانكوجزائرية. وأدت الفرقة أغان مثل "إيلام نريال" و"أمدران" و"أبادايا" و"أييتما" و"ترهانين" و"تيدين" أداها عمر زيديا على الغيتار رفقة زميليه الجزائري مناد موساوي على آلة الباص والفرنسي ستيفان غراتو على الطبول مستقين إياها من ألبومهم الأول "أبادايا". حينما نستمع إلى الموسيقى التارقية الأصيلة، نستذكر أسطورة الفارس التارقي في جلسة "آهال"، الحفل أين يجتمع الفتيات والشباب من غير المتزوجين، ويتبادلون أطراف الحديث، ويحدث أن تختار الفتاة لنفسها الزوج الأكثر جرأة وذكاءً ووسامة. وحدث أن تسلق ثعبان فخذ الفارس وهو يستمع إلى عزف إمزاد، فامتشق سيفه وقتل الثعبان، ولكنه جرح فخذه في ذات الآن، ولمّا لم يكن الفارس يريد إيقاف عازفة الإمزاد، لم يصرخ، ونزف إلى أن أغمي عليه. ولكن الفرق التارقية لم تتوقف عند الإمزاد، حيث عرفنا فرقا مثل الباي الذي يقدم بلوز ترقي على طريقة ال"نيوأورلينز" الأمريكية، أو الراحل عثمان بالي الذي عرّف بتراث المنطقة في أقاصي أصقاع العالم. أما فرقة غلوبال قناوة فهي اسم على مسمى، فرقة متكونة من ثلاثي يقدم أطباقا قناوية مرفوقة بمقبلات موسيقية عصرية، تشكل فيها القمبري والعود ونغوني (القارقابو) والقيتار والساكسفون المكونات الرئيسية، ويقدمها موسيقيون هم أنفسهم مزيج من الجنسيات (الجزائر، المغرب، فرنسا والبرازيل). هذا التنوع بدا جليا في قسمات برنامج المهرجان، الذي جمع فنانين من الكونغو، الصين، مالي، المغرب، فييتنام ونيجيريا، ليتسنى بذلك للجمهور الجزائري أن يسافر آلاف الكيلومترات دون تأشيرة.. وهو ما أكدته السهرة الثالثة بمشاركة عازف الجاز الفرنسي الفييتنامي الأصل نغوييان لي، الذي قدّم تكريما للأسطورة جيمي هندريكس، بالإضافة إلى فرقة الجيل الصاعد القادمة من وهران. وفي هذا السياق أكد محافظ المهرجان مراد شويحي على أن اختيار الفنانين المشاركين في هذه الطبعة، على اختلاف مشاربهم وجنسياتهم وطبوعهم الموسيقية، كان على أساس المزج بين الثقافات بغية تطوير الموسيقى الأفريقية وتطعيمها بالأبعاد العابرة للحدود.. كما ركز شويحي على مبدأي التشارك والانفتاح، وهما الهدفان اللذان سطرتهما مختلف مهرجانات هذه الصائفة. يذكر أن افتتاح الطبعة السابعة من مهرجان موسيقى الديوان لاقى انتقادا كبيرا على لسان عدد من وسائل الإعلام، التي رأت في انقطاع التيار الكهربائي، وصغر مساحة الركح، وامتعاض الجمهور، مؤشرات لفشل هذه الطبعة. ولكن الناطقة باسم محافظة المهرجان، السيدة فيروز بوفريش بن عنتر، أكدت لنا أن ما قيل من انتقادات قد اعتراه كثير من المبالغة، فانقطاع التيار كان في آخر الحفل، وقد كان أمرا عارضا ولم يتكرر، وضيق الركح تعبير غير دقيق، والدليل الكوريغرافيا التي قدمتها فرقة سيدي بلال، ناهيك عن الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت في الأنترنت والتي تظهر، على سبيل المثال، تجاوب الجمهور مع الفنان العالمي النيجيري كيزيا جونس. في الأخير نقول إن الحكم على مهرجان موسيقي، أو أي نشاط آخر، بالفشل أو النجاح منذ البداية أمر مجانب للصواب، والأقرب إلى المنطق تقييم النشاط بعد الانتهاء منه، ولطالما طالبنا بندوة صحفية بعد نهاية كل نشاط تماما كما يتمّ قبيل انطلاقه، تحريّا للنقد البناء وتفاديا لتكرر السلبيات في الطبعات المقبلة.. ولكن مهرجان موسيقى الديوان لم ينته بعد، حيث سنكون هذه الليلة برياض الفتح على موعد مع كل من أوكويس وجوبيتر أنترناسيونال الكونغولية، وكذا فرقة نجوم الديوان.. هي فرصة إذا لتذوّق أهازيج الحضارة الأفريقية أمّ كلّ الحضارات، في جوّ من الأمن والطمأنينة التي تنعم بها أرض الجزائر.