معركة حقيقية لاستكمال الاستقلال الوطن اعتبر توفيق حسني، الخبير في الشؤون الطاقوية، أن قرار تأميم المحروقات الذي اتخذته الجزائر بتاريخ 24 فيفري 1971، جاء بمثابة معركة تنموية حقيقية خاضتها بإرادة قوية وثقة كبيرة في قدرات كفاءاتها، بعد تحضير مسبق ورؤية ثاقبة للتحديات، مستكملة مسار الاستقلال السياسي، حيث تم إدراك بشكل جيد الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه الطاقة في مجال النمو وبناء اقتصاد قوي. وتطرق إلى تداعيات الوضع آنذاك بالكثير من التشريح، مستفيضا في استرجاع الحقائق من ذاكرته الحية، بما أنه كان من بين الإطارات التي كانت حديثة التكوين واعتمد عليها في حمل المشعل لإنجاح التأميم بالاعتماد على سواعد الجزائريين في الاستغلال والإنتاج. لم يخف الخبير توفيق حسني لدى وقوفه على حقيقة ما عايشوه خلال تأميم المحروقات، وكيف انصهرت قوى وجهود الجميع لتجسيد قرار تاريخي كبير وجريء، فتح المسار نحو تنمية الاقتصاد الوطني، واسترجاعه لتلك المكاسب المحققة وكيفية استغلال ذلك الرصيد في ظل الظرف الحالي الذي لا يخلو من الصعوبة. وأوضح يقول، إنه فيما يتعلق بالشق التاريخي لهذا القرار الاستراتيجي، يجب الأخذ بعين الاعتبار الظرف الذي كان سائدا بتاريخ 24 فيفري1971، على اعتبار أن الجزائر كانت حديثة العهد بالاستقلال بفضل جيل قدم تضحيات بالنفس والنفيس، وافتك سيادته السياسية، لكن بقيت الثروة الطاقوية منقوصة يجب استكمالها من خلال وضع اليد على حرية القرارالاقتصادي. ورغم الظروف الصعبة التي كانت تحاصر الجزائر وعلى ضوء الإدراك الفعلي للدور الاستراتيجي الذي يمكن للطاقة أن تلعبه بوجه عام وكذا المحروقات بوجه خاص، حيث اتخذت عدة بلدان في تلك الحقبة قرار التأميم، مثل المكسيك وإيران وغيرهما، منها من نجحت وأخرى عرفت فشلا. ويرى حسني أن مكسب التأميم لم يجسد بشكل تلقائي أو عشوائي، حيث تم التحضير لكل كبيرة وصغيرة بداية بتكوين المهندسين والتقنيين، ثم توفير فرق معتبرة من الكفاءات، تطبيقا لرؤية الرئيس الراحل هواري بومدين، رحمه الله. وذكر الخبير في سياق متصل، أن التأميم مثل المعركة، جاء ردا على الفرنسيين المنسحبين من حقولنا النفطية، حيث كانوا يظنّون أن الجزائريين ليس لديهم القدرة على رفع تحدي التنقيب والإنتاج والتسيير والتحكم في الوضع. لكن المهندسين والتقنيين والمسيرين والمسؤولين الجزائريين عرفوا كيف يواجهون التحدي وصفعوا المشككين في قدراتهم دون أن يساعدهم أحد. وتحدث عن إثبات تواجدهم بجميع الحقول وقواعد الإنتاج في أرزيو وحاسي مسعود وحاسي الرمل، بفضل الذهنية والثقافة الإيجابية التي تكرست، حيث كان عديد المسؤولين في «مجمع سونطراك» بحجم المسؤولية وجسدوا حلم جميع الجزائريين، فكانت المعركة التنموية بمثابة استقلال اقتصادي. وكون المحروقات كانت تعد في السابق رهانا عالميا بأتم معنى الكلمة، لكن اليوم تغيّر كل شيء بخصوص الريع النفطي، فإذا كان سقف سعر برميل النفط في حدود 100 دولار و حجم الإنتاج كبير فإن تكلفة البرميل سوف تستقر عند 30 دولارا، بينما تمثل 70 دولارا الريع، في حين إذا انخفض سعر برميل النفط إلى 30 دولارا، فلن تكون هناك مداخيل. علما أن تكلفة استخراج وتكرير مشتقات المواد الطاقوية المستخلصة مثل البنزين والوقود، لم تكن تكلفتها تقل عن 30 دولارا، وبعد انهيار أسعار النفط ستتراجع إلى النصف. وخلص الخبير إلى القول في هذا المقام، إن سعر برميل النفط عندما يناهز 30 دولارا، فإن الدول الغربية ستربح ما يناهز 60 من المائة، وفرنسا وحدها ربحت جراء تراجع أسعار البترول ما لا يقل عن 28 مليار دولار. على صعيد آخر، تناول الخبير توفيق حسني، مسألة تراجع الطلب على المحروقات، متوقعا استمراره وأنه سيأخذ أبعادا سلبية في آفاق عام 2030، حيث سيعرف الإنتاج والاستهلاك منحًى تنازليا رهيبا، لذا ينبغي، بحسب تقديره، الشروع في التفكير في تجسيد التحول الطاقوي، مجددا التأكيد مرة أخرى أن للجزائر جميع الثروات لكي تتجاوز الظرف الصعب وتتحرر من التبعية بشكل مطلق من المورد النفطي. واقترح في سياق متصل، ترتيب الأولويات ومنح الصدارة للقطاع الذي لديه القدرة الأكبر على منح الثروة والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني. ويعتقد أن القطاع الفلاحي يجب أن يحظى بالأولوية والعناية، كونه يحقق الأمن الغذائي ويمتص فاتورة الواردات من المواد الغذائية وهذا ما يفرض ضرورة منح الاهتمام لزراعة القمح، حيث يمكن أن يساهم القطاع الفلاحي في مجال النمو بما لا يقل عن 20 من المائة، بينما الطاقة تضمن 30٪ من النمو. ودافع الخبير حسني عن ضرورة ترشيد استغلال واستهلاك الغاز في ظل تسجيل حرق ما لا يقل عن 6 ملايير متر مكعب، والتوجه نحو استغلال الطاقة الشمسية العنصر البديل الأكثر نجاعة، بحسب ما يعتقد. وأبدى تفاؤلا كبيرا عندما قال، الأزمة الراهنة يمكن التحكم فيها وشبّهها بتحدي تأميم البترول.