ارتفعت الواردات الجزائرية من 4,20 مليار دولار في 2004 إلى 2,39 مليار دولار في ,2008 وهي أرقام مخيفة جدا تعكس سيطرة المستوردين على دواليب الاقتصاد الوطني الذي ينتظره الكثير للنهوض وتبوأ المكانة التي يستحقها، لأن التطورات المحلية والدولية تفرض علينا إيجاد إستراتيجية جديدة بعيدة عن الخطب الرنانة والمشاريع الطويلة المدى التي كبدت خزينة الدولة خسائر بالملايير من الدينارات دون أن تجسد الإصلاحات المرجوة على الساحة وبالتالي إبقاء الاقتصاد الريعي المبني على المحروقات هو القاعدة التي يبنى عليها الاقتصاد وبالتالي ضياع وقت وجهد وأموال كبيرة لتحقيق التوازن الاقتصادي دون جدوى وهو ما يدعو للتساؤل حول مصير النسيج الصناعي الوطني. تبقى المحروقات في بلادنا المسيطرة على الاقتصاد الوطني حيث لازالت تشكل 5,97 بالمائة من إجمالي العائدات ويعكس هذا الرقم العقدة التي تلازم الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال في بناء اقتصاد خارج قطاع المحروقات بالرغم من توفر جميع الإمكانيات لذلك غير الخط الكبير الذي وقعت فيه الجزائر هو عدم تهيئة نفسها لاقتصاد السوق حيث كلفها تحرير الاقتصاد بعقلية اشتراكية ودون تهيئة الأرضية للتحولات وانتشار الفوضى والآفات الاقتصادية التي جعلت الاقتصاد الوطني يحتل أماكن متأخرة كثيرا بالمقارنة مع الاقتصاديات العالمية. والملاحظ لتطور الواردات الجزائرية منذ 2004 يلمس ضعف الاقتصاد المنتج، وسيطرة المستوردين على النشاط الاقتصادي حيث انتقلت الواردات من 4,20 مليار دولار لتستقر في 2005 و2006 في حدود 22 مليار دولار، لكنها ارتفعت في 2007 إلى 5,27 مليار دولار وتصل إلى حدود 40 مليار دولار في ,2008 فالمستوردون الذين ارتفع عددهم أكثر من الفطريات يفرضون منطقهم على السوق الوطنية، فلم يتركوا شيئا إلا واستوردوه حتى ولو كان الإنتاج المحلي أحسن منه وتجد الجمارك الجزائرية صعوبات كبيرة لمحاربة بارونات الاستيراد في الموانئ والمطارات وما ارتفاع مدا خيل الجمارك بأكثر من 27 بالمائة بالمقارنة مع سنة 2007 إلا دليل على ارتفاع المخالفات الخاصة بالاستيراد والتصدير. وبالإضافة إلى ذلك يمكن تصنيف مخططات الإنعاش الاقتصادي والنهوض بالاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار المنتج والفلاحة وتطهير المؤسسات بالمشاريع التي يجب إعادة النظر فيها، لأنها كلفت الكثير من الوقت والجهد، فالدولة التي ضخت أكثر من مئات الملايير من الدولارات لتحرير الاقتصاد لم يرجع لها الصدى الايجابي وبقيت دائما الممول الوحيد للاقتصاد الوطني باستعمال أموال النفط. وحتى القطاع الخاص الذي تعول عليه الدولة للنهوض بالاقتصاد أصبح بدوره يخطط للاستيلاء على أموال الدولة باسم الاستثمار، فكم من متعامل تحصل على ملايير الدينارات للاستثمار وبعدها لم نجد له أي أثر وحتى القروض التي كانت موجهة للقطاع العمومي أصبحت من نصيب القطاع الخاص الذي استفاد من حوالي 4000 مليار دينار في السنتين الأخيرتين، لكن دون أن يحقق النتائج المرجوة فالاستيراد بقي هو اللغة السائدة. ومن الملفات التي يجب تسليط الضوء عليها هو قضية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بلغت مئات الآلاف لكن الفعالية الاقتصادية غائبة وإعادة النظر فيها أكثر من ضرورة من خلال إبرام عقود نجاعة وحماية أموال الدولة التي تمنح لهذه المؤسسات التي يجد معظمها بعد سنة أو سنتين صعوبات كبيرة في الاستمرار وتطالب بمسح الديون. وبالمقابل يبقى قطاع الفلاحة دون مستوى التطلعات وهو المجال الذي أنفقت عليه الدولة أكثر من 17 ألف مليار سنتيم كمساعدات وقروض، لكن الفساد وتوجيه الأموال لغير مستحقيها جعل معظم المشاريع تفشل والنتيجة هو وصول الواردات إلى مستويات قياسية خاصة فاتورة الغذاء التي ترتفع من يوم لآخر والغريب في قطاع الفلاحة هو رفض الفلاحين إعادة القروض وحتى تسديد الضرائب، وبالتالي، فعقود النجاعة التي استخلفت مشاريع الدعم الفلاحي يجب أن تتضمن بنودا صارمة لإرجاع أموال الدولة التي أصبحت عرضة للطمع والنهب وما جعل هذه السلوكات تنتشر هو غياب قانون صارم يتابع المستفيدين من القروض، وكان المر سيكون هينا لو انخفضت أسعار المواد الغذائية ولكن العكس هو الحاصل فالأسعار التهبت أكثر من أي وقت مضى وانخفاضها غير وارد أبدا. ويعتبر قرض ''الرفيق'' الذي أطلقته الوزارة مؤشرا آخر على انتشار العقلية الريعية، فأموال الفلاحين المكدسة لا يعرفون استثمارها وتبقى خزائن الدولة معرضة دائما للنهب والاستغلال. وعليه فعائدات المحروقات التي انتقلت من 1,46 مليار دولار في 2004 إلى 3,78 مليار دولار في 2008 لم تزد الاقتصاد الوطني إلا تخلفا واعتمادا عليها ولم تفلح الخطابات التي تؤكد قرب نفاذ البترول لكن تتبع عائدات النفط يزداد شراسة من يوم لآخر. ويظهر أن هناك أطراف أجنبية متورطة في إبقاء الاقتصاد الوطني على ما هو عليه للاستفادة من أموال النفط المتدفقة وهذا من خلال نشر تقارير تؤكد استحالة الاستثمار المنتج في الجزائر للإبقاء على وتيرة التصدير المرتفعة للجزائر التي تنتظر من اتفاق الشراكة مع الاتحاد المتوسطي تصدير الاستثمارات المنتجة وبعد العام الرابع من التوقيع لم تجن الجزائر إلا ازدياد فاتورة الأدوية الناتجة عن الشكوك في المواد الغذائية المستوردة. ------------------------------------------------------------------------