توجيه الخطاب المسجدي وإحياء المرجعية الدينية لمواجهة النّوازل شكّل موضوع محاربة التطرف ومواجهة الطائفية النحلية ومختلف الآفات الاجتماعية، من بينها المخدرات انطلاقا من المرجعية الدينية الوطنية بتوجيه الخطاب المسجدي إلى تشريح هذه الأفكار الدخيلة على المجتمع الجزائري ومحاولة معالجتها، أهم الركائز التي استندت عليها وزارة الشؤون الدينية في عدة محطات، والوصول باستراتيجيتها الى غاية الانتقال بدور الإمام من الخطبة والموعظة والإرشاد إلى التدخل الاجتماعي لوضع حد للظاهرة بالتنسيق مع مختلف الجهات المدنية والمؤسساتية انطلاقا من القناعة المبنية على أن مكافحة التطرف مسؤولية الجميع. يأتي هذا التوجه الجديد في الخطاب الديني للجزائر في ظل التطورات الحاصلة بالمنطقة العربية والإسلامية والعالم ككل،لاسيما في ظل عولمة ظاهرة الإرهاب بشتى أنواعه الفكري والإجرامي، ومواكبة تطوره بعد خروجه من الرؤية التقليدية وتحوله لتجنيد الشباب في حركات جهادية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتحكمها في تقنيات وسائل الاتصال والتواصل لتمرير أفكارها ونشرها للتأثير عاطفيا على أكبر عدد ممكن من الشباب عبر العالم. وقامت الوزارة الوصية حرصا منها على مواكبة التغيرات والمستجدات من النوازل خلال سنة 2015 بعدة نشاطات، بداية بمواجهة الغلو الديني المؤدي إلى التطرف باعتباره أحد أهم الأولويات، من خلال التأكيد على اعتماد المرجعية الوطنية المستمدة من المالكية في إصدار فتاواها ومواقفها من كل الأحداث الجارية لاسيما ما تعلق بالأفكار التي تقوم بترويجها الحركات النحلية و الطائفية، وذلك بهدف تحصين المجتمع من الأفكار الهدامة وغرس الروح الوطنية لمواجهة الفكر الدخيل الذي يرد أن يضرب استقرار الجزائر وتشكيكه في إسلامه ومرجعيته. تكوين الأئمّة والمرشدين الدّينيّين لمواجهة الأفكار الدّخيلة وتمّ تنظيم في هذا الإطار عدة ورشات وندوات للأئمة والمرشدين الدينيين، تم الحث فيها على تطهير الخطاب المسجدي من الغلو والتوجه به نحو الاعتدال والوسطية في الطرح، وعدم الانسياق وراء المغالطات والغموض، والعمل على حماية المرجعية الدينية الوطنية من الأفكار الدخيلة على المجتمع، ومن الهجمة الإيديولوجية الهادفة إلى اقتلاع الشباب من حاضنتهم الدينية والوطنية، وهي التي تعد صمام الأمان والحصن المنيع الحامي للوطن، وهي نفسها المرجعية التي تعمد في قوتها على الخطاب الإسلامي المعتدل والصريح والقريب من الشباب. ولم يقتصر الأمر على الصعيد الوطني بل الى التنسيق الإقليمي من خلال عقد الورشة الثالثة لرابطة علماء ودعاة وأئمة دول منطقة الساحل، والتي عقدت تحت عنوان “التجارب الدينية لدول منطقة الساحل في علاج ظاهرة التطرف الديني والتطرف العنيف”، تم التأكيد فيها على العمل على اجتثاث ظاهرة التطرف الديني والتطرف العنيف من جذورها، كما كانت فرصة لإبراز دور الجزائر في مكافحة التطرف الديني في دول الساحل من خلال مساعدة هذه الدول على تأطير أئمتها، وإرساء أسس الخطاب الديني السمح، خاصة وأن المؤسسة المسجدية في هذه الدول غير مؤطرة وغير رسمية. وإلى جانب ذلك، عملت الوزارة على الرفع من المستوى العالي للتكوين الذي يتلقاه أئمة المساجد والقائمين على مؤسسة المسجد عبر مختلف المعاهد المتخصصة في هذا