حق دستوريّ وخيار استراتيجيّ يذهب جانب من المحلَّلين والباحثين في النُّظم البرلمانيّة والعلوم السّياسيّة أمثال الدكتور علي الصاوي إلى الإقرار بأنّ الشبَّاب هو الرقم الصعب والأكثر تعقيدًا في معادلة الحياة السّياسيّة، وفي ظل نقص البيانات الإحصائيّة حول واقع المشاركة السّياسيّة للشبَّاب في الدّول العربيّة ونظرتهم إلى الحريّات العامّة والحكم الرّاشد، هناك أسئلة أوّلية طرحها في دراسة حول الشبَّاب والحكم الجيّد والحريّات، نرى من الواجب الإجابة عنها من قبيّل: - ما هو تعريف الشبَّاب من الناحية السّياسيّة؟ أي ما هو سنّ الناخب، وسنّ المنتّخب؟ وسنّ أصحاب المناصب والوظائف العليا في الدّولة؟ - ما هي نسبّة مشاركة الشبَّاب في الانتخابات المحليّة والبرلمانيّة والرئاسيّة؟ - ما نسّب وحجم عضويّة الشبَّاب في الأحزاب والنقابات والنوادي الرياضيّة ومنظمات المجتمع المدنيّ؟ - ما هي نسبّة البطالة بين الشبَّاب بدقة؟، وما هي تحصيلاتهم أو شهاداتهم العلميّة أو المهنيّة؟ - ما هي نسبّة الشبَّاب الراغبين في الهجرة أو الهجرة السريّة أو حتى نسّب محاولات الانتحار كظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائريّ تعكس واقعًا مُرًا؟! ضمن هذا السيّاق، تهدف هذه الدّراسة الموجزة إلى بيان مدى نجاعة مساهمة التشريعات والسّياسات العامَّة في التمكين السياسيّ للشبَّاب الجزائريّ من أجل التّمتّع بحقه الدّستوريّ في بناء وطنه وتشييد دّولته من جهة، والدعوة إلى تبني التمكين السّياسيّ والقانونيّ للشبَّاب الجزائريّ الطموح، كإستراتجيّة فعليّة وعمليّة لمواجهة مختلف المتّغيرات والتحدّيات الراهنة في خضم الانزلاق الأمنيّ الخطير الذي تعرفه منطقة الساحل ودول الجوار ومعظم الدّول العربيّة من جهة أخرى. وصولاً للغايّة المنشودة، ومن أجل الإجابة عن إشكاليّة هذه الدراسة التي تتمحور حول الإطار الدّستوريّ للتمكين السّياسيّ والقانونيّ للشبَّاب الجزائريّ وبعده الاستراتيجيّ، تمَّ الاعتماد على المنهج الاستقصائيّ التحليليّ ذو البعد النقديّ، وفق مقاربة تتكون من محورين؛ يتناول المحور الأوّل الإطار الدّستوريّ للتمكين السّياسيّ والقانونيّ للشبَّاب الجزائريّ، أمّا المحور الثاني فيتطرق إلى ضرورة تبني إستراتيجيّة فعالة لتمكين الشبَّاب من مواجهة المتغيّرات والتحديّات الراهنة. أولاً: التمكين السّياسيّ للشبَّاب في الفكر الوضعيّ في الفكر الوضعيّ يُقصد بالتمكين» مضاعفة قدرات الفرد والجماعة على تحقيق الذات بالتحكم في شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية» .