نحر الأضحية طقوس تلاشت وعادات أفسدتها المزايدات يسارع المواطنون بولاية الشلف وعين الدفلى لتسجيل أسمائهم في قوائم «ناحري الكباش» وحجز المواعيد مع هؤلاء لنحر أضحية العيد. لكن الملفت أن هذه الفئة فرضت منطقها وأسعارها التي فاقت هذه السنة كل التوقعات، مما فتح المجال أمام دخول «سماسرة» وغرباء عن «عالم الجزارة» يخشى أن يرتكبوا أخطاء قد تكون لها عواقب صحية، يقول المهنيون والبياطرة الذين التقتهم «الشعب». المظاهر التي رصدناها صارت من اهتمامات وانشغالات سكان المناطق الحضرية والتجمعات السكانية، حيث بات الجميع يتحدث عن ظاهرة الذبح والإجراءات الكفيلة بتفادي الأخطار الصحية والعواقب التي قد تحول الفرحة إلى مآسٍ حقيقية، يدفع المواطن فاتورتها في الفرحة العارمة بكبش العيد، الذي يبقى الحدث البارز هذه الأيام، بحسب الوقفات التي سجلناها مع هؤلاء ينتظرون هذا الموقف وصور الأطفال وهم يتابعون مثل هذه المشاهد ذات الطقوس الاجتماعية، بحسب ما استقصينا فيه حميدة، إطار بالولاية، رفقة محمد.ب، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة، وعبد الله زموري إطار باتصالات الجزائر متقاعد، وجمال. ف مسير بإحدى الشركات البترولية بحاسي مسعود. ناحرو الأضحية بين المهنية والبزنسة يتسابق المواطنون، سواء الموفوري الحال الذين لم يكلفهم شراء الكبش متاعب مالية بالنظر إلى مستواهم المعيشي، أو ممن «عضوا على النواجذ» ونفضوا جيوبهم لشراء الأضحية أو وضعوا لها مبلغا جانبا خشية صرفه في حاجيات أخرى، في انتظار أن تتراجع الأسعار ليظفروا بكبش، يتسابقون بحثا عن «الذباح» أو الجزار لنحر أضحية العيد على مرأى أولاده، وهي المهمة التي باتت صعبة في ظل قلة الجزارين. وهنا يحشر «البزناسيون» و»الانتهازيون « أنفسهم» لامتهان هذه الحرفة التي يجهلها الكثير منهم، ليفرضوا منطقهم وأسعارهم الخيالية، وهو ما يربك المضحين ويترك المواطن بين أيدي هؤلاء، ويصل الأمر إلى حد الابتزار دون مراعاة أدنى القيم، خاصة في مثل هذه الظروف، يقول مختار، صاحب قصابة بحي السلام، الذي ورث المهنة أبا عن جد. فالأمر يشير محدثنا، له تقنياته وتفاصيل إنجاز هذه المهمة في أسرع وقت وفي زمنها المحدد، كونها من الشعائر الدينية التي جاءت بها سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم في نحر الأضحية. وبرأيه، فإن الإقدام على هذه العملية مسألة حساسة ومتقنة، لأن المشهد لا يتكرر إلا مرة واحدة في العام وحضور «الجمهور الملاحظ والمتابع» للعملية يضع الذباح أمام مشهد إحداث الفرجة والتشوق وتحقيق الرغبة التي طالما انتظرها الأولياء والأطفال. فالمشاركة في الحادثة، لا ينبغي أن تخرج عن إطارها وطقوسها، لذا يلجأ الذباح إلى تحضير نفسه من حيث الجانب المعنوي والبدني لأن العملية مرهقة وشاقة، وهنا شدد محدثنا على مسألة التجربة في الذبح حتى لا ترتكب أخطاء قد يدفع المواطن فاتورتها. وأحصينا عشرات ممن تحدثوا إلينا عن تسجيل أسمائهم في قوائم الذباحين وهو ما يعني حجز موعد مع الذباح، وهو ما أكده لنا مختار، صاحب 43 سنة، والذي يلقى قبولا لدى أبناء الحي وباقي الزبائن الذين وجدناهم يتسابقون لتسجيل أسمائهم ليكون من زوارهم يوم الأضحية. لكن بالمقابل، وجدنا من يعرض خدماته كذباح دون أن يكون له محل أو متجر لممارسة الجزارة وقد كشف عن الأدوات التي يستعملها يوم الذبح، وهي موضوعة بإحكام بداخل «صاكو دو» يميل إلى الحمرة لشد انتباه من لا يعرفه وهو يوزع رقم هاتفه على من يتصيّده وبعض من هذه الفئة يضع إعلانا على سيارة كتب عليه: «ذباح يوم العيد»، دون أن ينتبه لعملية التخصص التي تعني أنه دخيل على المهنة. وهنا استوقفنا أحد الفضوليين ونحن نتجاذب أطراف الحديث مع هذه الفئة، شخص وقع ضحية لمثل هؤلاء قائلا: احذروا فإنهم مصاصو الدماء، لقد دفعت مبلغ 4000 د.