تعيش الطبقة السياسية على وقع حركية استثنائية، أهم ما يطبعها الانتقادات المتبادلة من طرف مختلف قيادات الأحزاب والتي عرفت أوجها تزامنا مع مناقشة قانون المالية لسنة 2016. يحدث هذا في وقت يتم فيه التحضير لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة المقررة يوم 29 ديسمبر الجاري، كما تترقب التشكيلات تعديل الدستور، وإلى ذلك التسابق لإنجاح مبادرات تم الإعلان عنها تصبّ في إنشاء جبهة وطنية داخلية لحماية الجزائر والدفاع عنها في ظل التحديات التي تفرضها المستجدات في المنطقة عموما. رغم أن الظاهر في المشهد السياسي الذي عرف تحولات كبيرة بفعل نتائج الاستحقاقات الانتخابية وكذا حرص الأحزاب الفاعلة، بما في ذلك المعارضة، على التموقع بقوة في الساحة السياسية، الخلاف والاختلاف بين الموالاة والمعارضة، إلى أن هذه الظاهرة توصف عادة ب «الصحية» في بلد اختار النهج الديمقراطي، كما تؤشر على انتعاش الساحة الوطنية عموما بعد ركود، وعودة الحزب العتيد بقوة ليس قياسا إلى النتائج المحرزة فقط، وإنما لحرصه على أن يكون حزب أغلبية في الحكومة، منهيا بذلك فترة تميّزت بالحكومات التقنوقراطية وذلك موازاة مع انقلاب موازين المعادلة في المعارضة بعد عودة جبهة القوى الاشتراكية «الأفافاس» إلى الريادة والتحاق حزب العمال به، في وقت سجلت الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي تراجعا كلفها المرتبة الأخيرة في صفوف المعارضة. ويحسب للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني سعداني»الأفلان»، الخرجات الإعلامية المكثفة في الآونة الأخيرة بعد ضبط كل الأمور الداخلية للحزب خلال المؤتمر العاشر، الذي كلل بفوزه على المنشقين، تندرج كلها في إطار العزم على أن تكون الجبهة قاطرة الأحزاب وفق ما أعلن عنه سعداني الذي أكد في عدة مناسبات، أن «الأفلان» سيكون القاطرة. ولكي لا تبقى تصريحاته مجرد كلام، لم يكتف فقط بحكومة «أفلانية» وإنما بادر بفكرة إنشاء «جبهة وطنية داخلية»، وأسس لها مقرا مستقلا لإقناع المنخرطين فيها بأنها ليست ذات طابع حزبي وإنما وطني، الهدف منها حماية الجزائر. ورغم أن «الأفلان» أعلن عن مبادرته بعد دعوة التجمع الوطني الديمقراطي إلى تكتل بين أحزاب الائتلاف وقبل ذلك دعوة «الأفافاس» إلى ندوة وفاق وطني مفتوحة لكل الأحزاب باختلاف أطيافها والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني، لم ينجح في عقدها إلى غاية اليوم، إلا أن سعداني يحرص على تجسيد المبادرة وإنجاحها ما يعزز موقع الحزب العتيد. لعل ما يؤكد هذا الطرح شروعه، الخميس الماضي، في التنقل إلى مقرات الأحزاب لشرح المبادرة والأهداف منها. وعلى الأرجح اختيار الانطلاق من حزب التغيير الذي يقوده عبد المجيد مناصرة المحسوب على المعارضة ليس اعتباطيا، ورهان النجاح فيما فشل فيه حزب «الأفافاس» هام جدا بالنسبة له وهو على رأس الجبهة.