كما يُعرّفه البعض على أنّه «عملية توعوية بالحقوق ومصادرها، وتنمية الشعور بتملك الأعمال والأنشطة التنموية على أساس أن عمليات الإعداد والتخطيط والتنظيم والتنفيذ والمراقبة والتقييم تتم داخل المجتمع بتوظيف المهارات والقدرات المؤسسية التي تمّ إنشاؤها وجعلها أكثر استجابة وتلاؤمًا مع احتياجات الشباب». وهناك ثلاثة اتجاهات عالجت موضوع التمكين السّياسيّ للشبَّاب، يمكن تصنيفها ضمن ثلاث مدارس رئيسيّة 1/ المدرسة الاجتماعيّة (الكلاسيكيّة) تُعالج هذه المدرسة مشاكل الشبَّاب من منظور اجتماعيّ، فترى بأنّ التمكين يأتي في إطار تمكين المجتمع ككل، ووفق نظريتهم فإن انخفاض مستوى المشاركة السّياسيّة للشبَّاب هو مجرد مؤشر، أمّا الداء فهو: « تأخر مستوى تطور المؤسسات السياسية وهشاشة مؤسسات صنع وإنفاذ «سيادة القانون» أي تدنى مستوى الحكمانية في بناء السلطة وعملية صنع السياسة واتخاذ القرار. « ؛ وحسب هذه المدرسة، فإن قدرات الشبَّاب لم تكتشف جيدًا، وأنَّ الشبَّاب العربيّ قادر على النّهوض وإقامة النهضة المنشودة إذا ما تغيّرت البيئة الحاكمة لسلوكه وتفعيل قدراته، والمناخ المحيط بالشبَّاب. كما ترى هذه المدرسة، أنّه من غير الضروري «حصحصة» الديمقراطية، من قبيل «التمييز الإيجابيّ» للمرأة مثلاً، أو للأقليات الدينيّة أو للطبقة العاملة..، بل إنّ الأهم حسبهم هو إصلاح مؤسّسات الحكم، لتكون جيّدة، من خلال احترام سيادة القانون ومبادئ الشفافيّة. 2/ المدرسة البراغماتيّة( النفعيّة) على النقيض من المدرسة الكلاسيكيّة فإنّ الاتجاه البرغماتيّ يرى بأن مشاكل الشبَّاب تختلف عن مشاكل المجتمع، وأنّها لا ترتبط مباشرة بمستوى الحكم الجيّد. بل الأنشطة الترفيهيّة والرياضيّة أو بناء مساكن الشبَّاب كفيلة بالقضاء على مشاكلهم !!!، وترى بأن الشبَّاب يريد الانضمام إلى سوق العمل وليس الانضمام إلى أحزاب (بطريقة: سأعطيك سمكة، فلا تعبأ بالمشاركة في الصيد..، وطالمَا لنّ تتعلم الصيّد فلنّ يؤثر كلامك حول قراراتي!). ويترتب على هذه النظرة النفعيّة آثار سلبيّة. وضمن هذا السياق، يتمّ منح هامش «ضيق» من المشاركة السّياسيّة، باعتبار أن هذا الهامش سوف يتسع فيما بعد، وغالبًا ما يتم الترويج لثقافة تبرر تدني مستوى الحريّات والمشاركة السّياسيّة بالتقدم في الخدمات الممنوحة للشبَّاب . 3/ المدرسة التكنوقراطيّة (النخبويّة) وترى أنّ هناك ديمقراطية بما يكفي، رافعة شعار «التغيير قبل التمكين»، أي أنّنا نحتاج لتغيير ثقافة الشبَّاب حتى يستطيع استيعاب مساحة الديمقراطيّة والحريّات الممنوحة، ويروج جانب من أصحاب هذا التوجه لفكرة أن «الشبَّاب لا يستحق أكثر من هذا..»، و»أن الشعوب العربيّة أمّية تعليميًا وسياسيًا، وتخضع لتقاليد قبليّة وعصبيّة، ولا تصلح للدّيمقراطيّة.. وهكذا الشبَّاب في هذه الشعوب..». وهذه النظرة، ترادف بين «التمكين والتعيين»، فتقوم بإعادة تعريف تمكين الشبَّاب إلى مؤشرات كميّة -غير دالة غالبًا- على الحالة النوعيّة، مثل الزعم بأن تعيين بضعة وزراء من الشبَّاب دلالة كافيّة وقاطعة على تحقيق التمكين السياسي للشبَّاب ككل، أو القول بأنّ «الخطاب السّياسيّ يؤكد على مشاركة الشبَّاب، أمّا المجتمع فهو الذي لا يستوعب هذا الخطاب..»