المجال، ما جعلها نموذجا يحتذى بها لدى الكثير من الدول الإسلامية ومطلوبا للاستفادة من خبرتها. وبغية الإحاطة بالموضوع أكثر واجتثاث التطرف، اتجه تفكير وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الى “ضرورة إنشاء المرصد الوطني للتطرف الديني الانحرافات النحلية وأصبح إستراتيجية في هذا الوطن”، ينتظر أن يرى النور قريبا حتى يكون صرحا آخر للدفاع به عن الجزائر. في هذا السياق، قال الوزير أنّ المرصد هو فضاء تشاوري يشارك فيه أعضاؤه بتحليل المعلومات واقتراح خطة المحاربة والمجابهة، بعد الاستفادة من المعلومات الوافدة من الجهات الرسمية، ويمكن أن تكون خطة العمل خطبة جمعة أو درسا مدرسيا أو منع مطويات حجب مواقع ومراقبتها. وفيما تعلق بموسم الحج لهذه السنة، فقد عرف الموسم نجاحا تنظيما يحسب للوزارة لو لم تنغصه تدافع منى وحادثة الرافعة، وذلك بالنظر إلى التدابير الجديدة المتخذة في هذا الشأن، لا سيما المسار الإلكتروني والتي كانت في الجزائر الدولة الوحيدة السباقة لتطبيقه ما جعلها الأولى عربيا وإسلاميا، ما انعكس إيجابا على استئجار عمارات قريبة من الحرم المكي، وحجز الغرف وتدعيم البعثة بمؤطرين إضافيين. وسمح اعتماد المسار الإلكتروني بالاطلاع على البطاقة الفنية للفنادق أو العمائر المخصصة للحجاج الجزائريين، حيث أن آخر عمارة تبعد عن الحرم المكي بحوالي 950 متر، بالإضافة الى التعرف على نظام الإسكان الافتراضي والغرفة المستأجرة طوال أداء شعيرة الحج والحرص على ضمان إقامة مريحة، كما تم نشر قائمة أعضاء البعثة المرافقين لكل رحلة من مرشدين وأئمة وأطباء وحماية مدنية. من جهة أخرى، تمّ ولأول مرة وضع خيم مكيفة تكييفا صحراويا، كما تم الحرص على ضمان الإنارة لاسيما بعرفة، تدعيم النقل مقارنة بالسنة الماضية، ما سهل على الحجاج التنقل مشيا على الأقدام في كل محيط الحرم المكي، كما حرصت الوصاية على تنظيم العديد من الحملات التحسيسية على نطاق واسع من خلال استغلال كل المنابر المتاحة ولقاءات ونشاطات توعوية حول الحج، وذلك عبر المساجد ودور الثقافة والإذاعة، ناهيك عن تنصيب لجنة للمتابعة تقوم تتولى ضمان التواصل المستمر والدائم مع البعثة بالبقاع المقدّسة. حادثة الرّافعة وتدافع منى النّقطة السّوداء لهذا الموسم بالرغم من الجهود المبذولة لتنظيم موسم حج ناجح على كل الأصعدة من طرف الدولة المستقبلة بالبقاع المقدسة، غير أنه لم يخلو من حوادث خطيرة جدا نغصت على المسلمين فرحة أداء الشعيرة الابراهمية، وكانت البداية بحادثة الرافعة التي خلفت 111 قتيلا و238 جريحا، وكان يمكن أن يكون العدد أكبر لو حصل الحادث قبل أو بعد الوقت الذي سقطت فيه الرافعة بالحرم بساعات لتجاوز عددهم الألف، وقد سجلت الجزائر بدورها ضحيتين وعدة جرحى. وما هي إلا أيام ليتبع حادث الرافعة بحادث آخر بسبب تدافع الحجاج الذين كانوا متوجهين لأداء مناسك رمي جمرة العقبة الكبرى بمنى ليذهب ضحيته 717 حالة وفاة و863 إصابة، فيما أحصت خلية الأزمة التابعة لوزارة الشؤون الخارجية بالتنسيق مع خلية الأزمة التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف عدد الحجاج الجزائريين المتوفين إثر حادث التدافع بمشعر منى 46 حاجا، وتم الجمعة الفارط إقامة صلاة الغائب على أرواح الضحايا بإذن من رئيس الجمهورية.