ج مقابل عملية ذبح خلال العامين المنصرمين، حيث وجدت صعوبة في جمع المبلغ بعدما فرض علي منطقه عند نهاية العملية. وفي غمرة هذا الرصد مع الجزارين بذات الحي، أكد لنا محدثونا أن المبلغ في الأضحية لا يشترط عندنا، لكنه لا يتعدى 3500 د.ج، فيما تحدث آخرون أن السعر يتراوح عند البعض بين 2000 و2500 د.ج للكبش الواحد حتى لو كان أصحاب الأضاحي من إخوة أو من عائلة واحدة. وهنا استغرب الذين تحلقوا بنا ونحن نسجل هذه الردود: «كيف يصل السعر إلى هذا الحد، في وقت أن عملية الذبح لا تتجاوز 20 دقيقة، وهو ما يعني أن الذباح قد يصل إلى جمع ما يفوق 5 ملايين سنتيم في الظرف المحدد للعملية، وهو ما جعل هؤلاء يعلقون على الظاهرة «بالبزنسة» و»الانتهازية» في القيام بشعيرة دينية كان من المفروض أن يكون سعرها رمزيا. لكن بالمقابل، أكد لنا بعض المهنيين: «أن بعض الذباحين يعتبرون هذه المهنة في مثل هذا اليوم هي مشاركة العائلة فرحتها لذا يشترط الذباح سعرا معينا».
فضاءات للذبح .. والمعيار النظافة الصحية لم يتوان هؤلاء في وضع واختيار مكان الذبح، بل بعضهم يرى أن المسألة متروكة لخيار العائلة ورب البيت، فيما يعتبر آخرون أن الفضاء يخرج عن الأمكنة التي تحددها السلطات المحلية ومصالح البيطرة ضمن إجراءات تنظيمية محكمة لتفادي العمليات الفوضوية في نحر الأضاحي ببلديات ولايتي الشلف وعين الدفلى، خاصة لما يتعلق الأمر بقلة الذباحين وكثرة الأضاحي، لذا يقول السيد مداني، مفتش بيطري من مديرية الصحة بعين الدفلى، حددنا أماكن بتسخير كل المذابح بالولاية لإجراء هذه العملية في ظروف صحية وتنظيمية، حيث وجهنا الذباحين إلى هذه الأماكن ووجهنا نداء إلى السكان للتوجه الى المسالخ البلدية التي يشرف عليها، يقول مدني، بياطرة ومختصون في الأمراض لمرافقة المواطن والإشراف على العملية، خاصة من الناحية الصحية والنظافة، تفاديا لأي حادثة أو إصابة للماشية، أقصد الأضحية بمرض، خاصة الكيس المائي الذي يجهله غير المختص، خاصة إذا كان غير ظاهر ولا يكتشف إلا إذا تلمسه البيطري والذباح المهني بيده، لأن خطورته تكن في عدم كشفه، مما ينجر عنه أخطار صحية وخيمة، مشددا على ضرورة تطبيق الإجراءات الوقائية لتفادي الأخطار الصحية التي قد تقلب العرس إلى مأتم إن تجاهل المعنيون مثل هذه الإجراءات التي حددتها مديرية الصحة تطبيقا لتعليمات الوزارة المعنية ومحذرا من إصابات أخرى قد لا يتنبه إليها المواطن. من جهة أخرى، لمسنا نفس الاستعدادات من طرف المصالح البلدية بولاية الشلف، التي أعدت العدة لإنجاح العملية. لكن تبقى مسألة الذبح الشخصي، أي إقدام رب الأسرة على عملية النحر بنفسه، حيث نبّه البياطرة، بينهم مفتش المديرية بعين الدفلى، المواطن إلى توخي الحذر والاتصال بالمصلحة التي وضعت أرقامها الهاتفية لتقديم يد المساعدة إذا لاحظ المواطن أمرا غير طبيعي