، أو «تمّ إنشاء مجلس للشبَّاب، ولا يحق لأحد بعد ذلك الحديث باسم الشبَّاب». ثانيًا: التمكين السّياسيّ في ضوء الدّساتير الجزائريّة عرفت التجربة الدّستوريّة في الجزائر ثراءً وتنوعًا كبيرين، ويظهر ذلك جليًا من خلال جملة الدّساتير المتبناة منذ استرجاع السيّادة الوطنيّة، ومواكبةً للإصلاحات التي تهدف إلى تقويّة وتطوير الدّولة الجزائريّة الحديثة أو للخروج من الأزمات السّياسيّة عرف الدّستور مراجعات عدّة، فما مكانة التمكين السّياسيّ للشبّاب في الدّستور الجزائريّ؟ وهل نص المؤسّس الدّستوريّ الجزائريّ على الحقّ في التمكين السّياسيّ للشبَّاب؟ 1/مكانة التمكين السّياسيّ للشبَّاب في الدّستور الجزائريّ كان للشبَّاب الجزائريّ دورٌ بارزٌ ومتميزٌ في قيام الثورة التحريريّة حيث كانت قيادة الثورة تضم العديد من القادة الشبَّاب بالإضافة إلى جيش التحرير والمناضلين في الحركة الوطنية، وعند الاستقلال كان لهم دورٌ جوهريٌ في بناء صرح الدّولة الجزائريّة الحديثة، وبالرجوع إلى النُّصوص المؤسّسة للجمهوريّة، نجد أنّ الدّساتير الجزائريّة لها مكانة متميّزة بين هذه النُّصوص؛ فهل نصّت صراحةً على الحقوق السّياسيّة للشبَّاب ؟ جاء في المادّة 13 من دستور 1963: «لكل مواطن استكمل 19 عامًا من عمره حق التصويت.»؛ أما في دستور 1976؛ فنجد أن المادّة 39 تنّص على أنّ: «تضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان و المواطنين. كل المواطنين متساوون في الحقوق و الواجبات. يلغى كل تمييز قائم على أحكام مسبقة تتعلق بالجنس أو العرق أو الحرفة.» كما تنّص المادة 58 على أنّ: «يعد كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ناخبا وقابلا للانتخاب عليه.» يجذر الذكر أنّ الميثاق الوطني لسنة 1976 ، قد تطرق في الباب الأوّل منه للقوى الاجتماعيّة للثورة والتي ضمّت العمّال، والفلاّحين، والشبَّاب؛ حيث أقرّ أهميّة دور الشبَّاب في الكفاح ودوره في بناء الدّولة والمجتمع. كان دستور 1989 نقلة نوعيّة في مجال إقرار التعدديّة السّياسيّة في الجزائر. جاء في الفقرة السابعة من ديباجة الدّستور الجزائريّ لعام 1989 المعدّل سنة 1996» إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية لكل فرد.» ، كما تنّص المادّة 32 : « الحرّيات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة. وتكوِّن تراثًا مشتركًا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حرمته. «.أما المادّة 50 فتنّص على أنّ: « لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن ينتخِب ويُنتخَب. «، كما تقر المادّة 51 : «يتساوى جميع المواطنين في تقلّد المهام والوظائف في الدّولة دون أيّة شروط أخرى غير الشّروط التي يحدّدها القانون.» كما أضاف بموجب التعديل الدّستوريّ لسنة 2008 ؛ « المادّة 31 مكرر: « تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة.» ومؤخرًا تم تنصيص على حق الشباب في مشروع مراجعة الدستور لعام 2016، نتطرق إلى هذه المسألة في ما يلي: «يتبع» الحلقة الأولى