في أضحيته. حملات التحسيس بين لجان الأحياء والاستعانة بالإذاعة أبدت المصالح الصحية بالولايتين على مدار الأسابيع المنصرمة، وكذا مسؤولو البلديات، تجاوبا مع إجراءات المصالح البيطرية بتوفير الشروط الضرورية لإنجاح هذه العملية التي يقبل عليها ملايين الجزائريين لإيفاء هذه الشعيرة حقها، خاصة وأنها عبادة يقدهما الفرد قربانا ويبتغي بها وجه الله امتثالا لسنة سيدنا إبراهيم الخليل. ولتحقيق هذه الغاية النبيلة والشعيرة الدينية، شددت المصالح الصحية والبلديات على احترام الظروف والأماكن والفضاءات المخصصة للقيام بنحر الأضحية في أجواء ملائمة، يقول رئيس بلدية وادي الفضة محمد طهراوي، الذي أكد لنا الإجراءات المتخذة ميدانيا تطبيقا لتعليمات مديرية الصحة. فالمسلخ جاهز والتأطير البشري موجود، مشيرا أن أغلب سكان هذه الدائرة، التي تضم أولاد عباس وبني راشد بالإضافة إلى وادي الفضة، يقبلون على عملية النحر بمنازلهم، وهنا مكمن الخطر، خاصة الذين لا يصرحون بالحالات التي تعترضهم أثناء القيام بهذه المهمة، التي لها جانب صحي مهم، يقول رئيس البلدية. بالموازاة مع ذلك، لاحظنا تحرك رؤساء الأحياء والجمعيات المختصة في المحافظة على المستهلك حيث تباشر عملية التحسيس والتذكير بالحفاظ على نظافة المحيط تفاديا للروائح التي قد تخلفها ظاهرة رمي الأحشاء، معتبرين احترام الفضاءات المخصصة سلامة للصحة العمومية، يقول أحد المتطوعين، الذي وجدناه في أحد الأحياء بعاصمة الولاية بلدية الشلف. بالإضافة إلى ذلك، لم تتوقف الإذاعة الجهوية في بث حوارات مع مختصين وبياطرة لتذكير المواطن بأهمية المحافظة على المحيط ومراقبة الأضحية صحيا وعدم التساهل في حال ملاحظة ظاهرة ما، يقول المفتش مداني من عين الدفلى. لكن ما يثير الانشغال هي عمليات الذبح التي يقوم بها أصحاب المداشر والقرى والتي عادة تبقى من الهواجس التي تشغل بال المصالح الصحية، كون أن العائلات لا تطبق الإجراءات الوقائية والصحية التي تفرض بالمدن الحضرية وهو نداء يوجهه البياطرة لهؤلاء السكان بالحذر وعدم التردد في الاتصال بالمصالح المعنية في حال اكتشاف أي مظهر غير طبيعي في لحم الأضحية. أسر تترقب حضور احتفالية نحر الأضحية حركية البحث عن الذباح ورؤية الأضحية على المباشر لدى العائلات الشلفية والدفلاوية استقطبت الجميع ممن ربطوا أحزمتهم وضبطوا عقارب الساعة على مواقيت نهاية صلاة العيد. فعائلة جمال.ف لم تغفل قيمة الحدث، حيث شد الرحال ليكون بين غمرة وفرحة الأسرة الكريمة التي انتظرت قدومه، إذ كشف التلميذ أسامة شوقه لملامسة كبش العيد ومسكه من قرونه رفقة الكتكوت الصغير الذي، دون شك، ستلتصق بذهنه صورة معانقة الكبش وهو يبطح أرضا لنحره بعدما جهزت له ألبسة العيد. وهو نفس المشهد الذي يحضره محمد سراج، رفقة إخوته وجيرانه بحي الردار والشارة، التي لها تقاليد لدى الأطفال الذين يتنقلون بين مشهد وآخر، يقول حميدة ومحمد. ب وجمال، هذا الأخير كشف لنا أنه بدأ يتعلم عملية الذبح تحضيرا للأعوام القادمة كي يقوم بمفرده بنحر الأضحية على مرأى أولاده أسامة وآخرين، الذين تحدثوا عن أجواء الفرحة التي يترقبونها بعد عودة الأب الكريم من عمله بحاسي مسعود. وعلى غرار هذه الاستعدادات تتزين العائلات بما يجود لها من مظاهر الفرح والتراحم والفرح الذي يطبع عملية النحر في لحظاتها الأولى.